أكد بناصر بولعجول الكاتب الدائم للجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير أن السلوك البشري يتصدر أسباب حوادث السير بنسبة عالية ولا تمثل نسبة الحوادث التي تكون بسبب الطرقات سوى ما بين 2 إلى 5 في المائة، ومن ثم لابد من التركيز في تدبير ملف السلامة الطرقية على السلوك البشري، ومن هذا المنطلق اتخذت اللجنة شعارا لسنة 2016 للاحتفال باليوم الوطني للسلامة الطرقية "كلنا راجلون" باعتبار فئة الراجلين فئة عديمة الحماية. وتناول بولعجول في هذا الحواره على هامش أشغال القافلة الوطنية للسلامة الطرقية المنظمة من 22 إلى 24 فبراير الجاري بمدن ميدلت والرشيدية ووارزازات، موضوع الشراكات مع جهات مهتمة بملف السلامة الطرقية مثل المركز الوطني لتحاقن الدم، ومجالس الجهات والمجالس المحلية ومؤسسات تعليمية من أجل إشاعة ثقافة السلامة الطرقية والتحسيس بها. كما أشار إلى أن المنظومة القانونية تساير التغييرات التي يعرفها المجتمع المغربي من أجل تنفيذ يسير في اتجاه التقليص من حوادث السير وإنقاذ أرواح البشر. وفي ما يلي نص الحوار: نريد إطلاع القارئ على بعض مؤشرات السلامة الطرقية بالمغرب، ولماذا جاء اختيار فئة الراجلين للاحتفال باليوم الوطني للسلامة الطرقية برسم سنة 2016؟ في ما يخص مؤشرات السلامة الطرقية بالمغرب، هناك انخفاض في نسبة حوادث السير ببلادنا خلال الثلاث سنوات الماضية بعد الارتفاع الذي تميزت به هذه النسبة سنة 2011 التي عرفت أعلى نسبة للحوادث بالمغرب، إذ بعد هذا الارتفاع تم تسجيل انخفاض لنسبة حوادث السير خصوصا سنة 2014 التي عرفت تراجعا عاما في خطورة حوادث السير يوازيه تطور في جميع مؤشرات نشاط المراقبة، وبلغت نسبة تراجع حوادث السير المميتة 6.4 في المائة وبلغ معدل انخفاض عدد القتلى 8.7 في المائة وتم إنقاذ 700 حياة من موت محقق على امتداد الثلاث سنوات الأخيرة، إضافة إلى تراجع في عدد المصابين بجروح بليغة. وعلما بأن سنة 2016 تتميز بكونها السنة الأولى لتنزيل الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية برسم 2016-2025 والتي جاءت بأهداف طموحة مرقمة، منها أهداف مرحلية، ومن أولوياتها حماية الفئات عديمة الحماية ويتعلق الأمر بالراجلين وسائقي الدراجات الهوائية والنارية، وهو الأمر الذي جعلنا نختار شعار: "كلنا راجلون" للاحتفاء باليوم الوطني للسلامة الطرقية برسم سنة 2016. كما يتم استهداف الأطفال الأقل من 15 سنة والسائقين المهنيين وكذا المسافرين وعربات النقل التي تتورط في حوادث السير لوحدها سواء نتيجة العياء أو النوم أو تحت تأثير الكحول أو المخدرات. وأود أن أشير إلى أنه ليست هناك مناسباتية في التعامل مع ملف السلامة الطرقية عبر وسائل الإعلام، بل هناك برامج قارة سواء في الإذاعات أو القنوات التلفزية، ونحاول التكيف مع خصوصية كل قناة وأخذها بعين الاعتبار في إيصال معلومات حول السلامة الطرقية. كما أن هناك التعامل مع الجرائد المكتوبة والرقمية سواء من خلال الجولات التي نقوم بها أو من خلال ندوات ولقاءات علمية، وقد نصل إلى 11 أو 12 لقاء تواصليا مع وسائل الإعلام سنويا، ولدينا نشاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأعمال إعلامية خاصة بالمؤسسة. لا يمكن إغفال دور البنيات التحتية في التسبب في حوادث السير، وخاصة بعض النقط السوداء للطرق المغربية. ما موقع هذه النقطة ضمن اشتغالكم على ملف السلامة الطرقية؟ ** أولا لابد من التذكير بقناعة وتأكيدات لدراسات علمية وكذا مؤشرات اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير بأن السبب الرئيسي لحوادث السير يتمثل في السلوك البشري، أما حالة الطرق فلا تمثل سوى 2 إلى 5 في المائة من أسباب الحوادث، ولتأكيد ذلك يجب الرجوع إلى المعطيات الإحصائية الخاصة بحوادث السير المتعلقة بفئة مستعملي الطريق، سواء كانوا سائقين أو راجلين، فهناك مثلا 62 في المائة من السائقين لا يحترمون علامة "قف" حسب حصيلة المعطيات الإحصائية لحوادث السير والمؤشرات السلوكية لمستعملي الطريق برسم سنة 2015، وهناك 45 في المائة من سائقي الدراجات النارية لا يستعملون الخوذة الواقية، كما أن هناك 40 في المائة لا يحترمون حق الأسبقية على اليمين و28.9 في المائة لا يحترمون حق الأسبقية بمدارة، إضافة إلى مؤشرات تتعلق باستعمال حزام السلامة ونقل الأطفال الأقل من 10 سنوات بالمقاعد الأمامية واستعمال الهاتف النقال أثناء السياقة. هذه كلها اختلالات تبين مدى أهمية السلوك في الوقوع في حوادث السير، ولكن هذا لا يعني أن الطرقات لا تتسبب في حوادث السير إلا أن نسبتها تبقى ضئيلة، وهنا لابد من التأكيد على أهمية الاختلالات المهمة ودورها في رفع نسبة حوادث السير. وأقول إن هناك مجهودا كبيرا من أجل تحسين جودة بنية الطرقات، وقد أبرمت الوزارة المعنية اتفاقيات شراكة مع المدن التي تعرف نسبا عالية من حوادث السير وعددها 12 مدينة في بلادنا، من أجل مواكبتها على المستوى المحلي. اليوم يجب تأطير السلوك، وأعتقد شخصيا أن انخراط المواطن يبقى ضروريا، ونتوق إلى توفر رقيب ذاتي عند مستعمل الطريق مهما كان نوعه حتى نتفادى وقوع الحوادث، إذ لا يتطلب الأمر بالضرورة وجود دركي أو عون الشرطة أو مرقب المرور حتى يلتزم مستعمل الطريق بالقوانين الجاري بها العمل، وبذلك يمككنا الفوز بطرق أكثر أمنا. ما هو تقييمكم لعمل المجتمع المدني في مجال السلامة الطرقية؟ اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير والوزارة المعنية تعتبر اليوم أن المجتمع المدني شريك أساسي في مجال السلامة الطرقية، والمقاربة التشاركية مهمة جدا، إذ هناك ثلاثة شركاء لابد من اشتغالهم بتناغم وانسجام مع بعضهم البعض: أولها الإدارات بما فيها الوزارات والمؤسسات المعنية، ثانيها: المهنيون وهؤلاء لابد من إشراكهم في الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية، وثالثا هناك المجتمع المدني الذي يقوم بدور يصعب على الإدارة القيام به، نظرا لما يتميز به المجتمع المدني من قرب من مختلف فئات المجتمع، لأننا حينما نتحدث عن المجتمع نتحدث عن "الحومة" وعن الدوار والمدشر وعن الحي، إضافة إلى أن المجتمع المدني له قدرة فائقة على استيعاب التصورات والمنجزات التي يجب القيام بها من أجل تحقيق السلامة الطرقية، لهذا تعمل اللجنة على تقديم الدعم اللوجستيكي لفئة لمؤسسات المجتمع المدني من أجل القيام بدوره على أحسن وجه، وتقوم اللجنة بتطوير الشراكة مع الفاعلين المدنيين المشهود لهم بالجدية للعب أدوار ريادية في مجال الوقاية والسلامة الطرقية، كما تخضع هذه الجمعيات للتكوين في مجال التنشيط السوسيوثقافي وتدبير المشاريع الاجتماعية في مجال السلامة الطرقية. وقد قطعنا أشواطا مهمة في التعاون مع المجتمع المدني لكي يؤدي دوره في التوعية والتحسيس، وانتقلنا إلى مرحلة أخرى تتمثل في اقتراح مشاريع وإنجازها بعد تحديد تكلفتها ووسائل تنفيذها. وأعتقد أن الفاعل المدني يحظى بالتأطير والمواكبة والتتبع. وماذا عن واقع سائقي سيارات الأجرة، هؤلاء الذين نجدهم قد يتسببون في حوادث السير نظرا لتسابقهم من أجل كسب قدر مالي يصفونه ب"الزهيد"؟ في ما يخص هذا الموضوع أقول إن الحكومة اتخذت مجموعة من المبادرات منها أن وزارة الداخلية أقدمت على تجديد حظيرة السيارات بتسهيلات، وهناك بعض المدن بلغت نسبة التجديد فيها 45 في المائة من السيارات التي تم استبدالها بأخرى، وفي بداية هذه الولاية الحكومية كانت هناك إجراءات أعلنت عنها الحكومة تتعلق بانتقال رخص السياقة إلى المهنيين، وتجاوز ما يسمى ب "الحلاوة"، وفي هذا الموضوع هناك قطاع مسؤول عنه، وهذا لا يمنع من القول إن جانب السلامة الطرقية استدعى تأطير السائقين المهنيين، خلال تنظيم قافلة السلامة الطرقية برسم سنة 2016، حيث جرى توقيع اتفاقية مع جمعية لسيارات الأجرة من أجل تكوين السائقين وتزويدهم بالمعلومات الضرورية للتعامل مع الفضاء الطرقي، ونحن نرحب بالمبادرات الخلاقة للتعامل مع هذه الفئة. تميز برنامج القافلة الوطنية للسلامة الطرقية المنظمة هذه السنة بمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية بعملية التبرع بالدم التي شهدتها كل من مدينتي الرشيديةوورزازات. لماذا إدراج هذه العمليات ضمن تدبير ملف السلامة الطرقية؟ بخصوص تدبير ملف السلامة الطرقية نشتغل على كل الأمور التي ترتبط بإنقاذ الحياة البشرية كما نشتغل على محور الوقاية من حوادث السير من خلال التحسيس والتواصل والتكوين، إلا أن هذا لا يغني عن الاشتغال بما يهم الحادثة وما بعدها، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية إشراك وزارة الصحة ومن خلالها مراكز تحاقن الدم، نظرا لكون مادة الدم الحيوية هي من أول الأمور التي يتم الطلب عليها بعد وقوع الحادثة ووصول المصابين إلى المستشفيات. وفي هذا الإطار تم توقيع أول اتفاقية بخصوص التبرع بالدم بين اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير والمركز الوطني لتحاقن الدم سنة 2015 بمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية، وكما تابعتم خلال الوقوف على أشغال المركز الجهوي لتحاق الدم بالرشيدية أثناء مرور القافلة من هذه المدينة كيف أن المركز يحقق نسبة 98 في المائة من احتياجاته نظرا لتشبع المواطنين بثقافة التبرع بالدم، كما تميزت أشغال قافلة 2016 بمشاركة عدد من الإعلاميين من منابر مختلفة في عملية التبرع بالدم بمدينة ورزازات. ماذا عن الجانب القانوني من أجل تحقيق السلامة الطرقية؟ ينبغي أن نذكر أن أول قانون للسير في المغرب يعود لسنة 1953، كما يجب التذكير أيضا أن مغرب الخمسينيات ليس هو مغرب 2010 تاريخ إصدار المدونة الجديدة نظرا للتغييرات التي طرأت، سواء على مستوى العربات أو على مستوى عدد السكان أو على مستوى البنية الطرقية، كما أن هناك تغييرات على مستوى السلوك البشري، وخاصة في ما يتعلق بسلوك الشباب، وحتى بعد صدور مدونة السير الجديدة وبعد الوقوف على عدة ثغرات تعيق حسن تنفيذها، عرفت المدونة الجديدة عدة تعديلات من أجل الوصول إلى مدونة قابلة للتنفيذ، ومؤثرة ومؤطرة في الوقت ذاته لمستعملي الطريق. ولكن يبقى السلوك البشري مهما في تقليص حوادث السير فنحن نطمح إلى رقابة ذاتية تتيح احترام قانون السير قبل الخضوع للمراقبة أو الزجر والمحاسبة. وتبقى المستجدات القانونية ضرورية لمواجهة خارقي قانون السير في حالة افتقاد هذه الرقابة الذاتية التي تحدثنا عنها.