1/3 ما زالت قضية الفوائد الربوية تثير غبارا في الساحة الإعلامية رغم إجماع فقهاء مجمع الفقه الإسلامي مؤخرا بالعاصمة القطرية الدوحة على حرمتها. إذ كثرت المقالات التي تحاول دون جدوى أن تمحو من عقلية المسلم الحرمة التي يحفظها في نفسه وقلبه وذاته للربا والأضعاف المضاعفة من الفوائد... وقال فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي أن الحكم الشرعي لتحريم الربا تعرض في الآونة الأخيرة لحملة مشبوهة مدبرة ضمن الهجمة الكبيرة الشرسة المدروسة لكل ما هو إسلامي في ميادين الاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة أو السياسة أو غيرها . وأضاف أن من أخبث المؤامرات على العقل الإسلامي المعاصر، تلك المحاولات الجريئة لتحويل المحكمات إلى متشابهات والقطعيات إلى محتملات ، قابلة للقيل والقال والنقاش والجدال، رغم أن هذه المحكمات والقطعيات تمثل (ثوابت الأمة) التي انعقد عليها الإجماع المتقين، واستقر عليها الفقه والعمل وتوارثتها الأجيال جيلاً إثر جيل. وقال فضيلة القرضاوي إن العقل الاقتصادي الإسلامي مر بمراحل التبعية ثم التبرير إلى الدفاع فمرحلة إيجاد البدائل، مشيرا إلى أن الحق ظاهر وواضح في حرمة الربا، وأن من شذ عن الجماعة شذ إلى النار. جاء ذلك في رد على الشيخ محمد بن حمد آل ثاني الذي قال: أن فوائد البنوك ليست من الربا المحرم، متبعا قول مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وبأن غالبية أعضاء مجمع الفقه الإسلامي لهم علاقة بالبنوك الإسلامية، ومن كانت له علاقة بهذه البنوك تثور لديه بالتأكيد شبهة المصلحة في تحريم الفوائد البنكية سواء كانت هذه المصلحة مادية أو معنوية حسب رأيه. في هذه الحلقة نورد تبريرات الشيخ محمد بن حمد آل ثاني على أن تتبع برد فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في القضية. وكان الشيخ محمد بن حمد آل ثاني قد أدلى بتصريحات صحفية تعقيباً على بعض قرارات المجمع الفقهي الذي اختتم أعماله بالدوحة مؤخراً، وخاصة ما يتعلق منها بموضوع الفوائد البنكية، وأشار إلى أنه على قناعة تامة بأن الفوائد البنكية ليست هي الربا الذي حرمه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة "وقد تأكدت لدينا هذه القناعة منذ سنوات عديدة من علماء أفاضل، لا نشك أبداً في علمهم ونزاهتهم، من أمثال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله. ثم إنني أقبل بقرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الذي صدر في نونبر الماضي، وأرى أنه قرار صائب وصحيح ويتفق مع الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، ويتماشى مع روح العصر، ويراعي مصالح الناس واحتياجات التطور المستمر. وحول ما يأخذه البعض على أعضاء مجمع الأزهر أن من بينهم من ليسوا بفقهاء، أوضح بأن هذا شيء طبيعي أن يكون بعض أعضاء المجمع الفقهي من غير الفقهاء، لأن دراسة رأي الشريعة في الأحوال المستجدة لا يتطلب رأي الفقهاء فقط، ولكن رأي الخبراء في الأمور الأخرى، كالاقتصاديين والقانونيين وعلماء التفسير وعلماء اللغة، ولا أظن أن المجمع الفقهي الذي انعقد في الدوحة خالياً من هذه التخصصات. ورأى أن الفوائد البنكية ليست هي الربا المحرم، فالله- سبحانه وتعالى- حرم الربا لما فيه من ظلم كبير، وقد عرفت مما قرأت حول هذا الموضوع، أن ذلك في ربا الجاهلية، إذ كان من يقترض مائة دينار يعيدها آلافاً من الدنانير، هكذا قال الفقيه الكبير ابن القيم الجوزية، وذلك يتفق مع ما نفهمه من نصوص القرآن، بأن الربا ليس هو الزيادة المحدودة على رأس المال، وإنما هو الزيادة الكبيرة التي تزيد عن المائة بالمائة، وهذا لا يحتاج إلى تخصص في الفقه كي يفهمه الناس، والبنوك معاملات حديثة لم يعرفها العالم الإسلامي قبل القرن العشرين، فنحن في قطر على سبيل المثال، لم نعرف البنوك قبل عام 1950م، وقد ثبت بالدليل القاطع أن أعمال البنوك مفيدة للمجتمع، فبقدر ما يتطور المجتمع بقدر ما تكون هناك حاجة لمزيد من البنوك كي تنظم وتسهل المدفوعات والتحويلات، وتمول التجارة والمشروعات، وتقوم بكافة الخدمات المالية التي لا غنى عنها. وسواء كان البنك إسلامياً أو تقليدياً فإنه في رأيي يقوم بنفس العمل، ولا يختلف النوعان عن بعضهما إلا في أقل الشكليات التي لا يعيرها الإسلام اهتماماً. وهذا، في رأينا، فهم مغلوط للآية: (ذلك أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا...) فالمرابون الذين استنكروا تحريم الربا، رغم ما فيه من زيادات كبيرة هي علة التحريم لما فيها من ظلم، قد قالوا إن ذلك يحدث في البيع أيضاً، أي يحصل التاجر على أضعاف قيمة البضاعة، فقال الله- سبحانه وتعالى:(وأحل الله البيع وحرم الربا). فالبيع الذي أحله الله هو الذي يتحمل فيه التاجر مشقة إحضار البضاعة وتخزينها وتسويقها مع كل ما في ذلك من احتمالات الخسارة، سواء بسبب التلف أثناء النقل أو التخزين، أو بسبب احتمال التعرض للسرقة... ولكن الله لم يقل بأن عملية تمويل شراء صفقة لا تكون حلالاً إلا إذا أخذت من التجارة شكلها دون المضمون الحقيقي. وأشار آل ثاني إلى أنه اتفق مع رأي الأزهر في هذا قائلا: " فأنا لا أقرض البنك أموالي، وإنما أوكله في إدارتها، وهي وكالة من نوع جديد لم تعرفها المعاملات القديمة، ويمكن تكييف تعريف جديد لها، والوديعة بالقطع ليست قرضاً، فالقرض في مفهومي علاقة بين صاحب المال الفائض عن حاجته ومن هو في حاجة للمال. والبنك ليس بحاجة إلى مال المودع، ولكنه يقبله باتفاق بينهما على إعادة تشغيله بالطرق المناسبة مقابل عائد، وهذا العائد أصبح بالخبرة وبظروف السوق وتعليمات البنك المركزي معروفاً لديه، وبالتالي فتحديده مقدماً لا ضرر فيه. وقد أجاز الفقهاء تأجير الأرض بمال محدد قياساً على الخبرة السابقة في معرفة مستوى العائد من الأرض في السنوات السابقة. وضمان البنك للوديعة أمر جيد، فقد أجاز مثله الفقهاء عندما قالوا بتضمين الصناع، أي ضمان الصانع كالمكوجي والخياط لما بين يديه من ملابس أو قماش يقوم على صناعتها فهو ضامن لها إذا احترقت أو فسدت. وفي ضمان البنك للوديعة مصلحة للناس طالما أن البنك قادر على تحقيق الربح، ولكن في حالة الخسارة الكبيرة التي لا يمكن تعويضها في السنوات التالية، مثلما حدث مع بنك التقوى وبنك الاعتماد والتجارة وغيرها، فإن ضمان البنك للوديعة يختفي". وحول الظروف التي يمكن أن تقبل معها قراراً بشأن الفوائد البنكية من المجمع الفقهي؟ أوضح محمد بن حمد آل ثاني بأن الإسلام يقبل باختلاف وجهات النظر في شأن المعاملات ولكنه يرفض الاختلاف فيما يخص العبادات وأمور العقيدة. ويقول الفقهاء إن في ديننا فسحة، واختلاف الرأي رحمة، ولهذا اختلف الفقهاء في كثير من الأمور المتعلقة بالمعاملات، ولذلك أنا لا أرى في اختلاف الرأي حول موضوع الفائدة البنكية مشكلة، طالما انتفت منها علة تحريم الربا وهي الظلم. ثم إن رأي المجمع الفقهي في الدوحة لا يشكل إجماعاً إسلامياً على موضوع الفوائد، طالما عُلم أن هناك علماء آخرين مخالفون، ومجمعا فقهيا آخر، يقضي بعدم ربوية أعمال البنوك. ومن الواضح أن غالبية أعضاء المجمع الفقهي الذي انعقد بالدوحة لهم ارتباطات بالبنوك الإسلامية من خلال العمل كمستشارين أو في لجن الرقابة الشرعية، سواء كانت هذه الارتباطات قائمة حالياً أو سابقة. ومن كانت له علاقة بالبنوك الإسلامية تثور لديه بالتأكيد شبهة المصلحة في تحريم الفوائد البنكية، سواء كانت هذه المصلحة مادية أو معنوية، وبالتالي لا يمكن قبول الرأي الصادر من هكذا مجمع بشأن حرمة الفوائد. فإذا ما انعقد مجمع فقهي لا يكون من بين أعضائه من له علاقة بالبنوك الإسلامية، فإننا عندئذ نقبل بما يصدر عنه من قرارات بشأن الفوائد، وبشرط ألا تكون قراراته مبنية على القرارات السابقة للمجمع الفقهي، بل تكون محصلة لدراسات مستفيضة تأخذ بالاعتبار جميع الآراء التي قيلت حول الموضوع. عبد الحكيم أحمين - الدوحة