قال الباحث السوسيولوجي الفرنسي فانسن جيسير في رسالة وجهها إلى أصدقائه إنه منع من المشاركة في ندوة عامة ببلدية كليشيه بفرنسا كان يراد تنظيمها في أواخر شهر أبريل المنتهي، وإن المنع جاء نتيجة ضغط الأوساط اللائيكية المتطرفة -حسب قول فانسن جيسير- أو من وصفهم في كلمات أخرى أشد قسوة بقوله مسعورو اللائكية. وأضاف جيسير قائلا: إن الضغوط آتت أكلها إذ أن مصلحة الشباب بالبلدية المذكورة أخبرتني مساء يوم 24 أبريل بأنها لا تتمنى حضوري في النقاش. ولم يكتف فانسن جيسير بهذا الإخبار لزملائه ومحبيه، ولكنه أرفق الرسالة برسالة أخرى كتبها علماني متشدد عارض حضوره وكان ممن ضغطوا على البلدية المعنية بالنشاط، ويتعلق الأمر ببيير كاسن الذي وصف السوسيولوجي الفرنسي بأنه يدافع عن مسلمي فرنسا ويسب المسلمين المتنورين من أمثال مالك بوطيح وفاضلة اعمارة رئيسة جمعية صغيرة العدد والعدة تحمل اسم لا داعرات ولا مستسلمات. يحدث هذا في بلد عريق مشبع بالديمقراطية والحق في الاختلاف والدفاع عن الحريات الفكرية والفردية، وتبني الحوار والتسامح والأخوة والمساواة. يحدث هذا في بلد دفع ثمنا باهظا للحصول على الحرية والتخلص من الاستبداد والدكتاتورية وظلمات القرون الوسطى ودمويتها. ويأتي منع فانسن جيسير من المشاركة في نقاش حر بهذه الطريقة ليدل على حالة الهستيريا والانهيار العصبي وفقدان التوازن لدى عدد من السياسيين والإعلاميين الفرنسيين وهو يتحدثون عن الحجاب والباندانا والحضور الإسلامي في فرنسا وأوروبا، وهو ما عرضه جيسير بتفصيل في محاضراته المتتابعة في جميع أنحاء فرنسا حيث زار أكثر من 42 جمعية مسلمة كما صرح بذلك أثناء زيارته الأخيرة لبلادنا بين 16 و18 أبريل الماضي. فحالة جيسير مع المتشددين العلمانيين تذكرنا بحالات سابقة عاش فيها كثير من المفكرين الفرنسيين والغربيين اضطهادا ظالما قام به مفكرون وإعلاميون فرنسيون ضدهم، مثل روجيه غارودي الذي ما زال يعاني من حصار طويل وحكم بالإعدام الإعلامي، ومثل الفنان ديودونيه الذي يتعرض هذه الأيام لحملة شنيعة، ومثل آخرين يضيق المقال عن حصرهم. مجمل القول في هذه النازلة إن التطرف والتشدد ليس إسلاميا أوعلمانيا، ولكنه حالة نفسية مريضة لا يستطيع صاحبها تحمل الآخرين فكرا وواقعا، وهي الحالة التي ينبغي أن يقوم في وجهها إسلاميون وعلمانيون لا يخافون لومة لائم يتعاونون معا ضد الإقصاء الفكري والهستيريا العصبية، ويؤمنون بالحق في الاختلاف والحق في التعبير عنه، ويسعون إلى تدبير ذلك بأفضل طريقة ممكنة، فما أكثر الحالات التي يكون فيها الإختلاف وهميا فقط، سرعان ما يذوب بالصدق والنية الحسنة. حسن السرات [email protected]