هذا مقال مترجم عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يظهر بوضوح كيف تنظر الدوائر الأمريكية إلى التحولات الجارية في فلسطينالمحتلة، وكيف تعتبر المقاومة إرهابا وعنفا غير مشروع. ويقوم الكاتب زوهار بالتي باستقصاء الأعمال التي تقوم بها حماس معتبرا إياها بديلا للسلطة الفلسطينية. ويرى الكاتب أن السبيل لمنع حماس من النمو في كل من مجالي الحجم والقوة، هوالاستثمار الخارجي الثقيل في مجال بناء شبكة عيادات في الأحياء، وبيوت تمريض، ومراكز الطفولة المبكرة، وأنظمة مدارس ليبرالية. وذلك لموازنة التحدي الذي تشكله شبكة حماس للخدمات الاجتماعية. وهذه الرؤية الخاطئة نموذج لأساليب التفكير الأمريكية التي لا تنظر إلى جوهر المشكل وحجمه. عنف وغضب في الوقت الحالي، فإن قطاع غزة هو في حالة من الجمود، إنه مكان لا توجد فيه حرية، ويزدهر العنف والغضب. لقد أدت هذه الظروف إلى ظهور حماس كبديل قوي ومؤثر للسلطة الفلسطينية، والتي فشلت في تقديم حلول اجتماعية كافية لمجتمع مريض. بالرغم من أن وضعها كمنظمة إرهابية مسؤولة عن قتل مئات الإسرائيليين في العديد من العمليات العسكرية، ينظر كثير من الفلسطينيين إلى حماس على أنها حركة جديرة بالثقة مهتمة بشكل رئيسي بقضايا الخدمات الاجتماعية. في الواقع، فإن لدى حماس إمكانية التطور إلى بديل طويل الأمد للسلطة الفلسطينية، والتي ينظر إليها الكثير من الفلسطينيين على أنها فاسدة. إن حماس معززة تفرض تحديات حقيقية للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. ولذلك يتوجب وقف زخم المنظمة المتصاعد. يمكن تحقيق هذا بإعطاء جميع الشعب الفلسطيني إمكانية الوصول إلى بنية تحتية اجتماعية حديثة وجديدة، بنية تحتية تستطيع الحلول محل الخدمات التي تقدمها حماس. حماس كبديل للسلطة الفلسطينية في دجنبر ,2003 عقد وفد مفوض من مسؤولي السلطة الفلسطينية يترأسه رئيس الوزراء أحمد قريع وممثلين من حماس والجهاد الإسلامي، عقدوا محادثات في مصر بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وقد فشلت المحادثات، وهو تطور عزز موقف حماس، وترك شعوراً بحدوث تغيير قريب. في 19 دجنبر ,2003 نظم عدة آلاف من ناشطي حماس في غزة مظاهرات لإظهار القوة العسكرية، مع أسلحة ومركبات مسلحة تم نشرها أمام الكاميرات التلفزيونية المحلية والأجنبية. حتى قبل حدوث هذا التطور، بدا أن حركة حماس آخذة في إحراز زخم معتبر بين الفلسطينيين. على سبيل المثال، فإن المنظمة قد حصلت على تأييد ما نسبته 6,22 من الذين تم استفتاؤهم في استفتاء عن المواقف الفلسطينية في أكتوبر ,2003 مقارنة بما نسبته 3,29 من المؤيدين لحزب عرفات فتح. في الحقيقة، فإن فلسطينييغزة بشكل خاص قد يصبحون قريباً من معتنقي فكرة قابلية حماس لأن تكون بديلاً للسلطة الفلسطينية المريضة. تقوم حماس بإعادة تشكيل المجتمع الفلسطيني عبر ممارستها للدعوة (الدعوة إلى الإسلام) والتي تستخدم لتجنيد وتعبئة الفلسطينيين. في غزة، أخذت الدعوة شكل شبكة من مؤسسات الخدمات الاجتماعية التي أسستها حماس. لقد أضافت هذه الشبكة إلى سمعة حماس بين الكثير من الفلسطينيين على أنها حركة لا فساد فيها، مهتمة بشكل رئيسي براحتهم. في الواقع، فإنه خلال عامي 2002,2003 قامت حماس باستثمار ما يقرب من 6070 مليون دولار لهذه الغاية. إن شبكة دعوة حماس أثرت على الشعب الفلسطيني في عدة مجالات هامة: التعليم تدير حماس ما يزيد على 100 مؤسسة تعليمية في غزة، تتراوح من مراكز الطفولة إلى الجامعات. وأكثرها شهرة الجامعة الإسلامية ومدرسة دار الأرقم. وأيضاً يجدر ذكر مدرسة الصلاح في دير البلح، والتي ترعاها منظمة خيرية تقوم بشراء آلاف المواد المدرسية للأطفال الفلسطينيين. مؤسسة أخرى هي مؤسسة المجتمع الإسلامي، والتي تدير معسكرات صيفية سنوية لنشر رسالة الشهداء لآلاف الأطفال. الصحة تدير حماس عشرات العيادات الطبية في مختلف أحياء غزة. إضافة إلى تقديم معدات طبية متقدمة ودوائية مجاناً للشعب الفلسطيني عبر المنظمات الخيرية التابعة لحماس في غزة. التحريض تقوم بعض الجمعيات الخيرية التابعة لحماس والتي تتبرع هي نفسها بملايين الدولارات للمرضى والفقراء، تقوم كذلك بدعم عائلات المفجرين الانتحاريين. إضافة إلى ذلك، توفر المساجد مسرحاً مناسباً للتحريض ضد إسرائيل وللتجنيد في حماس. على سبيل المثال، من المساجد الأربعة والعشرين في منطقة جباليا وحدها، يعرف اثنا عشر منها بكونها تابعة لحماس. في الحقيقة، فإن الصراع العنفي مع إسرائيل قد عزز أصولية المنظمة الدينية والإيديولوجية، في وقت أصبح معظم الفلسطينيين يرون في ناشطي حماس على أنهم أبطال وشهداء يقاتلون الاحتلال الإسرائيلي بشجاعة. منذ بدايتها صانت حماس أجندتها السياسية وتجنبت أي نوع من العلاقة مع راعين خارجيين قد يدفعونها إلى تبني أجندة مختلفة. ولهذه الغاية، احتفظت الحركة باستقلالها المالي، مستغلة بشكل كامل شبكتها العالمية الواسعة المدعوة بالمنظمات الخيرية. ومع ذلك، فإن على حماس أن تتغلب على عقبات كبيرة إذا كانت تأمل كسب زخم كاف لتحل محل السلطة الفلسطينية. لسبب واحد، هو أن الحركة تفتقر إلى نوع المنظمة التي تستطيع التعامل بشكل فعال مع نطاق المشاكل العريضة التي تواجه الشعب الفلسطيني. إن جهود حماس في الخدمة الاجتماعية ليست سوى وسائل محدودة، وهي ليست بديلاً كافياً لما يتوقع من الحكومة الفلسطينية أن تفعله، أي أن تقدم حلولاً حقيقية لمشاكل المجتمع الفلسطيني في مجالات العمل، والخدمات الاجتماعية، والتعليم، والصحة. إضافة إلى ذلك، فإنه وبالرغم من كون القادة السياسيين الفلسطينيين معارضين لمواجهة حماس بشكل ملموس، فإن السلطة الفلسطينية مايزال لديها قوة معتبرة، بما يقرب من 25 ألف شخص مسلح في غزة وحدها. هذه القوة تشكل تحدياً هائلاً لحماس. تقديم بنية تحتية جديدة للخدمات الاجتماعية: في الوقت الحالي، فإن السلطة الفلسطينية غير قادرة على التجاوب مع الحاجات الملحة لشعبها. وإذا لم يتم تقديم استثمار خارجي فعلي للخدمات الاجتماعية في وقت قريب، فإن حماس ستستمر في النمو في كل من مجالي الحجم والقوة. بشكل خاص، فإن الاستثمار الخارجي الثقيل في مجال بناء شبكة عيادات في الأحياء، وبيوت تمريض، ومراكز الطفولة المبكرة، وأنظمة مدارس ليبرالية هو أمر أساسي لموازنة التحدي الذي تشكله شبكة حماس للخدمات الاجتماعية. إن استثماراً كهذا سيساعد الفلسطينيين بشكل مرض ليتعايشوا مع منافع البنية التحتية الحديثة للخدمات الاجتماعية ولتقدير الديمقراطية، والليبرالية، وحرية الاختيار كسبل تجاه مستقبل أفضل. حتى في بداية مشروع بنية تحتية كهذه، فإن من المهم إشراك شخصيات السلطة الفلسطينية الرئيسية المعتدلين سياسياً ومن ذوي العقليات المنفتحة والذين يطمحون إلى القيادة في طريق تغيير حقيقي. هذه الشخصيات ينبغي أن تكون كذلك ذات خبرة في القضايا الأمنية وفي منع الإرهاب. إن أشخاصاً كهؤلاء سيصبحون في النهاية قادرين على التأسيس لأنفسهم كقادة، لذلك فإن تشكيل فريق واحد معهم في وقت مبكر هو أمر ضروري. سيكون على إسرائيل أن تلعب دوراً ضرورياً وراء الستائر لإنجاح هذا المشروع. بشكل خاص، فإن بإمكان إسرائيل أن تساعد في تبسيط الأمور بيروقراطياً وبجعل أمر تسهيل مرور مواد البناء إلى الأراضي الفلسطينية أمراً له الأولوية. بالرغم من أن عرفات سيتجنب على الأرجح معارضة مشروع كهذا علنياً، إلا أنه قد يحاول إحباطه بشكل غير مباشر وذلك توقياً لإضعاف مركزه هو، وحماس بالطبع ستحاول إعاقته بأي طريقة ممكنة، إن أي مبادرة مماثلة ستشكل تهديداً حقيقياً لوجود الحركة. خلاصة إن إضعاف حماس هو تحد ضاغط مشترك بين السلطة الفلسطينية، وإسرائيل، والدول العربية المجاورة مثل مصر والأردن. إن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي.. المهتمين كليهما بالاستقرار في الشرق الأوسط والذين قد عبروا عن رغبة في نشر الحرية والازدهار الاقتصادي في المنطقة.. هما الكيانان الوحيدان القادران على تنفيذ مشروع ضخم كهذا. إن من غير المؤكد ما إذا كان إنشاء بنية تحتية للخدمات الاجتماعية الفلسطينية سيقلل من مستوى الإرهاب على المدى القريب. أما على المدى الطويل، فإنه سيفيد من غير شك المجتمع الفلسطيني وسينهي إمكانية حلول حماس الأصولية والمعادية للديمقراطية محل السلطة الفلسطينية. بالتالي، فإن من الواضح أن اتخاذ تحرك فعال ضد حماس ينبغي أن يتمركز على نحو كبير في عدة أمور: على إسرائيل أن تستمر في محاربة إرهاب حماس. في نفس الوقت ينبغي تحجيم الخط المالي من واجهات خيرية متدفقة من جميع أنحاء العالم (بشكل رئيسي من السعودية العربية)، وينبغي أن يمارس ضغط على السلطة الفلسطينية للوصول إلى نهاية في الصراع مع إسرائيل وإلى قتال الحركات الأصولية التي لا تهجر الإرهاب. إن جهوداً كهذه قد تشكل الطريق الوحيد لمنع حماس من تحقيق هيمنتها على المجتمع الفلسطيني. زوهار بالتي خدمة للتجديد: المركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية