من الواضح أن الروح التي حكمت طرح المبادرة المصرية الجديدة بشأن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة هي ذاتها التي حكمت التراجع العربي في قمة تونس بشأن المقاومة الفلسطينية، ومعه عدم حدوث أي تقدم بشأن الملف العراقي على رغم ما انطوت عليه الشهور الأخيرة من تطورات عنوانها تصاعد المأزق الأمريكي مقابل تقدم المقاومة للعب الدور المحوري في صياغة المواقف السياسية. إنها مسألة الإصلاح التي لوّح بها الأمريكيون في وجه الأنظمة العربية، ما حدا بها إلى التنازل على حساب قضايا الأمة وشعوبها بدل الدفع من جيبها بالتنازل للجماهير ومنحها مزيداً من الحرية والمشاركة السياسية، من دون أن نتجاهل بالطبع وجود أطراف عربية تعتقد أن لها مصالحها في الانسجام مع التوجهات الأمريكية في المنطقة. لا نقول ذلك رجماً بالغيب، وإنما هي جملة المعطيات الواضحة على الأرض، ففيما كانت الأمة بانتظار مواقف مختلفة تنسجم مع المأزق الأمركي في العراق، ومع المأزق الشاروني الذي يترجم نفسه على الأرض موجة من القتل والاغتيال والتدمير الواسع، جاء الموقف العربي هزيلاً ولا يحقق ما هو دون الحد الأدني من طموحات الجماهير العربية والغضب الذي يملأ نفوسها من جراء الغطرسة الأمريكية الإسرائيلية على مختلف المستويات. ما سمعناه خلال الأيام الماضية بشأن المبادرة المصرية هو استمرار للنهج المشار إليه، وإلا فأية مصلح فلسطينية في الضغط على عرفات من أجل مزيد من التراجع امام الإسرائيليين عبر التعامل مع خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة كما لو كانت مبادرة سياسية حقيقية وليست هروباً من أزمة واضحة يتخبط فيها الرجل في مواجهة ائتلافه اليميني وفي مواجهة شارعه الذي مل من الوعود التي لا يتحقق منها شيء على الأرض. كيف للفلسطينيين أن يقبلوا أن المبادرة قد جاءت لحمايتهم من غطرسة شارون ومن المذابح، وهم الذي لم تتوقف السكين الإسرائيلية عن الغوص في أجسادهم طوال أربع سنوات من دون أن تفرض عليهم التراجع أو الاستسلام، الأمر الذي جعل المواجهة نوعاً من أنواع التفوق الفلسطيني وفق منطق التجارب التاريخية بين المحتلين والشعوب التي قاومتهم. لو كان هاجس الشعب الفلسطيني هو التخلص من الغطرسة الإسرائيلية لما تاه عن الدرب الذي يعرفه الجميع ممثلاً في منح الاحتلال الهدوء والأمن مقابل العيش تحت عباءته، ولكن من دون كرامة ولا سيادة. من الصعب على أي عاقل أن يقبل منطق التراجع أمام غطرسة القوة الإسرائيلية بحجة إنقاذ الفلسطينيين. أما الحديث عن أن الخطة هي حطوة باتجاه الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي المحتلة عام 67، فلا يمكن أن يمر على أحد، لأن الهدف المذكور لم يتحقق مع حمائم حزب العمل ونبي السلام بيل كلينتون، فكيف له أن يتحقق مع شارون وجورج بوش الإبن؟! من الواضح أن ياسر عرفات قد بات واقعاً بين مطرقة شارون وسندان الضغط العربي، الأمر الذي سيدفعه كما هي العادة في مثل هذه الحالات إلى التراجع ودفع الاستحقاقات، لكن قوى المقاومة لن تقبل التوقيع على لعبة كهذه، حتى لة اضطرت إلى التراجع المؤقت تحت وطأة الواقع الذي يصنعه الضغط العربي والاستجابة الفلسطينية. ويبقى أن على من يتبنون طروحات من هذا النوع أن يتحملوا مسؤوليتها أمام التاريخ والجماهير. أما الأمل فيظل معقوداً على تطرف شارون ومن يحيطون به ممن يزايدون عليه في لغة التطرف!! ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني