لم يعد العدول في حاجة إلى شهر أو أكثر أو أقل لمعالجة المسائل المستعصية والمناسخات المتعبة، والتي تحتاج إلى حساب دقيق ومراجعة متوالية، بل أصبح بإمكانهم أن يحلوا تلك المسائل في يضع دقائق باستعمال الكومبيوتر واستخدام برنامج المعالجة الآلية لتصفية وقسمة التركات الإسلامية. وهو برنامج تمت دراسته من قبل نخبة من الأخصائيين ومعاينته من طرف لجنة وزارية مختلطة من فقهاء وأخصائيين من وزارة العدل، وبعد صدور قانون مدونة الأسرة ودخوله حيز التنفيذ. وللبرنامج فوائد كثيرة، حسب الأستاذ محمد أقلال أحد الخبراء الاختصاصيين الذين سهروا على البرنامج الآلي، على رأسها الدقة وتفادي الأخطاء إذ يتمكن العدل في بضع دقائق من معالجة المسائل المستعصية والمناسخات المتعبة، مع توفير كل المراجع الفقهية والقانونية المتعلقة بالتركات، ويعالج البرنامج ل 1000مستحق مختلف و50 وفاة متتالية (أي لو أن خمسينا فردا ماتوا بالتتابع في حالة إرث واحدة)، ومسائل ذات مخارج غير محدودة. كما سيعالج البرنامج كل المسائل الإرثية البسيطة والمستعصية، مثل المسائل الخاصة (الشاذة) كالمالكية والغراوين والأكدرية والوصايا الاختيارية بجميع أشكالها، والوصية الواجبة حسب القانون الجديد، وتزاحم الوصايا مع اختلاف قرارات الورثة، والتصرف والتصالح والمناسخات. وزيادة على طاقة المعالجة يحتوي البرنامج على مكتبة واسعة من المعلومات المتعلقة بالمواريث الإسلامية من آيات متعلقة بالموضوع وأحاديث نبوية وفصول مدونة الأسرة الجديدة كاملة ومعلومات أخرى. وحسب الأستاذ محمد أقلال سيساهم هذا النظام المعلوماتي في إزاحة بعض الغموض أو الضباب الذي كان يميز موضوع المواريث بالنسبة لبعض العدول، وسيغني الآخرين عن الأتعاب الحسابية المستعصية ويجنبهم أخطاء غالبا ما تصعب معالجة عقباها. مشوار المشروع لم يكن قصيرا ولا سهلا، فقد بدأت الفكرة خلال شهر أبريل 2002 بعد معاينة برنامج سابق لمعالجة التركات الإسلامية، بطرق عامة، وانطلق المشروع رسميا في شهر يونيو 2002 بالتنسيق بين شركة من الخبراء المتخصصين والهيئة الوطنية لعدول المغرب التي أبدت العناية التامة بهذه المبادرة وكانت المستشار الدائم في الأمور العملية بصفتها الهيئة الرسمية المؤهلة لإنجاز العقود الخاصة بقسمة التركات، وكانت أيضا المشارك الأساسي في تنظيم أجواء مناقشة ودراسة المنتوج طوال جميع مراحل إنجازه، وفي يوم الجمعة 10 يناير 2003 عرض أول إنتاج من المشروع في قاعة المركب الثقافي مولاي رشيد بالدار البيضاء أمام حضور كبير، وأعيد العرض يوم الجمعة 24 يناير من السنة نفسها ببعض التعديلات بقاعة المحاضرات بالمعهد الوطني للدراسات القضائية تحت إشراف مدير الشؤون المدنية أمام جمهور واسع من القضاة والعدول وأطر وزارة العدل ومهتمين بالأمر. وفي يوم الخميس 12 يونيو 2003 اجتمعت لجنة مختلطة بقاعة المحاضرات بالمعهد السالف ذكره، وشكلت لجنة من 12 عضوا (6 من وزارة العدل و4 من الهيئة، ورئيس المشروع والناشر)، وأجمع كل الأعضاء على صلاحية البرنامج وفوائده العلمية والعملية وقدرته العلاجية العالمية واستعماله البسيط. وتزامنت هذه المرحلة الأخيرة مع المصادقة على قانون مدونة الأسرة فخضع البرنامج إلى كل التعديلات المناسبة لما استجد في القانون وهو بهذا الآن مطابق لمدونة الأسرة المغربية. برنامج المعالجة الآلية لتصفية وقسمة التركات الإسلامية، سيدخل العدول حسب الأستاذ عبد السلام البوريني، نقيب هيئة عدول المغرب إلى قلب الحداثة، وسيجعلهم يقفزون قفزة كبيرة في عملهم المعتمد على وسائل عتيقة وتقليدية. كما أخبر نقيب الهيئة بأن العدول سيجتازون دورات تكوينية في مجال الإعلاميات والمعلوميات ليتمكنوا من استخدام البرنامج الجديد، شأنهم في ذلك شأن قضاة الأسرة الجدد.. حسن صابر