اعتبر المقرئ الإدريسي أبو زيد أن المفهوم البيولوجي للشباب يمتد من 12 سنة إلى 35 سنة، وتأخيرا من 15 سنة إلى 40 سنة، في المقابل يقول أبو زيد إن الشباب الروحي له علامات ليست مادية بيولوجية، وإنما هي علامات معنوية مثل الثبات على المبادئ والتجرد والزهد والإخلاص واستحضار المصلحة الجماعية، وعدم الخضوع للنزوات والمصلحة الخاصة. ورأى الأستاذ، الذي كان يتحدث بمدينة تمارة في محاضرة له بعنوان: الشباب والتحديات المعاصرة بدعوة من جمعية الشروق الثقافية، أن أصحاب هذه الأخلاق والهمم العالية يعيشون شبابا ويموتون شبابا حتى ولو بلغوا من الكبر عتيا، واشتعلت رؤوسهم شيبا. وفي المقابل، ذكر أبو زيد المقرئ أن الذين تصيبهم الشيخوخة الروحية وهم في عز شبابهم، هم غالبا من ضحايا المشروع الصهيوني الغربي، ليصبحوا عملاء في الفكر والثقافة وأحيانا استخباراتيين. وفي معرض حديثه عن الشباب البيولوجي، قال أبو زيد إن الجانب الديمغرافي مهم في هذا الوقت بالذات، بالنظر إلى المعركة الديمغرافية التي نخوضها بدون مخطط أو رؤية محددتين. وأضاف إن الغرب واع بمصير هذه المعركة الحيوية والخطيرة، بينما جهاتنا المسؤولة، تفتخر بأنها ماضية في تطبيق سياسة تحديد النسل، حيث تجد أن أنجح الوسائل لتحقيق الحد الأدنى من التأطير هو تحديد النسل وهي نظرة مغلوبة وقاصرة. ونعت الإدريسى هذه السياسة بالمنطق الخبزي الذي تدار به المسألة الديمغرافية، معرجا على الخطة (الوطنية) السابقة التي انتقد صاحبها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عندما تحدث هذا الأخير عن دعوة الإسلام لتكثير النسل والذرية الصالحين. وقارن بين المعركة الديمغرافية ومعركة المياه المتوقعة، والتي بدأت بعض إرهاصاتها. وذكر المحاضر قصة البرلمانية الألمانية التي كانت تحاول جاهدة إقناع حكومة بلادها، بضرورة استقدام مهاجرين من العالم الثالث، فانبرى أحد اليمينين المتعصبين، الخائفين من غزو العادات والدين واللون، ينتقد اقتراحها، ويدعي أن ألمانيا بها ما يزيد على ثمانين مليون نسمة، وهذا يكفي، فترد عليه النائبة البرلمانية (نحن الآن 80 مليون لكن بعد سنوات قليلة سنكون بحاجة ل80 مليون يدفعون بنا عربات الشيخوخة. ووصف المقرئ أبو زيد المجتمعات في دول العالم الثالث بالمتماسكة، وعليه «يجب أن يحس الشباب بقوته الاستثنائية التي يتميز بها عن الشباب الذي يعيش في وضع مليء بمظاهر الانحلال مثل تمرد المرأة والشذوذ الجنسي والعزوف عن الزواج». وناشد الشباب بحرارة استحضار المسؤولية المنوطة به خلال مرحلة العنفوان، وقال «أنت غير مسؤول ماديا أو اجتماعيا، فوالداك هما اللذان يتحملان هذه المسؤوليات وعندما تصبح أبا ستذكر هذه النعمة، وطوبى لك إن استثمرتها في المفيد والجيد». ودعا الشباب المغربي، الذي حج بكثافة إلى دار الشباب، على الإدمان على القراءة، فكما أن المؤمن لا يستطيع أن ينام قبل أن يؤدي صلاة العشاء، فكذلك يلزم أن لا يستطيع أن ينام قبل أن يقرأ فصلا من كتاب أو مقالة في جريدة، وتنهد المحاضر طويلا حين قال «تبدأ الأمة في الحياة عندما تدمن على القراءة». وأضاف: «سوف تبكي بقلبك دما، وليس بعينك دمعا عندما تشتاق إلى القراءة ولا تجد الوقت لذلك». ومن الأحاديث التي أوردها الأستاذ المقرئ قوله عليه الصلاة والسلام: (أوصيكم بالشباب خيرا، فإني وجدتهم أرق قلبا)، وقوله أيضا عليه الصلاة والسلام «ونصرت بالشباب وخذلني الشيوخ». ووصف أبو زيد الشباب في المفهوم النبوي بالجنود الذين يلتقطون الراية من الأنبياء والعلماء، وأورد كذلك قوله عليه الصلاة والسلام: لا تزول قدما عبد يوم القيامة عن حتى يسأل عن أربع ... ومنها عن شبابه في ما أبلاه. واستقى منه إشارة قوية وجهها إلى الشباب قائلا «الآن أنتم تصنعون مستقبلكم». كما أورد قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليعجب للشاب ليست له نزوة»، مذكرا بأن هذه إشارات من رسول الله إلى أهمية الشباب. وأوضح بأن الشباب الروحي والبيولوجي في العمق شيء واحد، حيث قال: «بمنطق السنن الكونية الذي يبني الشباب البيولوجي يجني الشباب الروحي، ولو في الشيخوخة البيولوجية». وتساءل مستغربا «من كان في شبابه شيخا في روحه، فكيف ستصير شيخوخته؟». وأكد أبو زيد على أن أعظم طاقة لمواجهة العادات المهلكة هي التسلح بقلب دينامي ونفس لوامة وعين تبكي عندما ينام صاحبها عن صلاة الفجر. وفي هذا الصدد أورد قصة أحد الصالحين الذي ضيع عليه إبليس صلاة الفجر، فعبد الله شهرا، حتى ندم إبليس على ذلك ندما شديدا، وعلق أبو زيد على هذا بما جاء في الأثر «قلب منكسر بالمعصية، أحب إلى الله من قلب متكبر بالطاعة». ومن النماذج التي كان المقرئ أبو زيد يستدعيها بين الحين والآخر الشهيد المجاهد الشيخ أحمد ياسين، الذي قال عنه «يخرج أحمد ياسين في جو ندي، وساعة مباركة وقد قرأ سورة الفاتحة التي هي مناجاة بين العبد وربه، ويموت شهيدا وشابا في سن الثامنة والستين» ويستطرد أبو زيد متسائلا: «من يحلم بهذه الخاتمة»؟؟ وأشار المتحدث كذلك إلى أن معظم الفاتحين العظام كانوا من الفئة الشابة ومن الواقع المعاصر: يقول أبو زيد: «جميع الاستشهاديين في فلسطين من مختلف الجنسين نجدهم من الشباب هؤلاء الذين يتقافزون كالغزلان أمام الدبابات الضخمة». ويضيف، «ولهذا نسمع بأطفال الحجارة ولا نسمع بشيوخ الحجارة لأن القلوب تصير كالحجارة إلا بعض الاسثناءات مثل الشيخ أحمد ياسين». ثم تحدث أبو زيد عن التحدي الأخلاقي الذي يتجلى في المواقع الإباحية والخلاعة والخمر والدخان والقمار والمخدرات وهذه الموجة من الغناء المبتذل والمنحط. ودعا أبو زيد في نهاية محاضرته، إلى الفهم الجيد ثم البداية الصحيحة: والابتعاد عن اليأس والإحباط، «فالمسلم يعيش بالأمل الذي يستمده من عقيدته الربانية». وخلص إلى أن كل فتاة تقرر ارتداء الحجاب ستهزم مجرم الحرب شارون وأن فتى يقلع عن التدخين يهزم هو الآخر السفاح شارون، وشدد على ضرورة اهتمام الشباب بما ما هو مفيد، ومنه التفوق في الدراسة وإحراز المراتب الأولى والابتعاد عن التفاهة، والتضحية والمثابرة، والتحمل وبذل الجهد والاستقامة وإدمان القراءة والالتزام بالحدود التي وضعها لنا المولى عز وجل في كتابه العزيز وفي سنة رسوله الكريم، والحرص دائما على أداء الواجب تجاه الله وتجاه الأسرة وتجاه الوطن. وأهدى الإدريسي محاضرته إلى روح الشهيد الشيخ أحمد ياسين الداعية والمربي والأب، وإلى روح بطل مرج الزهور وأحد صقور حماس الدكتور الرنتيسي، وإلى كل من يرفع سلاحه في وجه العدوان والاستعمار. حسن الهيثمي