تعرف الساحة الوطنية، خاصة خلال الصيف، تنظيم مجموعة من المهرجانات يقال إنها ذات بعد ثقافي، وإذا كان من اللازم التأكيد على أهمية المهرجانات ذات البعد الثقافي والتي تنظم بغاية تستهدف خدمة المواطن ثقافيا واجتماعيا في ظل احترام ثوابت الشعب المغربي، لكن الغريب أنه في السنوات الأخيرة بدأت تظهر أنواع من المهرجانات تعقد تحت شعارات الثقافة والتنمية والاحتفالية...إلا أن المتتبع لمساراتها سيكتشف مدى ابتعاد تلك المهرجانات عن المضامين الثقافية والترفيهية الحقة، لتدخل في نفق من الأنشطة المبتذلة والبعيدة عن روح المواطنة الحقة. في هذا الإطار يمكن أن تطرح مجموعة من الأسئلة منها: ماهو سر غلبة المهرجانات التافهة على المهرجانات الجادة في السنوات الأخيرة ؟ ثم كيف تطورت طرق وصيغ تدبير المهرجانات التي تقام في أهم المدن المغربية؟ وهل فعلا هاته المهرجانات تساهم في الارتقاء بميادين التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية؟ لقد احتدم النقاش مثلا في مجلس مدينة الدار البيضاء أثناء التهييء لمهرجان المدينة الأخير الذي انعقد في الفترة الممتدة من 61يوليوز إليغاية52منه، وكان الخلاف يدور حول الجهة التي تفوت لها تنظيم المهرجان، وكذا مضامينه والغلاف المالي المخصص له، والذي حدد في الأخير في مبلغ مليار و250مليون سنتيم. وقد سبق لمصطفى الحيا رئيس فريق مستشاري العدالة والتنمية بمجلس المدينة أن قال في تصريح للتجديد أن إسناد تنظيم المهرجان لجمعية تدعى مهرجان الدار البيضاء(وهي جمعية تأسست سنة2004 وترأسها سيدة أعمال وفي عضوية مكتبها شخصيات متنفذة ، وأعطيت لها صلاحية تنظيم المهرجان خلال السنوات الخمس المقبلة) هو مصادرة لصلاحيات المجالس المنتخبة التي أضحت صورية مادام أن القرارات تصنع خارجه، وأضاف الحيا أن رصد مليار و250مليون سنتيم للمهرجان يعد تبذيرا للمال العام، لاسيما في ظل الظروف الإقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر منها المغرب. إذن قياسا على مهرجان الدار البيضاء، والذي لا تختلف المهرجانات الأخرى عنه، يمكن استنتاج الملاحظات التالية: - أولا الملاحظ أن طرق تدبير المهرجانات في المغرب تثير الكثير من الأسئلة حول ديمقراطيتها، فكثيرا من المهرجانات تنظم بصيغ غير ديمقراطية، من قبيل تكليف جهات غير منتخبة بالسهر عليها، أو تقديم المجالس المنتخبة لمساعدات لجمعيات معينة قصد التكليف بالتنظيم وبالتالي حضور معطى المحسوبية والزبونية، أما الحل الآخر الذي يتم اللجوء إليه وهو تنظيم المهرجانات من قبل جهات غير منتخبة، أو تكليف جمعيات مدنية بذلك. - الأمر الثاني هو تغييب النزاهة في تدبير الكثير من المهرجانات التي تقام على الأصعدة الوطنية والمحلية، مما يطرح معه، إلى جانب تبذير المال العام، معطى المساءلة وتدقيق الحسابات، وهو مايتعذر في أغلب الحالات نظرا لتشابك المساهمين في التمويل والتنظيم. السؤال الثاني المطروح هوإلى أي حد تساهم مثل هاته المهرجانات في تفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ترفعها كشعار مختلف هاته المهرجانات، فالمتمعن في برامج أغلب المهرجانات المستحدثة في السنوات الأخيرة يلحظ غلبة طابع الإثارة الغنائية على أغلب برامجها، كل ذلك في غياب كلي في بعض الحالات للأجناس التنشيطية الأخرى مثل المحاضرات والندوات والأنشطة الموازية الهادفة. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن الغايات العلنية والخفية من إغراق السوق الثقافية المغربية بمثل هذا المنتوج الذي يستخف بالتراث الحضاري والتاريخي للمغاربة. وإضافة الى غياب الأبعاد الثقافية الجادة في مضامين أغلب المهرجانات، يلا حظ كذلك زيف شعارات إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرفوعة كشعار. ولعل السؤال المطروح على سبيل المثال هوكالتالي: ماهي الميادين الاقتصادية والاجتماعية التي استفادت من مهرجان الدارالبيضاء الأخير والذي كلف المدينة مليارو250مليون سنتيم، والذي غلبت على مواده الأنشطة الإيحائية المبتذلة. مجمل القول أن لا أحد يمكن أن يعارض تلك المهرجانات الفنية التي تلتزم بثوابت الأمة المغربية، وتستهدف تثقيف المواطن والترفيه الإيجابي، أما إتخاذها ذريعة لتصفية الحسابات السياسية والإيديولوجية بين أطراف معينة، فالمواطن أول من سيقف ضد هذا المسار المختل. والمطلوب هو الحرص على دمقرطة المهرجانات الوطنية، الدمقرطة من حيث طرق تدبيروتسييرالمهرجانات. كذلك يجب الإتجاه إلى تفعيل أدوار مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمدنيين من أجل القطيعة مع عملية احتكار المهرجانات الفنية من قبل جهات حتى مهرجاناتنا معبرة فعلا عن خصوصية المجتمع المغربي الأصيل.