من الخيانة والمتاجرة في الأعراض إلى التوبة النصوح هي قصة امرأة غرفت من منبع الرذيلة ألوانا، وانساقت تتلوى بنغمات التجارة في الأجساد الفتية، وتأخذ الربح الذي يسيل له لعابها عن كل مومس تكتريها للزبناء ليلة أو ليلتين..وإن كان القصد من ذلك هو جمع المال بغض النظر عن الوسيلة، فإن ح.د امتلكت هذه التجارة بتفوق فأصبحت الواسطة الأساسية بين أهل العرض والطلب، وانضافت كأحد الأسماء البارزة في تجارة اللحوم البيضاء إلى لائحة أباطرة الدعارة والمنظمين لشبكتها، لكن لكل عمل نهاية. ولعل فطرة الله التي فطر الناس عليها تتحرك من حين لآخر فتزيل الغبار الذي يغلف القلوب ويصدق الأمر الإلهي «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتي أحدكم العذاب ثم لاتنصرون». تخون زوجها العجوز من كان يصدق أن العجوز ذات السبعين عاما والتي ترقد أمامي الآن في فراش المرض كانت تتاجر في الرقيق الأبيض؟ من كان يصدق أن موت الزوج الذي كان يكبرها بسنوات عديدة سيكون بداية المأساة، حدثتني عن ذلك وهي تغالب كحة المرض قالت:»ولدت في قرية أمازيغية من أسرة كثيرة الأفراد فكنت الخامسة بين أخواتي، زوجنا أبونا في عام واحد، وكان من نصيبي رجل عجوز، لأن أبي لم يكن من النوع الذي يستشير بناته أو يعبأ لرفضهن أو اعتراضهن، وهكذا رضيت بالقسمة والنصيب». لكن حكاية حادة تبدأ في ذلك اليوم الذي التقت عيناها بذلك الفلاح الشاب الذي كان يتردد على الزوج العجوز في بيته فيلبي طلباته في سقي الأشجار وجلب المؤن من السوق الأسبوعي، كانت تلك النظرات المتبادلة بينهما كافية لكي يحصل الإعجاب وينسج خيوط الخيانة التي كانت تحدث تحت ستار الظلام بعد استرسال الزوج في نومه العميق ودامت الخيانة بين ح.د والفلاح مدة ليست بالقليلة إلى أن توفي الزوج العجوز وهو لا يعلم من الأمر شيئا تقول: «كنت شابة طائشة فكانت غلطتي كبيرة وأرجو من المرحوم أن يسامحني». هكذا تدعو بخشوع وقد اغرورقت عيناها بالدموع الرقراقة الندية.. من الخيانة إلى المتاجرة فيها ولعل الأمر لم يقف عند حدود الزنا بل تجاوزه إلى الرغبة في المتاجرة في سوق الدعارة إشباعا لنهم الطمع الذي ظهر في نفسيهما بعد موت الزوج، تقول: «بعد وفاة المرحوم أغراني م.ح ببيع ما ورثته والمغادرة إلى المدينة لأن فيها الثروة التي نحلم بجمعها فصدقته وذهبنا معا، فاشترينا دارا في أحد الأحياء وبدأنا نخطط كيف سندير حياتنا الجديدة». ولم يكن تفكير ح. د وصديقها إلا في مشروع المتاجرة في الأعراض لربحه السهل والوفير، وكان قرارهما موافيا لرغبة مكنونة في خدمة نوازع الدعارة التي تمتلكهما والتي ابتدأت حلقاتها بالخيانة في غياب صوت الضمير الحي. تقول «كنت أستقبل نساءً مطلقات أو لهن مشاكل مع عائلاتهن فأوفر لهن المسكن والأكل والشرب واللباس في مقابل بيع أجسادهن للزبناء، وكان الطلب كثير خاصة في ليلة السوق الأسبوعي حيث يتوافد الرجال إلى المدينة من أغلب القرى والنواحي فتدور كؤوس الخمر مع الشواء ونغمات العيطة». مصرع الخائن الأول وإشراك أخيها كانت تحبك حلقات هذه القصة بمساعدة خدنها الذي كان يجلب الزبناء ويقبض الثمن ليتم اقتسامه مع ح.د التي وضعت ثقتها المفرطة فيه لكن سرعان ما تكتشف علاقته بأخرى فتتوقد نار الغيرة في قلبها وتقسم على الانتقام، لكن المقادير الإلاهية كانت أسرع حيث وجد مقتولا في حادثة سير، وكان مخمورا ترافقه خليلته الأخيرة. وهكذا تتوالى الأحداث على ح.د وتفسح لها مجالا لتتراجع عن أفعالها لكنها تتغافل خاصة بعد موت الصديق الذي كان يفرض سيطرته عليها ويغدقها عليها "الأرباح" الكثيرة.. تقول:» بعد موته ربيت طفلا لأنني كنت عاقرا، واستدعيت أخي الذي يقاربني في السن ليعيش معي، واستمررت في الحرفة، وزادت شهرتي وأرباحي». وفي خضم هذه التطورات لا بد أن تكون هناك أطراف متضررة لقربهم من مسرح الأحداث، إنهم الجيران الذين لم يكونوا ليسلموا من الأذى تقول ح. د «كم مرة كان يدخل الزبناء بطريق الخطإ عند الجيران فتحدث المشاكل وأستدعى إلى الشرطة، ورغم المضايقات، فقد كنت أخرج من القضايا التي كانت تلبسني مثل الشعرة من العجين وكانت لي في ذلك أساليب ذكية وأيادي خفية تساعدني». ولعل هذه المرأة تصف بقولها ذاك ظاهرة انتصار الفساد على التعزيرات الوضعية، ومأساة المسؤولية العاجزة عن الحد من الدعارة والإباحية التي وقعت في زمنها وما زالت تتكرر، وإن كانت الدعارة لا بد من تسميتها إحدى المشاكل الأساسية في قيمنا فتخليق المجتمع منها لا بد أن تتظافر فيه أطراف عدة من أئمة المساجد والدعاة والسلطة هذه الزخيرة التي تملك المسؤولية الأكبر في تغيير المنكر باليد. كبائر ومصائب ولعل أغرب ما يطوف على العقل أن يجتمع الفساد والدهاء في قلب إنسان فإذا أضيف له الطمع يجر على الآخرين الويلات في محيط يعشق الارتواء من اللذة الحرام على مختلف الأعمار، وكانت ح. د خير مثال لذلك حيث إنها جمعت في ليلة واحدة بين الأب وابنه دون أن يعرف أحدهما بوجود الآخر في دار المومسات، ولعلها كانت تنظر إلى جيب الزبون أكثر من نظرها في أمور شخصية أخرى وعواقبها كهذه الحادثة التي كادت أن تؤدي إلى شق في هذه الأسرة وتمزقها. فهل الغاية مهما صدقت نية صاحبها تبرر الوسية وإن اتسمت بالقذارة؟ سؤال كان يعترضني في معرض حديثي مع ح . د لكن حينما ألتقي مع الأحداث التي ترويها أصل في النهاية إلى أن الهوى المطاع والطمع المتبع خير صديقين لإفساد القلوب، ولكن الشيء الخفي الذي يحركهما هو الخوف..الخوف من قلة الرزق ومن الفقر الذي يدفع صاحبه إلى الإقدام على طرق ملتوية لكسب الرزق بالحرام. خروج الروح.. وتوبة نصوح وتمضي ح. د في طريقها الذي رسمته لنفسها، مشغولة بجني الأرباح، يساعدها أخوها الذي نزع الغيرة من قلبه في سبيل الربح السريع، ولم يأبه لشرف أخته أو بسمعتها، حتى ذلك اليوم الذي كان فيه على موعد مع المرض الذي قبض فيه، غير أن منظر معاناته لسكرات الموت أثر في ح. د حتى لم تكد تستسيغ الأكل أياما بعد موته، وقد كان خير موعظة للأخت اللاهثة وراء الحرام. تقول حادة : "كان منظر أخي رهيبا، سبعة أيام بلياليها وهو في النزع حتى بانت أنيابه من شدة السكرات وأصبحت صورته مخيفة وخيل لي أنه لن يقبض، وكان "فقيه" الدرب يقرأ القرآن عليه كل يوم حتى يسر الله له خروج الروح". ولعل لكل بداية نهاية. ولعل نهاية شخصية ح. د الشريرة هي بداية عهد جديد لسخصية أخرى تبدأ فيها اللون الأبيض في الظهور ويشكل فيها النور مركز الثقل في معركة انتصر فيها الإيمان بعد أن خمدت الدوافع، وتراجع الشيطان جارا فلوله في خيبة وخسران، تلك هي صورة ح. د بعد موت أخيها الذي كان بداية رجوع للذات وتأنيب الضمير على ما فات.. وهكذا قامت فطردت من منزلها المومسات وتخلصت من كل المحرمات، وهي الآن تعيش مع ابنها الذي ربته وأصبحت جدة لطفلين جميلين. سألتها عن أمنيتها في هذه الحياة فقالت «أتمنى أن يغفر الله لي، وأتمنى لو يرجع بي الزمان إلى الوراء حتى لا أفعل ما فعلت لأني لم أحصد إلا الخيبة والخسران»، قالت ذلك وهي تحتضن حفيدها الذي كان يحدق فيها بعيون صافية بريئة وكأنه يؤمنها على ما تقول، ويردد معها في نفسه قول القرآن الكريم ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا. إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ). عزيزة شفيع