في غضون 20 سنة، تمكن المغرب من تحقيق تقدم ملحوظ في التصدي للمخاطر الكبرى، خاصة على مستوى النصوص التشريعية والتنظيمية وإرساء آليات مالية خاصة. جاء ذلك في دراسة أنجزتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول تدبير المخاطر الطبيعية بالمغرب وتم تقديم نتائجها اليوم الأربعاء بالرباط. وتقترح هذه الدراسة خمسة محاور كبرى تتعلق بتحسين المقاومة أمام الكوارث الطبيعية، متمثلة في الحكامة، والتقييم، والوقاية من المخاطر الكبرى، إلى جانب تدبير الطوارئ، والإنعاش وإعادة الإعمار. فعلى مستوى حكامة المخاطر الكبرى، أبرزت الدراسة أن المغرب حقق تقدما ملحوظا في فهم المخاطر الكبرى، إلا أنها رأت أن هذه الجهود لم تخول بعد تقديم إجابة مندمجة. ويعود هذا القصور إلى الطابع "القطاعي، والقائم على أحادية الخطر، والنازل، وغير الشاملة كفاية" الذي يميز حكامة المخاطر. وصاغت المنظمة عدة توصيات للتغلب على هذا العجز، من بينها اعتماد رؤية بعيدة المدى لصالح سياسة مندمجة لحكامة المخاطر الكبرى، واعتماد سياسة المخاطر كأولوية وطنية، وتفعيل إطار مؤسساتي ملائم لحكامة أولوية وطنية مع خطوط واضحة للمسؤولية، وتحديث الإطار التنظيمي لملاءمته مع التحديات الراهنة والمستقبلية. وبخصوص تقييم المخاطر، اعتبر التقرير أنه تطور بشكل هام منذ بداية سنوات 2000 مع اعتماد العديد من المقاربات الأحادية الخطر ووجود كفاءات وأدوات مناسبة. وقال التقرير إن هذا التقييم لا يخول مقارنة مميزات المخاطر المختلفة واحتضان الموارد المخصصة، مشيرا إلى أن الولوج للمعلومة حول المخاطر ينبغي أن يكون موضوع سياسة معطيات صريحة. وفي هذا الاتجاه، يوصي التقرير بوضع سياسة وطنية لتقييم المخاطر، بدعم من آلية مؤسساتية ملائمة، خاصة عبر إنشاء مرصد للمخاطر الكبرى، وتوحيد الخبرتين الجامعية والتقنية، ووضع معايير على المستوى الوطني وخرائط المخاطر على المستوى الترابي، فضلا عن جعل الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمخاطر موضوع سياسة للمعطيات الصريحة. أما المحور الثالث المتعلق بالوقاية من المخاطر فيبرز أن السياسة التي يعتمدها المغرب في هذا المجال هي في قمة التطوير، وركزت على الماء (حوالي 90 في المائة من النفقات التي تعبئها مختلف البرامج القطاعية). وتعد التدابير غير الهيكلية متنوعة إلا أنها تبقى محدودة في نطاقها، حسب التقرير الذي اعتبر أن التحسيس المتنامي للفاعلين المحليين والمواطنين والمقاولات أمر ضروري لتحسين سياسات الوقاية. ويشير التقرير إلى أن تمويل الوقاية يبقى هشا على المديين المتوسط والطويل، في ظل غياب إطار مستدام، مضيفا أن خطر التسونامي لا يتم أخذه بعين الاعتبار كفاية. وتهم توصيات هذا الشق توعية جميع الأطراف المعنية بالمخاطر الكبرى، وحثها على الاستثمار في مجال الوقاية والتخفيف من المخاطر، وتحقيق توازن أفضل بين الإجراءات الهيكلية وغير الهيكلية التي تخول تحسين الاستثمارات واستخدام الأموال العامة، والشروع في حملة إعلامية وطنية بشأن المخاطر لبث الوعي بالمسؤولية لدى الفاعلين المحليين، وتعزيز استعداد القطاع الخاص، والبدء في تفكير أنشط حول الوقاية من خطر التسونامي. ويشير المحور الخاص بإدارة الطوارئ إلى أن النظام المعمول به في المملكة تطور تدريجيا ويتلاءم مع تدبير الطوارئ المحلية، خاصة يإنشاء مركز لليقظة والتنسيق في 2008 وإرساء مخطط قطاعي لتحليل وتغطية المخاطر. ومع ذلك، يبدو أن وسائل الاستجابة لا تزال محدودة وغير قادرة على التعامل مع الأزمات الكبيرة أو الكبيرة جدا، برأي التقرير الذي أضاف أن بعض المخاطر الكبرى لا تتم الإحاطة بها كفاية وأن تغطية أنظمة الإنذار لا تزال غير كافية، مع ضرورة إشراك أكبر للمجتمع المدني والسلطات المحلية. وفي هذا الصدد، شددت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية على ضرورة تعزيز مركز اليقظة والتنسيق عبر ربطه بأنظمة الإنذار والبنيات التحتية الحساسة، ومواصلة تحقيق انسجام الوسائل وتعزيز القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ بما يتماشى مع التقييم الوطني للمخاطر، ومواصلة تعزيز أنظمة الإنذار المبكر في البلاد، وخاصة في الفيضانات والتسونامي، وتطوير خطط طوارئ بين الوكالات على أساس سيناريوهات المخاطر الرئيسية على المستوى الوطني وفي الجهات. وأخيرا، يركز المحور الخاص بالإنعاش وإعادة الإعمار على الوسائل الكفيلة بالإحاطة بالتداعيات المؤلمة للأحداث الكبرى. ويشير التقرير، في هذا الصدد، إلى أن إنشاء صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية منذ 2009 (تموله الدولة في سقف 200 مليون درهم سنويا) مكن المملكة من التوفر على إطار تمويل مخصص لمواجهة حالات الطوارئ وللإنعاش وإعادة الإعمار. وتتجلى جهود المغرب، أيضا، في تنفيذ مقاربات مبتكرة بمساعدة من آليات التأمين مع أخذ استمرارية نشاط المقاولات بعين الاعتبار. وتدعو توصيات هذا المحور إلى استدامة تمويل المخاطر الكبرى في المالية العامة، والتعبئة والتقييم من أجل تقدير أفضل للحاجيات المالية المستقبلية، وتجميع آليات التعويض في الميزانية مع قواعد واضحة قبل وقوع الحدث بخصوص توظيف الأموال العامة، وتوطيد وتوسيع نظام التأمين للقطاع الفلاحي والإسراع في تنفيذ آليات التغطية للأفراد. وتحلل هذه الدراسة، التي أنجزتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، عمل الفاعلين المتعددين، بما فيهم الحكومة المركزية والجماعات الترابية وهيئات البحث والقطاع الخاص والمجتمع المدني.