تحدث الأستاذ عمر فاروق كوركماز، عضو لجنة العلاقات الخارجية لحزب السعادة، عن المشهد السياسي بتركيا، وعن مكانة الجيش لدى الشعب التركي، والذي يعتبر في الثقافة التركية أنه مدرسة محمدية، وشدد فاروق خريج الجامعة الإسلامية من كلية أصول الدين بباكستان على أن ما يسيء إلى ديموقراطية بلده هو منع ارتداء التلميذات والطالبات الحجاب بالمدارس، وعدم مساواة الطلاب المتخرجين من المدارس الإسلامية مع الطلاب الآخرين عند الالتحاق بالجامعات، مشككا في قبول الاتحاد الأوروبي تركيا للانضمام إليه. وأوضح فاروق كوركماز، في هذا الحوار الذي أجرته معه "التجديد" على هامش حضوره للمؤتمر الخامس لحزب العدالة والتنمية المنعقد خلال يومي 10 و11 أبريل الحالي، طموح حزبه لتمتع بلاده باقتصاد حر وسعيه لإنشاء سوق إسلامية مشتركة، معربا عن الرغبة التي تحدو حزب السعادة في أن تعود لتركيا مكانتها الكبيرة، كما كانت سابقا، وهذا نص الحوار: من المعلوم أن تركيا بلد علماني، كيف يمكن أن تصفوا لنا المشهد السياسي بهذا البلد؟ نظام الدولة التركية علماني، لكنه ديمقراطي، غير أن الديمقراطية لا تطبق بشكل جيد، ولكن إذا وضعنا مقارنة بين تركيا وبين دول المنطقة، نجد الأولى أفضل بكثير من حيث الحريات السياسية، بيد أن المشكل الذي يسيء إلى ديمقراطية تركيا هو مشكل منع الحجاب بالمدارس والثانويات، ولكن عموما الممارسة السياسية جيدة، فالآن يوجد أكثر من 25 حزبا بتركيا، يتنوع ما بين أحزاب وطنية وأخرى قومية ويمينية ويسارية، وأخرى مبادؤها إسلامية. كيف تقيمون تجربة حزب العدالة والتنمية التركي؟ حزب العدالة والتنمية التركي حزب جديد في الساحة التركية لكن عناصره ليسوا جددا، لقد كانوا ينشطون ضمن حركة أربكان، ومؤسسو حزب العدالة والتنمية هم الجيل الثاني لهذه الحركة، وهذا ساعدهم على اكتساح الساحة السياسية، لأنه لا يمكن لحزب جديد أن يكتسح الساحة إلى هذه الدرجة مع أول ظهور له، ويوجد حزب العدالة والتنمية التركي الآن على رأس السلطة لأسباب مختلفة لا أريد أن أدخل في تفاصيلها، ومنها سبب أساسي هو أن مرشحيه شباب، وهناك من الأتراك من صوت لصالحهم على أساس أنهم تلاميذ الأستاذ نجم الدين أربكان، رغم أنهم اختاروا منهجا غير منهج أربكان في المنهج السياسي، فهم يسمون أنفسهم الديمقراطيين المحافظين، ويجتنبون تسمية حزبهم حزبا دينيا أو إسلاميا. أين يصنف حزب السعادة ضمن الأحزاب التركية؟ حزب السعادة هو الخط المستمر لحركة أربكان، التي أسست منذ ,1969 فقد أسس الأستاذ أربكان حزب النظام، ثم حزب الرفاه، ثم الفضيلة، فتم إلغاء كل هذه الأحزاب، وأخيرا حزب السعادة، هذا الأخير يركز على استقلالية تركيا وعلى التربية المعنوية، وينشد أن يكون لتركيا اقتصاد حر ويطمح لإنشاء سوق إسلامية مشتركة، كما يتبنى المرجعية الإسلامية، ومن بين الأسباب التي أدت لظهوره هي الرغبة في أن تعود لتركيا مكانتها الكبيرة كما كانت سابقا، وهذا ما جعل الأستاذ أربكان يؤسس سوق الدول الثمانية لما وصل إلى السلطة، وهذا أزعج بعض الأطراف في العالم، خاصة أمريكا، لأن وجود مثل هذه السوق سيساهم في تطوير اقتصاد البلدان الإسلامية ويؤدي إلى تجديد والرفع من مستوى البرامج الاقتصادية الخاصة بالمنطقة. إلى جانب الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، هل توجد حركات إسلامية بتركيا؟ من الناحية السياسية لا توجد توجهات وحركات سياسية إسلامية صرفة، لأن نظام تركيا لا يسمح بتشكيل أي حزب ديني، ومع ذلك حزب السعادة معروف بتوجهه وانتمائه الإسلامي، وهناك حزب قومي منشق عن حركة الحزب القومي، غير أنه توجد جمعيات أهلية كثيرة في كل المدن، لكنها لا تعتبر حركات إسلامية على المستوى الوطني. ما موقعكم داخل المشهد السياسي؟ دخلنا السنة الماضية في الانتخابات، لكن حزب العدالة والتنمية اكتسح الساحة، ويوجد الآن في البرلمان إلى جانب حزب الشعب الجمهوري، أما حزب السعادة فهو غير ممثل في البرلمان حاليا. والانتخابات البلدية؟ نحن أخذنا مجموعة من البلديات لكن حزب العدالة والتنمية له بلديات أكثر. ماذا عن حقوق الإنسان في تركيا؟ المشكلة الأساسية بتركيا في قضايا حقوق الإنسان هي في ما يتعلق بحقوق المرأة، ومنها منع ارتداء التلميذات والطالبات الحجاب بالمدارس، كما أن الطلاب المتخرجين من المدارس الإسلامية أئمة وخطباء لا يعطى لهم حق المساواة مع الطلاب الآخرين عند الالتحاق بالجامعات، وهناك بعض العناصر اليسارية يعانون والمنظمات الكردستانية، لكن بشكل عام لا توجد مشاكل كبيرة في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان باستثناء الحريات الدينية والفكرية. إلى متى سيتسمر منع المحجبات من إتمام دراستهن بتركيا؟ إلى الآن لم يحل المشكل، ونتمنى من الحكومة الحالية أن تحل هذه المعضلة، لأن هذه أزمة وطنية، إذ يوجد بتركيا عدد كبير من الفتيات يعانين من منعهن من إتمام الدراسة ومن العمل بالدوائر الحكومية. تركيا تخضع لنظام عسكري، كيف تتعاملون مع هذه المؤسسة؟ الجيش التركي حسب الدستور يحتل المرتبة الأولى بعد رئاسة الوزراء، لكن في السنوات الماضية تعود المسؤولون بالجيش أن يعطوا الأوامر بشكل آخر بسبب الخلل الموجود في الحكومة المدنية، عموما الجيش مؤسسة محترمة لدى الشعب، ولأنه يعتبر في الثقافة التركية أنه مدرسة محمدية نسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، والجندي الواحد في تركيا يسمى محمد تشيك يعني محيمد أو محمد الصغير لذلك ما يزال المواطنون الأتراك يحترمون الجيش التركي احتراما كبيرا، وإن كان هناك بعض الخلل في السلوك العسكري لبعض أفراد الجيش الذين يخطئون في بعض التصرفات. كيف تنظرون إلى انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؟ ولماذا ما يزال التماطل قائما بهذا الخصوص؟ هذه النقطة أساسية، ومطروحة بشكل كبير في تركيا، هناك جهات لا تريد الانضمام إلى الوحدة الأوروبية مثل حزبنا، لأن هذا الانضمام سيسبب عائقا كبيرا بيننا وبين الدول الإسلامية في العالم، ولا نستطيع الاتصال بهذه الدول إلا بإذن من بروكسيل، وأي تعاون مغربي تركي مثلا لن يتم إلا بموافقة هذا الاتحاد، فنحن نريد أن تعود تركيا إلى قوتها الأصيلة والتاريخية، ولكن وجود بعض المشاكل السياسية والفكرية وقضايا حقوق الإنسان دفع بالحكومة إلى طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لكي تتخلص السلطة من هذه المعضلات، ومن جهة أخرى فقبول الاتحاد الأوروبي تركيا للانضمام إليها أمر مشكوك فيه أيضا، لأن الاتحاد الأوروبي يعتبر أن تركيا لقمة صعبة في معدته، فعدد سكانها سبعون مليونا، فإذا دخلت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ستكون هناك تقلبات في المجتمع الأوروبي، وهذا سيسرع الوجود التركي في أوروبا بشكل كبير، علما أنه حتى وإن لم تدخل تركيا في الاتحاد الأوروبي فالأتراك موجودون بأوروبا، فألمانيا مثلا يوجد فيها ثلاثة ملايين تركي، وهذا ما يزيد من مخاوف الاتحاد الأوروبي لا محالة. طرحت قضية توحيد قبرص وكان اختلاف بين اليونان وتركيا، كيف تنظرون إلى هذا؟ هذه نقطة ساخنة أيضا في تركيا، فالحكومة الحالية تريد بشكل من الأشكال تسليم قبرص إلى اليونان، وكل الأحزاب الوطنية، ونحن ضمنها، ترفض هذا القرار الحكومي، لذلك يرفض رئيس جمهورية قبرص قرارات كوفي عنان، ولذلك فهذه النقطة الساخنة تؤدي إلى اختلاف كبير بين الحكومة والمعارضة، وتركيا تريد تسليم قبرص لليونان مقابل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رغم أنه ليس من شروط الانضمام إنهاء مشكل قبرص. عرفت تركيا تفجيرات بالعاصمة، كيف تم التعامل معها؟ بعد أحداث 11 شتنبر هناك توجه عام ينحو نحو اتهام الإسلاميين بأي تفجيرات تحدث في العالم، لكن المجتمع التركي والحكومة أيضا كان موقفها جيدا، حيث تم رفض الطرح الذي ينحو نحو إلصاق الموضوع بالمسلمين والإسلام، وإن كانت الحكومة في النهاية غيرت مواقفها، لأنها وجدت بعض العناصر المتطرفة شاركت في هذه العمليات، ولكن السؤال الذي بقي عالقا هو كيف تمت مشاركة هذه العناصر في التفجيرات، إضافة إلى أن تركيا ما تزال تجهل الجهة المدبرة، فالتفجيرات حدثت في معبد اليهود، غير أن الحصيلة أدت إلى قتل عدد قليل جدا من اليهود، في حين نجد أن العدد الأكبر من القتلى كانوا من المسلمين الذين كانوا يوجدون خارج المعبد، وهذه العمليات ندينها... والملاحظ أن التفجيرات التي حدثت في العالم تتشابه، وتجعلنا نقول إنه توجد جهة معينة تريد أن تربي الدول والنظم. كيف كان سير محاكمات متهمي التفجيرات؟ وما هي حيثيات الأحداث الواقعة؟ أمر التفجيرات غير واضح، فبعد حادثة إستامبول أحضروا عشرين طالبة تركية يدرسن بسوريا بالقوة، وحقق معهن، وكانت الحصيلة أن الملف كان فارغا، ولم يثبت في حقهن أي شيء، وعادت بعض الفتيات لإتمام دراستهن بسوريا، وفضلت أخريات عدم العودة بسبب الخوف الذي خلفه التحقيق معهن، وما يزال بعض المتهمين في السجون لم يحاكموا بعد، عموما أمر التفجيرات لم يتضح بعد. هل يوجد بتركيا قانون لمكافحة الإرهاب؟ بتركيا توجد محكمة دستورية تحكم بقانون شديد على المتهمين بالإرهاب، وهذا القانون ليس وليد اللحظة، فهو موجود منذ مدة، لأن تركيا تعاني من إرهاب منظمات العمال الكردستانية أكثر من عشرين سنة، فالقوانين لدينا جاهزة، والذين لم يساعدوا تركيا للقضاء على الإرهاب عانوا أيضا من الإرهاب في 11 شتنبر. كيف تقيمون علاقة تركيا بالعالم الإسلامي؟ علاقة جيدة، رغم بعض المخاوف من قبيل عزم تركيا إبان الغزو الأمريكي على إرسال جيش إلى الأراضي العراقية وكان هذا سيسيء إلى علاقتنا بالدول العربية والإسلامية، لكن الحمد لله الشعب التركي رفض ذلك بشدة، والحكومة التركية لم تستطع أن تمرر القانون، وبعدها قررت إرسال الجيش، غير أن أمريكا لم تطلب ذلك، ولكن ما نخاف منه مستقبلا أنه عندما تضعف أمريكا أمام المقاومة العراقية ربما ستحتاج إلى الجيش التركي في المنطقة. وكيف تقيمون علاقة تركيا مع أمريكا؟ يوجد تطبيع كبير بين الحكومة التركية وبين أمريكا، والحكومة التركية غالبا تنفذ القرارات والمطالب الأمريكية، مثلا مشروع الشرق الأوسط الكبير هو مشروع أمريكي لفتح منافذ جديدة للصهيونية في المنطقة، ويبدو أن الحكومة الحالية ستنفذ هذا المشروع في المنطقة، لذلك أقول لإخواننا في المغرب أنه رغم تشابه اسم حزب العدالة والتنمية المغربي بنظيره التركي، غير أن هناك فرقا كبيرا بينهما في المنهج والتوجه. وقعت أخيرا اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا، كيف تتوقعون مسار الاتفاقية؟ أتمنى دائما أن تكون علاقة المغرب وتركيا مستمرة خاصة في مجال التجارة والثقافة، وأعتقد أن رجال الأعمال سيكتشفون ذلك بشكل جيد، كما ينبغي أن يكون تبادل البعثات الطلابية. حاورته خديجة عليموسى