تناقلت بعض وسائل الإعلام خبر المذكرة التي أصدرتها وزارة الشؤون الدينية في تونس، وزكتها مذكرة أخرى لوزارة الداخلية التونسية، حيث طالبت الوزارتان خطباء الجمعة بتخصيص خطبتهم ليوم 21 مايو المنصرم للحديث عما حققه النظام التونسي للمرأة والأسرة، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للأسرة. ما كان جديدا ومثيرا في هذه المذكرة هو مطالبة الخطباء بتخصيص الجزء الثاني من خطبة الجمعة لحث النساء على الصلاة في بيوتهن وبيان أنهن لسن مطالبات بالخروج إلى المسجد لصلاة الجمعة وغيرها من الصلوات، وأن صلاة المرأة في بيتها خير لها... وعهدنا بالنظام التونسي منذ عشرات السنين أنه يدعو النساء إلى الخروج ثم الخروج، ثم الخروج. فكيف به اليوم يدعوهن إلى عدم الخروج إلى المساجد؟ إن هذه المفارقة معناها أن الخروج عن الدين مطلوب، والخروج إلى الدين مرجوح ومكروه. وعهدنا بالنظام التونسي أنه يدعي لنفسه القيادة والريادة في مجال المساواة بين الرجل والمرأة. وها هو اليوم يلجأ إلى التفريق والتمييز، فيحث النساء دون الرجال على الصلاة في بيوتهن ويفتي بأن ذلك أفضل لهن. فهل هذا نكوص عن شعار المساواة التامة بين الرجال والنساء، أم هذه المساواة ستتحقق بشكل آخر أكثر تقدمية وحداثة، وهو دعوة الرجال أيضا إلى لزوم بيوتهم والصلاة فيها، لأنها أسلم لهم. وبهذا تتحقق المساواة بين الجنسين. وعهدنا كذلك أن النظام التونسي يفتخر بريادة في علمنة الدولة وفصل الدين عن الدولة، والذي نعرفه من الدول العلمانية المقتدى بها أنها لا تتدخل في الدين ولا تفتي في شؤون الصلاة وغيرها من الشؤون الدينية، بل تترك ذلك لأهله. ولكننا اليوم نجد نظاما علمانيا متطرفا في علمانيته، ومع ذلك يصدر الفتاوى والتوجيهات الدينية!؟ إن هذه الفتوى تذكرنا بفتوى قديمة لمؤسس النظام التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، حيث أصدر فتواه الشهيرة الداعية إلى الإفطار في رمضان لزيادة الإنتاج. لقد أصبح الإفتاء الديني اليوم على نوعين: إفتاء في الدين، وإفتاء ضد الدين. أما موضوع الفتوى الجديدة، فالذي نعرفه من ديننا هو تشجيع النساء على ارتياد المساجد، وقد كانت الصحابيات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الصلوات في المسجد، بما فيها صلوات الليل كالعشاء والفجر. ويحضرن الخطب والدروس والمواعظ، وقد نهى عليه السلام الرجال عن منع النساء من إتيان المساجد والمشاركة في ما يتم فيها من عبادات (كالصلوات، والجمعة والاعتكاف)، ومن تعلم وتفقه، ومن أعمال اجتماعية، والأحاديث في هذا الباب كثيرة معروفة، فإذا كانت هذه المساواة قد تحققت في ذلك الزمن، برغم كل ظروفه وأعرافه، فكيف بزمن المساواة وزمن الإفراط في المساواة؟ وكيف بمن جعلوا من حكاية المساواة دينهم وشعارهم ومفخرتهم؟ وما سر هذه الفتوى الغريبة وهذا التوجه المعكوس؟ يرى العارفون والقول قولهم أن تردد النساء إلى المساجد يسبب للنظام عدة إفرازات وإحراجات: فهو يرفع درجة التدين والثقافة الدينية في صفوف النساء، وينعكس على الأبناء، مما يتنافى مع سياسة تجفيف المنابع... وهو يكسر حاجز الخوف ويقوي ظاهرة الحجاب في الشارع التونسي بعد سنين عجاف من الضغط والقمع والمنع، من أجل محو الحجاب من الشارع ومن المؤسسات. فهذا التردد الجماعي البارز للنساء على المساجد، وخاصة في صلاة الجمعة، يهدد مكتسبات السنين الماضية بالفشل والبوار.ولله في خلقه شؤون. أحمد الريسوني