حمل مشروع القانون المالي لسنة 2005 بندا جديدا في الميزانية الخاصة بمجلسي البرلمان، قضى بإقرار زيادة بقيمة 6000 درهم في التعويضات المخصصة للبرلمانيين، تحتسب بدءا من شهر يناير 2004، بعد أن سبق لوزير المالية والخوصصة أن وعد بها النواب والمستشارين أثناء مناقشة القانون المالي ل2004، وقد شكلت هذه الخطوة مفاجأة غير متوقعة في هذا الدخول السياسي، بسبب تفاقم مؤشرات ضعف مردودية المؤسسة التشريعية، وهزالة أداء أعضائها التي تدل عليها معطيات الغياب الكبير في الجلسات واللجان، وانحسار الدور الرقابي والتشريعي إلى مستويات متدنية وغير مسبوقة، مما جعلها خطوة مفتقدة للمبررات المعقولة، ومعاكسة للتوجهات المعلنة حول ترشيد أولويات الإنفاق العمومي واستعادة مصداقية المؤسسات المنتخبة. طبيعة الزيادة سجل المشروع الجديد تراجعا حتى عن الصيغة التي جرى طرحها قبيل انطلاق دورة أبريل 2003 التي ميزت في التعويض بين المناطق القريبة والبعيدة، كما ربطته بالحضور في أشغال البرلمان، حيث إن الصيغة الأخيرة قامت بتعميم هذه الزيادة على كل البرلمانيين ودون تمييز بين النائب أو المستشار الساكن في الرباط وبين القادم من الناضور أو من الجنوب، كما أن الزيادة لم تعد مرتبطة بالحضور، فضلا عن استمرار عدم تفعيل المقتضيات الخاصة بالغياب في النظام الداخلي لكلا المجلسين، والتي تقضي باللجوء إلى الاقتطاع من التعويضات في حال التغيب من دون عذر وبعد التنبيه الكتابي للمتغيب، أي أن المشروع الجديد عمم تلك التعويضات على الجميع ودون اعتبار لمدى فعاليتهم في البرلمان، أو حتى استثمارها كآلية في النهوض بهذه الفعالية، وهو ما يمثل تعبيرا جديدا عن أزمة تدبير الإنفاق العمومي والاختلالات الحادة التي تطبع هذا التدبير، ويطرح تساؤلات حول الخلفيات التي تحكمت في اعتماد هذه الزيادة المعممة، والمنطق الذي خضعت له في ظل خطاب سياسي عمومي يتحدث عن الترشيد وملحاحية استعادة الثقة في الهيئات السياسية وتفاقم مؤشرات الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، هذا دون إغفال ما طرح في اجتماع لجنة المالية بمجلس النواب في السنة الماضية حول وضعية الأجور العليا في المؤسسات العمومية والتي لا تنسجم والأوضاع الاقتصادية لفئات عريضة في المجتمع، وتكرس تفاوتا صارخا يحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة. لقد طرح موضوع الزيادة في التعويضات المخصصة للبرلمانيين في محطات متعددة، واتخذ صيغا مختلفة، أولاها في الولاية التشريعية 2002-1997 وذلك في كل من ماي 2000 ويناير 2002 وكان تحت صيغة الزيادة في معاشات النواب، وأثار حينذاك سجالا واعتراضا قويا في الساحة الإعلامية والسياسية، بعد أن تم طرحه في اجتماع لرؤساء الفرق النيابية، وقد كان موقف فريق العدالة والتنمية معارضا لهذا المقترح وصوت ضده مرتكزا على ضرورة ترشيد النفقات ومراعاة الواقع الاجتماعي والظرف الاقتصادي المزري للبلاد، ليطوى الموضوع ويقع التراجع عن اعتماد ذلك المقترح. مقترح دورة أبريل 2004 وموقف العدالة والتنمية وتجدد الأمر في الولاية التشريعية الحالية خلال دورة أبريل 2003 عندما أعد مكتب مجلس النواب مشروع تعويضات للنواب عن الحضور والإقامة والتنقل، معتمدا على التقسيم الجهوي للبلاد في تحديد قيمة التعويض، حيث قدر تعويض الحضور ب 500 درهم والإقامة ب1000 درهم مع احتساب 3 دراهم عن كل كيلومتر ، وقدر التعويض الإجمالي في حالة بلوغ نسبة الحضور مائة في المائة ب 896208 درهم وفي حالة نسبة 25 في المائة من الحضور ب 224052 درهما في السنة، وقد ربطت هذه التعويضات بقرار إلغاء استفادة البرلمانيين من حق الإعفاء من التعشير على السيارات المستوردة، أي أن قرار التعويض على الحضور هو بمثابة تعويض عن التنقل بعد إلغاء الامتياز الجمركي، وقد عبر فريق العدالة والتنمية بخصوص مسألة الامتياز الجمركي عن موافقته عن صيغة التعويض الشهري الجزافي تبعا للبعد الجغرافي من العاصمة باعتبارها ستمكن من أن تغطي نسبيا النفقات المرهقة للسادة النواب الذي يقطنون في أماكن بعيدة حسب المراسلة التي وجهها في 26 يونيو 2003 لرئيس مجلس النواب، وأضاف فيها أنه يقترح ربط جميع التعويضات بالحضور، وذلك بالاقتطاع في حالة الغياب على أن لا يقل الباقي عن 10 آلاف درهم. وبخصوص ما طرح في موضوع الرفع من معاشات النواب، فقد كان موقفه واضحا، حيث لا يرى ما يدعو إلى الرفع من معاشات النواب خاصة وأن ذلك سيؤدي إلى المس بصورة المجلس لدى عموم المواطنين، فضلا عن أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العامة للبلاد تدعو الفريق إلى التحفظ الشديد على هذا المقترح، ولم يكن هذا الموقف سهلا بالنسبة لأعضاء الفريق، خاصة وهو يسجل نسبة حضور تعادل 75 في المائة في الجلسات العامة وجلسات الأسئلة الشفوية في الوقت الذي لا تتجاوز النسبة العامة للمجلس 40 في المائة في أحسن الحالات. وبمناسبة تقديم مشروع القانون المالي ل2005 كانت المفاجأة هي اتخاذ قرار بالزيادة في التعويضات المخصصة لكل البرلمانيين، دون أي ربط بالتقسيم الجهوي أو درجة البعد والقرب من العاصمة، ودون أي ربط بالحضور في أعمال المجلس، أي أنها أصبحت بمثابة زيادة خالصة لا علاقة لها مباشرة بالتعويض عن معاناة بعض النواب أو المستشارين ممن يفرض عليهم التنقل أسبوعيا للبرلمان، مما أفقد هذا المبرر حجيته وصدقيته. أزمة مردودية البرلمان وفي الوقت الذي برمجت فيه هذه الزيادة ضمن مشروع القانون المالي، كان مجلس المستشارين يصوت على مشروع القانون الخاص بالاتصال السمعي البصري، وذلك بحضور لا يتجاوز السبعين، أي في حدود 25 في المائة من أعضاء المجلس البالغ عددهم 270 مستشارا، ليتقدم بذلك مؤشرا جديدا عن التناقض بين مشروع الزيادة وبين حقيقة الأداء الضعيف للبرلمان، بما يفقده الزيادة المبرر المنطقي بشكل كلي، وهو ما يمكن أن نقدم عنه بعضا من المعطيات التي تهم عمل مجلس النواب في الدورة التشريعية السابقة، (أي دورة أبريل 2004) مع إضافة مثال دال يرتبط بالتصويت على القانون المالي لسنة 2004 الذي يمكن اعتباره محطة معبرة عن الحالات العالية في الحضور، حيث لم يتعد عدد المصوتين 84 نائبا من أصل 325 نائبا، فضلا عن أن المتوسط العام للحضور لا يتجاوز 40 في المائة. وبخصوص الدورة التشريعية السابقة فإن مجموع الأسئلة الشفوية التي سجلت بلغ 473 ضمنها 110 قدمها نواب فريق العدالة والتنمية بما نسبته 25,23 في المائة، رغم أن نسبتهم في المجلس لا تفوق 13 في المائة، وفي الأسئلة الكتابية التي تعد مؤشرا دالا بحكم عدم وجود قيود عن حصة الأسئلة المبرمجة، فقد كان مجموع الأسئلة 1098 سؤال بمعدل 4,3 سؤالا لكل نائب، لكن إذا ما تم استثناء فريق العدالة والتنمية والذي قدم 762 سؤالا أي ما نسبته 70 في المائة وذلك إلى غاية 1 شتنبر ,2004 تصبح النسبة الحقيقية 336 سؤالا عن 283 نائبا بمعدل 18,1 سؤالا لكل نائب، وهي ولا شك حصيلة هزيلة تكشف قصور المستوى الرقابي للمجلس، وتعززها المؤشرات الخاصة بالمستوى التشريعي إذ أن الدورة السابقة عرفت البت في 16 مشروع قانون تقدمت به الحكومة لمجلس النواب، ضمنها 7 تهم الموافقة من حيث المبدأ على اتفاقات مع دول أو منظمات تهم علاقات اقتصادية وديبلوماسية، مما يجعل الحصيلة الفعلية لا تتعدى 9 قوانين، ونعتبر أن هذه مؤشرات واضحة في التدليل على أزمة المؤسسة التشريعية وقصور فعاليتها، ويمكن استقصاء المعطيات الخاصة بمقترحات القوانين، واجتماعات لجن المجلس، وزيارات المعاينة حول قضايا محددة، حيث تؤكد هي الأخرى الخلاصة آنفة الذكر، مما يجعل السؤال عن مبررات الزيادة في التعويضات يفرض ذاته بحدة، ويجعل من أي تسويغ يرتكز على أعباء العمل البرلماني والمهام الملقاة على عاتق النائب أو المستشار داخل المؤسسة التشريعية تسويغا وهميا لا تسعفه معطيات الواقع العيني للبرلمان. وبكلمة، إن مشروع الزيادة وبأثر رجعي يعود نفاذه بدءا من يناير 2004 وبالصيغة التي جاء بها، يحتم على كافة المعنيين معارضة هذا المقترح، كما يفرض على فريق العدالة والتنمية تحمل مسؤوليته والوفاء لموقفه السابق، بعد أن جاء هذا المشروع ليعمم هذه الزيادة ودون أن يربطها بالحضور في أعمال المجلس، وتأكيد خياره في ترشيد العمل النيابي والانسجام مع مبادرته السابقة في طرح موضوع الأجور العليا في الدولة. مصطفى الخلفي