يكاد إعلامنا المغربي يخلو من برامج هادفة للأطفال تضطلع بنشر الأفكار النبيلة وقيم الدين السمحاء والتربية على حب الوطن والمسارعة إلى فعل الخيرات وبرامج تقيم وزنا لحضور الهوية الثقافية والحضارية للمغرب. فجل المواد الإعلامية التي تقدمها سواء القناة الأولى أو الثانية لفائدة الطفل تقع خارج دائرة إشباع حاجاته الروحية والعاطفية والفكرية والعقلية، وتتموضع خارج السياقات الدينية والتاريخية والاجتماعية والقيمية للمغاربة، وبالمقابل فهي تجتهد، بقصد أو بغير قصد، في أن تنهل من منظومات تغريبية وإطارات تخريبية تروج لقيم التفاهة والانحطاط الأخلاقي وتفتح الطريق أمام الأطفال لاستدماج قيم تسبح بخيالاتهم بعيدا عن ميولاتهم، ليعيشوا مرحلة عمرية غير مرحلتهم، وتقذف بهم في بحر الغرام وتشتت أذهانهم عن السير بخطا ثابتة في طريق التحصيل والتفوق الدراسي. مناسبة الحديث ما أذاعه برنامج سنابل بالقناة الأولى في إحدى حلقاته من مواد تنشيطية لا تمت بصلة إلى أذواق المغاربة الكبار، بله المغاربة الصغار. هذا البرنامج لم يجد أجود ولا أحسن ولا أقرب إلى ميولات الناشئة المغربية من مقطع لمغنية الغرام والإيحاءات الجنسية نانسي عجرم، التي انتصب الغيورون بهذا الوطن لأجل ألا تعود إلى أرض المجاهدين بعد مهزلة مراكش، صاحبته رقصات شرقية ماجنة، أداها بعض من فلذات أكبادنا، وكأن سماع ترهات عجرم وغيرها من مغنيات الفيديو الكليب والجنس، قد صار قدرا مقدورا على المغاربة صغيرهم وكبيرهم، وكأن الساحة الفنية والتنشيطية الوطنية تخلو من أغاني وأناشيد للأطفال تتواءم مع أذواقهم وحاجاتهم، بيد أن الفضاءات الجمعوية وحدها تعج بالمئات من المواد الفنية، التي تليق بهذه الفئة تنتظر من يخرجها من غياهب حجرات دور الشباب إلى ردحات استديوهات التصوير والتسجيل. على إيقاعات أغنية دق دق وآه ونص العجرمية تحركت أجساد براءتنا، التي حضرت البرنامج، مثلما تحركت أجساد آلاف المغاربة المساكين بساحة الفنا التاريخية، و تشربت ناشئتنا كلمات الغرام وقيم السفاهة والحب المبتذل على نمط ال نانسي . لن نكون مجانبين للصواب إذا موقعنا هذا العمل الذي أقدم عليه معدو برنامج سنابل ضمن خانة الابتذال الإعلامي والاستيلاب العاطفي الموجه لطفولتنا. بفعل تأثير هذه الأعمال وغيرها وبمثل هذه الاختيارات وأشباهها بتنا نسمع عن طفلة لم تتجاوز ثمان سنوات، تريد أن تقيم علاقة غرامية مع طفل من سنها أو أكبر منها، وصرنا نسمع عن طفل بعث رسالة لطفلة يحدثها فيها عن الغرام والهيام. إن المسؤولية، التي لابد أن تضطلع بها المادة الإعلامية والتنشيطية الموجهة للأطفال، يجب أن تركز على التهذيب والتوجيه والترفيه الهادف، باتجاه بناء شخصية متزنة للطفل المغربي نفسيا وعاطفيا وفكريا وفق معطيات الهوية الثقافية والحضارية للمغرب. وجدير في هذا المقام أن نسوق بعضا مما ذكره الدكتور محي الدين عبد الحليم في كتابه الرؤية الإسلامية لإعلام الطفل بشأن الأدوار المفترضة للإعلام الموجه للطفل، الذي أكد على ضرورة حشد الهمم لبلورة صناعة إعلامية وتلفزيونية راقية تقدم على أسس وأهداف واضحة، وتسهم من ثم في البناء الصحيح للطفل المسلم وتأخذ في اعتبارها اهتمامات الأطفال ومشاربهم واحتياجاتهم وربطها بظروف المجتمعات، التي يعيشون فيها.. إننا بحاجة إلى إعلام متميز لأطفالنا يكرس الهوية الإسلامية ويسهم بصورة إيجابية في بناء الطفل المسلم، ويقوي لديه الالتزام بالنظام والقيم السلوكية السليمة، إذ الطفولة هي مستقبل الأمة وأمل المجتمعات في حياة أفضل. محمد أفزاز