ليس مهماً ما إذا كان بوش هو الذي سيستفيد من شريط بن لادن الأخير أم كيري، مع أن من التسطيح بمكان خروج بعض الصحف بعناوين فاقعة تتحدث عن تصويت بن لادن لصالح بوش، خلافاً لآخرين كانوا أكثر دقة وقرأوا الموقف بعكس ذلك، حيث تحدثوا عن تصويت الرجل الحاسم لصالح كيري، مع أن ذلك لن يشكل بالضرورة ضمانة لفوزه. نقول ليس مهماً، حتى لو كان بن لادن قد قصد بالفعل التأثير في الانتخابات الأمريكية بشكل من الأشكال، والسبب هو أن في الرسالة الجديدة ما هو أهم، ذلك أن تسجيل كلمة باللغة العربية مشفوعة بترجمة إلى اللغة الإنجليزية، موجهة إلى الرأي العام الأمريكي والدولي هو حدث مهم يؤكد أن الرجل قد قرر أن يجري تغييراً على خطابه السابق، وهو ما كان بالفعل. في الشريط الجديد نحن إزاء خطاب جديد لأسامة بن لادن يستعيد روحية الرجل في سياقه الأول البعيد كل البعد عن التكفير والقريب كل القرب من سماحة المجاهد الذي يعرف طريقه، كما كان الحال أيام الأفغان، ومن ثم أيام التحالف مع الملا محمد عمر. في الشريط الأخير غابت قصة الفسطاطين التي تحدث عنها بعد هجمات الحادي عشر من ايلول، وحضرت معادلة جديدة تفرق بين الأعداء وتتحدث عمن يستهدفون المسلمين بشكل خاص، وإلا فما معنى ذكره للسويد كنموذج للبلد الذي لا يمكنه التفكير في الاعتداء عليه. الشريط الجديد هو استمرار لروحية التغيير التي حملتها الرسالة الماضية للرجل، والتي حملت عرض الهدنة على الأوروبيين، الأمر الذي يعني أن ما صدر من رؤى وتعليقات على سلوك الرجل السياسي في السنوات الأخيرة قد آتى أكله تحولاً في تفكيره، ما يؤكد بدوره أنه كان مجتهداً فيما فعل ويفعل حتى لو أخطأ هنا أو هناك. في الشريط الجديد يعكس بن لادن روحية النص الإسلامي حسبما قرأه، وهو نص يتحدث عمن اعتدى على المسلمين وليس عن الكفار بإطلاقهم، الأمر الذي برز مبكراً في أدبيات حركة حماس على سبيل المثال، فهي لم تتحدث يوماً عن معركة مع اليهود بوصفهم يهوداً، وإنما تحدثت عن محتلين سرقوا الأرض وشردوا الشعب. في الشريط الجديد إذن تحول بالغ الأهمية، على رغم أننا لم نسمع سوى جزء من الشريط، فيما حرمتنا الضغوط الأمريكية على الجزيرة فرصة متابعة ما تبقى من النص البنلادني الجديد حيال قضايا أخرى مثل العراق، فيما يمكننا أن نتوقع لهجة ارتياح لما يجري هناك من مقاومة للاحتلال، بل ربما طالب بالتركيز على تلك الجبهة كما فعل في رسالته الماضية. من المؤكد أن ظهور بن لادن الجديد وبهذه الروحية الهادئة قد شكل صفعة لمعركة الإرهاب من أولها لآخرها، وعلى رأسها بوش وسادة المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة، لكن الأهم من ذلك هو ظهوره بهذه اللغة المختلفة التي تصفع بدورها سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، وتمنح الحركات المناهضة للإمبريالية الأمريكية مادة جديدة في مواجهتها مع غطرسة المحافظين الجدد، ومعهم أي فريق آخر ينهج ذات النهج أو قريب منه، حتى لو كان من الحزب الديمقراطي. في كل الأحوال فإن الشريط الجديد قد أثبت بدوره أن ظاهرة بن لادن ليست في وارد الأفول، حتى لو قتل الرجل أو اعتقل، فهذه اللغة الهادئة والمتحدية أيضاً التي تحدث بها ستكون قابلة للتسويق بكل سهولة في الشارع العربي، الأمر الذي لم يكن ممكنا حيال خطاب يريد أن يعادي العالم أجمع بدعوى الكفر والإيمان وبعيداً عن المواقف السياسية. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني