يصعب التعرّف على نشاط قوى الضغط في الولاياتالمتحدة الموالية للدولة العبرية دون الوقوف على نشاط هذه المنظمة بصفة خاصة. إذ تُعدّ لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، المعروفة اختصاراً باسم "أيباك" AIPAK أقوى مجموعة أمريكية تنشط لمساندة الدولة العبرية وسياساتها. وتبدو "أيباك" حالة نموذجية عريقة على نشاط اللوبي الإسرائيلي في محاولة التأثير على سياسات الولاياتالمتحدة، وخيارات صانع القرار الأمريكي، طالما أنّ نشاطها قديم ونافذ في الحياة العامة الأمريكية. ولا يبدو التعرّف على نشاط مجموعة الضغط هذه بالأمر العسير، فقراءة متأنية في إحدى وثائقها القديمة الجديدة، مثل المقررات والدراسات والتوصيات الصادرة عن مؤتمرها السنوي الرابع والعشرين المنعقد في حزيران (يونيو) 1983؛ كفيلة بتسليط دائرة الضوء على مجموعة اللوبي هذه، التي اشتهرت بحضورها القوي في أوساط صنع القرار الأمريكي. فبدورهم؛ يحدد قادة "أيباك" في تلك الوثائق ما يرون أنه سر نجاحها، بكون عملها قائماً على "القناعة المشتركة" بأن وجود إسرائيل يكتسب "أهمية حيوية بالنسبة إلى أمريكا"، وبأن أمريكا ذات "أهمية بالغة وحاسمة بالنسبة لإسرائيل"، حسب زعمهم. ومن الواضح أنّ "أيباك"، التي تأسست في الخمسينيات وتتخذ من واشنطن العاصمة مقراً رئيساً لها، لا تسير بمعزل عن تصورات محددة ترسمها لذاتها، فهي تضع نصب عينيها أهدافاً مرحلية تقررها مؤتمراتها السنوية الموسعة، وذلك من قبيل "إعادة توطيد الروابط المعنوية" بين الدولة العبرية والولاياتالمتحدة، والتي هي "أساس العلاقة" بين الجانبين وفق منظور اللجنة. كما عملت اللجنة، حسب ما يستدل من وثائق مؤتمر سنة 1983، مثلاً، على تدعيم أهمية الدولة العبرية الإستراتيجية بالنسبة إلى الغرب، خصوصاً في شرقي المتوسط. وسعت كذلك إلى الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية بين تل أبيب وواشنطن إلى "مستوى المساواة وإحلال التعامل التجاري محل المساعدة"، على حد تعبيرها الذي تعني فيه ضمناً إنشاء شراكة تجارية يستفيد منها الإسرائيليون دون التخلي عن المساعدات الأمريكية السخية للحليف الصغير في شرقي المتوسط. وأولت "أيباك" عناية فائقة، منذ ذلك الحين، لمواصلة التدخل في السياسة الداخلية الأمريكية، وذلك لمواجهة ما تسميه "اللوبي العربي والإسلامي المتعاظم"، مع ضمان وفاء الدبلوماسية الأمريكية للأهداف الإسرائيلية المتعلقة بعملية التسوية السياسية لقضية الشرق الأوسط. ومن الواضح أنّ ل"أيباك" دوراً هائلاً في حصول الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مساعدات طائلة، كما ثبت أنّ لها ضلعاً في الإخفاق الانتخابي الذي مُنِي به عضوان في الكونغرس، في المرحلة التي عقد فيها مؤتمر سنة 1983. ومن المثير للاهتمام استناداً إلى الوثائق ذاتها؛ تضاعف عدد أعضاء "أيباك" في العام الذي سبق مؤتمر 1983 ليبلغ 44 ألف عضو، علماً بأن قيمة الاشتراك للعضو الواحد بلغت ألفي دولار أمريكي. ولكن من الوهم ربط ميزانية هذه اللجنة العملاقة بهذه الاشتراكات وحدها. ولا ينبع نشاط عناصر "أيباك" الفاعلين من فراغ، فهناك دورات تدريب على الكسب الجماهيري والاستقطاب السياسي تنظمها هذه اللجنة الناشطة. ففضلاً عن المؤتمرات الرئيسة تولت "أيباك" تنظيم دورات تعليمية وتدريبية عن أساليب كسب الأصدقاء، ركزت بشكل خاص على كيفية استمالة الكونغرس والتأثير عليه، وعلى طرائق العمل في الجامعات والمعاهد. وعادة ما تسترعي انتباه ناشطيها إلى ضرورة تحاشي اللجوء إلى الطرق التي تترتب عليها نتائج سلبية أو آثار جانبية. ويدعو مسؤولو "أيباك" المختصون في تأهيل الأعضاء الجدد والتدريب القيادي، وعلى رأسهم حالياً جوناثان كيسلر، إلى تجنب توجيه اتهامات من قبيل "معاداة السامية" إلى الصحافيين أو رجال السياسة وقادة الرأي، في معرض انتقاد من يعارض السياسات الإسرائيلية. وعند العودة عشرين سنة إلى الوراء؛ سيتضح أنّ "أيباك" كانت منشغلة، وبشكل يفوق التوقع، بما كانت ترى أنه تعاطف متزايد مع الفلسطينيين، خاصة مع اطلاع الرأي العام الأمريكي، بشكل لم يسبق له مثيل، على تجاوزات قوات الغزو الإسرائيلية في لبنان، وعلى فظائع صبرا وشاتيلا، زيادة على مؤشرات نمو قوى الضغط العربية والإسلامية. وتشير المصادر إلى أنّ "أيباك" تولت على ضوء ذلك تعيين موظف مختص لديها بمتابعة هذه الموجة ورصدها، استعداداً لتطويقها. قدس برس