أيها الإخوة المؤمنون لا يخفى عليكم ما للمحافظة على الصلوات كلها من الفضل العظيم. فربنا سبحانه يقول: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) (البقرة832). إلا أن الحديث عن المحافظة على صلاة الفجر له قيمة خاصة لاعتبارين: أولهما لما لهذه الصلاة من فضل على غيرها. ثانيهما: ما نعيشه من التفريط بخصوصها. وذلك بسبب ضعف الإيمان وغلبة الهوى والشيطان وطغيان الدنيا على القلوب، فتجد الواحد من الناس يسهر في اللغو والمسلسلات... ثم ينام ولا يستيقظ إلا متهاونا في ما أوجبه الله عليه. فتعالوا بنا معشر المؤمنين نتعرف على جملة مما خص الله به صلاة الفجر من الفوائد، مذكرين بذلك الغافل عنها وغير الغافل. فوائد صلاة الفجر في الدنيا إن فوائد صلاة الفجر في الدنيا كثيرة، نذكر منها: أولا: صلاة الفجر مشهد الملائكة قال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء 78) لدلوك الشمس إلى غسق الليل (أي من وقت زوالها إلى إقبال الظلمة، وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم خص سبحانه الفجر بالذكر لبيان فضله ومنزلته فقال: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا). إنه وقت اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار، الأولى قبل عروجها والثانية على إثر نزولها. عن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنهُ قالَ: قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكم مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وملائِكَةٌ بِالنَّهَار، وَيجْتَمِعُونَ في صَلاةِ الصُّبْحِ وصلاةِ العصْرِ، ثُمَّ يعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكم، فيسْأَلُهُمُ اللَّه وهُو أَعْلمُ بهِمْ: كَيفَ تَرَكتمْ عِبادِي؟ فَيقُولُونَ: تَركنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتيناهُمْ وهُمْ يُصلُّون» (متفقٌ عليه). فهل تقبل أخي الكريم أن تكون في عداد أولئك الذين تشهد عليهم الملائكة بالتخلف عن الركوع والسجود لله رب العالمين؟ ثانيا: صلاة الفجر نشاط وخفة القيام لها والانسلاخ من الفراش انتصار على الشيطان وانفلات من عقده. أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «يَعْقِدُ الشَّيْطانُ على قافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كُلّ عُقْدَةٍ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فارْقُدْ، فإنِ اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ اللّه تعالى انْحَلَّت عُقْدَةٌ، فإن تَوْضأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها فأصْبَحَ نَشِيطاً طيب النَّفْسِ، وإلاَّ أَصْبحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ». هذا الخبث الناشئ عن الإعراض عن طاعة الله وانفراد الشيطان به وإذلاله. عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: ذكر عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنَيْه أو قال أذنه» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). ثالثا: صلاة الفجر من أسباب حفظ الله إذا لم يقع عندك المشهد السالف بمكان، وكنت من أولئك الذين يطمعون في الفائدة الحسية القريبة، فهاك فائدة أخرى من صميم ما يُتحدث عنه في زماننا. ففي صحيح مسلم عن جُندَبِ بن سُفْيانَ رضي اللَّه عنهُ قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «منْ صَلَّى الصُّبْحَ فهُوَ في ذِمَّةِ اللَّهِ. فَانْظُرْ يَا ابنَ آدم لاَ يَطْلُبنَّك اللَّه مِنْ ذِمَّتِهِ بِشيءٍ، أي في عهده وحمايته وأمانه في الدنيا والآخرة.» رابعا: صلاة الفجر بركة لعمرك وحياتك من الفوائد الفريدة لصلاة الفجر أنها بركة لك. فتبدأ يومك مبكرا، وتتدرب على حسن تنظيم وقتك، ولا تترك للعبث والارتخاء من سبيل إلى حياتك. وتستفيد من هواء الفجر النظيف النافع. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «الّلهُمّ بَارِكْ لأمّتِي في بُكُورِهَا».( رواه الترمذي وحسنه عن صخر الغامدي). فوائد صلاة الفجر في الآخرة: أما في الآخرة ففوائد صلاة الفجر جلت عن الحصر وعن التقدير. وإليك أخي الحبيب بعضا منها: أولا: صلاة الفجر نور يوم القيامة ها هو ذا نبيك الكريم عليه السلام يبشرك بأن صلاة الفجر نور لك يوم القيامة، يوم يتخبط الناس في ظلمات أعمالهم الشنيعة ومظالمهم الفظيعة. ففي جامع الترمذي عن بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيّ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَشّرِ الْمَشّائِينَ فِي الظّلَم إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنّورِ التّامّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من نور يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزعون» ثانيا: صلاة الفجر من مفاتيح الجنة ومن أعظم فوائد صلاة الفجر أنها وقاية لصاحبها من النار، عن زهيْرٍ بن عِمارَةً بن رُويْبةَ رضيَ اللَّه عنْهُ قالَ: سمِعْتُ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: «لَنْ يلجَ النَّار أَحدٌ صلَّى قبْلَ طُلوعِ الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبَها» رواه مسلم . يعْني الفجْرَ، والعصْرَ. وأنها مفتاح من مفاتيح الجنة. عن أَبي موسى رضي اللَّه عنهُ أَنَّ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «من صَلَّى البَرْدَيْن دَخَلَ الجنَّة» (متفقٌ عليه). (البَرْدانِ): الصُّبْحُ والعَصرُ . ثالثا: صلاة الفجر من موجبات رؤية الله عز وجل الأشرف من كل ما ذكر أن صلاة الفجر مما يؤهل العبد لرؤية ربه غدا يوم القيامة، وما أسعدها من لحظة، وما أعظمها من نعمة. عن جَريرِ بنِ عبدِ اللَّهِ البجليِّ رضيَ اللَّه عنهُ قال: كنا عِندَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَنَظَرَ إِلى القَمرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ، فقال: «إنكم سَتَرَوْنَ ربكمْ كما تَروْنَ هذا القَمر، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلبُوا عَلى صلاةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْل غُرُوبها فافْعلُوا» (متفق عليه). نصائح مساعدة على القيام لصلاة الفجر أولا: صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر، أما الذي ينام عازما على عدم القيام للفجر، ويرجو ألا يأتي أحد لإيقاظه، فإنه لن يستطيع بهذه النية الفاسدة أن يصلي الفجر، ولن يفلح في الاستيقاظ لها وهو على هذه الحال من فساد القلب وسوء الطوية. قال تعالى: (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا) (الأنفال 70). ثانيا: التخفف من الذنوب بالتوبة والاستغفار، فالذنوب تقسي القلب وتحرم الإنسان من الخير وتفوت عليه النشاط للعبادة. ثالثا: التبكير في النوم : ففي صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بَرزةَ رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكرهُ النومَ قبل العِشاء والحديثَ بعدَها. رابعا: الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار قبل النوم. فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر. خامسا: ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة. فإن بعض الناس قد يستيقظ في أول الأمر ، ثم يعود إلى النوم مرة أخرى. سادسا: لا بد من الاستعانة على القيام للصلاة بالأهل والصالحين، والتواصي في ذلك، وكما يكون التواصي والتعاون على صلاة الفجر بين الأهل، كذلك يجب أن يكون بين الإخوان في الله، فيعين بعضهم بعضاً، مثل طلبة الجامعات الذين يعيشون في سكن متقارب، ومثل الجيران في الأحياء، يطرق الجار باب جاره ليوقظه للصلاة، ويعينه على طاعة الله. سابعا: استخدام وسائل التنبيه ، ومنها الساعة المنبهة، ووضعها في موضع مناسب، فبعض الناس يضعها قريباً من رأسه، فإذا دقت أسكتها فوراً وواصل النوم، فمثل هذا يجب عليه أن يضعها في مكان بعيد عنه قليلاً، لكي يشعر بها فيستيقظ. ثامنا: عدم إكثار الأكل قبل النوم، فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل، ومن أكل كثيراً، تعب كثيراً، ونام كثيراً، فخسر كثيراً. تاسعا: أن يدعو العبد ربه أن يوفقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة، فإن الدعاء من أكبر وأعظم أسباب النجاح والتوفيق في كل شيء. أخيرا: أخي المسلم أختي المسلمة، يا من يؤثر دفء النوم على لذة المناجاة، يا من لا يسمع حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، ويصغي بإمعان لنداء الشيطان القائل النوم أفضل من كل شيء... يا من اتخذ الشيطان أذنه مستنقعا لقضاء حاجته.... إليك نهدي هذه الكلمات لعلها تجد أذنا صاغية وقلبا واعيا... اسمع إلى نبيك عليه الصلاة والسلام وهو يرغبك في الصلوات عموما، والفجر خصوصا، بكلمة جامعة للخير وبتعبير جامع لعوامل التحفيز. ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي النّدَاءِ وَالصّفّ الأَوّلِ ثُمّ لَمْ يَجِدُوا إلاّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا. وَلَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي التّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إلَيْهِ. وَلَوْ عَلِم الدكتور عبد الرحمان بوكيلي خطيب مسجد بدر بمكناس