أصبح في حكم المؤكد أن كل مسؤول يتقرب إلى الإدارة الأمريكية الحالية بخطوة، ويساند سياساتها الحمقاء، يبتعد حتما عن شعبه عشرات الخطوات، وما ذلك إلا نتيجة للحجم المتعاظم من الكراهية الذي تتمتع به أكبر دولة ظالمة في العالم، حيث تأكل الكراهية المنتشرة في أرجاء الأرض من شعبيتها وهيبتها ومصداقيتها، وما المظاهرات الحاشدة المنددة بالعدوان على العراق والشعب الفلسطيني عنا ببعيدة. فبوش الصغير يصم أذنيه ويغمض عينيه عن كل ذلك، ويصر على أن العالم أصبح أكثر أمنا بدون صدام، وأن الشعب العراقي قد استعاد حريته، كما أنه يكرر على أسماعنا أنه سينتصر قريبا على ما يسميه الإرهاب، وسيخرج الإرهابيين من مخابئهم ويسحقهم، متجاهلا أنه يملك أكبر وأقوى جيش في العالم، ومع ذلك فشل فشلا ذريعا في مواجهة حي الأبطال بالفلوجة الصامدة. وفي باكستان ومنذ أن أعلن رئيسها برويز مشرف تعاونه الصريح مع واشنطن وشعبيته في انحدار مستمر، حتى وصل الأمر إلى تنفيذ عدة محاولات للاغتيال ضده. محاولات اغتيال مشرف في 25/12/2003 أعلن التلفزيون الرسمي الباكستاني أن الرئيس برويز مشرف نجا من محاولة اغتيال هي الثانية خلال أقل من عشرة أيام. ورغم كل ما قيل حول تلك العمليات، فإنها تؤشر على أن شعبية الرئاسة تعاني من الانحدار الخطير وقلة التعاطف مع شخصية الرئيس وعدم قبول سياساته وقراراته، وعمليات الاغتيال الفاشلة، التي نجا منها مشرف، إما أنها مدبرة حقا من باكستانيين غاضبين على قيادته، أو أنها مدبرة من النظام ذاته لحشد التعاطف المتآكل، وكذا توفير جو مناسب للقبضة الحديدية، مع تبرير تنفيذ بعض السياسات التي تتبعها عمليات لصالح الدول الكبرى كملاحقة القاعدة، التي اتهمها مشرف بمحاولة اغتياله. والغريب في محاولتي الاغتيال أن الانفجار في العمليتين قد وقع مباشرة بعد مرور موكب مشرف سالما في أحد الشوارع المحصنة في مدينة روالبندي!!، وهي العاصمة العسكرية للبلاد، والعجيب أيضا أن العملية الثانية نفذت في الشارع نفسه، الذي تعرض فيه الموكب لمحاولة الاغتيال السابقة يوم 14 دجنبر.2003 وعزا بعض المحللين أسباب تكرار محاولات اغتيال مشرف إلى موقفه من المنظمات الجهادية، وكذا تنازلاته المتكررة للولايات المتحدة والهند، مما أثار موجة استياء واسعة في أوساط الجيش والمنظمات المدعومة من المخابرات الباكستانية، كما عبرت بعض الأوساط عن مخاوفها من أن يتخلى مشرف عن كشمير وعن البرنامج النووي الباكستاني رضوخا لطلبات نيودلهي.. ونذكر هنا تصريح المحلل الباكستاني جاسم تقي لقناة الجزيرة بأن أعداء مشرف أصبحوا كثيرين وعلى رأسهم تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية والجيش الذي اعترض على التحقيق مع كبار العلماء الباكستانيين المتهمين بالمشاركة في برنامج صواريخ شهاب، مضيفا أن القاعدة هددت مرارا بقتل مشرف، كما طالبت القبائل الباكستانية بتصفيته، ومذكرا بكلمة الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، الذي حض أيضا في مكالمات هاتفية وجهها إلى سكان القرى الباكستانية على قتل مشرف. أوراق بوش الانتخابية لما أراد بوش الصغير أن يفوز في هذا العام الانتخابي الأمريكي، فقد راح يحشد الأوراق الانتخابية التي يراها رابحة وداعمة له ضد خصمه الديموقراطي جون كيري، فمن غزوه أفغانستان والإطاحة بنظام طالبان، وسعيه إلى تبريد منطقة الصراع بين الهند وباكستان، مرورا بنزع سلاح ليبيا والقبض على صدام، وصولا إلى إحلال السلام في جنوب السودان، وتدشين عاصفة الجبل، التي هدفها القبض على الصيد الثمين ليضمن بوش الصغير الفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض. وهكذا فهم مشرف المهمة فاختار أن يصرح مزهوا لشبكة التلفزيون الأمريكية سي إن إن بأن قواته تحاصر مقاتلين في تنظيم القاعدة يؤمنون الحماية لهدف في غاية الأهمية. وقالت الشبكة التي فازت بالتصريح إن الشخص الذي تطوقه القوات الباكستانية هو أيمن الظواهري. وفي واشنطن اعتبرت مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس أن إلقاء القبض على الظواهري سيشكل ضربة كبيرة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. ولتحقيق حلم رايس شارك المئات من الجنود الباكستانيين المدعومين بالمروحيات في عدة عمليات عسكرية في المناطق القبلية الحدودية، مما أدى إلى مقتل العديد من المدنيين الأبرياء ورجال القبائل إضافة إلى سقوط عشرات الجنود الباكستانيين، وإذا علمنا أن بعض القبائل الباكستانية كانت محرمة على الجيش منذ أكثر من 40 سنة، إذ يعتبر الجيش غريبا على تلك المناطق، التي تتمتع بحكم ذاتي تقريبا، فإن تبادل إطلاق النار في تلك المنطقة القبلية لا يبشر بخير في المستقبل القريب، إن لم تتراجع باكستان عن الاستجابة العمياء لمطالب الأمريكان، الذين يستهينون بإراقة المزيد من دماء الأبرياء، ما داموا لم يقبضوا على صيدهم الثمين، وورقتهم الانتخابية التي يرونها رابحة!! باول يكافئ مشرف دفعت دماء الباكستانيين المتدفقة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى إعلان باكستان حليفاً أكبر خارج حلف شمالي الاطلسي (الناتو) وهو الوضع نفسه الذي منحته أمريكا لما يسمى إسرائيل وكذا بعض الدول الصديقة منها اليابان وتايلاند والكويت ومصر والأردن ... وكان بوش الصغير قد أثنى في يناير الماضي على المساعدة التي قدمها الرئيس الباكستاني برويز مشرف في الحرب على ما يسمى الإرهاب قائلا إن الرئيس مشرف تحرك كصديق للولايات المتحدة، مضيفا إننا نتقدم ضد القاعدة بفضل تعاونه. وللتذكير بالضرائب التي قد يدفعها المتعاونون، أعرب بوش عن ثقته بقدرة باكستان في الحفاظ على سلامة مشرف، وبقدرة قوات الأمن في مواجهة التهديدات التي تواجهه. واشنطن الآن في سباق مع الزمن وهي متعطشة لسماع أنباء طيبة تنافس الأنباء الآتية من العراق والفلوجة، ولذلك فهي تضاعف المكافآت وتوزع التشجيعات وتستعرض العضلات، فقد صرح المتحدث باسم الجيش الأمريكي الرائد برايان هيلفرتي في مؤتمر صحفي بأن عاصفة الجبل التي بدأت في السابع من الشهر الماضي تشارك فيها قوات قوامها 13500 رجل بقيادة أمريكية وبمعاونة غطاء جوي. كما أشار المسؤولون الأمريكان إلى أن قوة المهام 121 وهي قوة سرية تضم جنود كوماندوز من قوات العمليات الخاصة وضباطا من وكالة المخابرات المركزية شاركوا في القبض على صدام حسين- أرسلت أفرادا ومعدات إلى المنطقة الحدودية للبحث عن بن لادن وأعضاء آخرين في القاعدة وطالبان، وذلك ما دفع قائد القوات الأمريكية في أفغانستان ديفد بارنو للتعبير عن أمله في القبض على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وزعيم حركة طالبان الملا محمد عمر خلال العام الحالي. ولإغراء السكان وزعت السلطات الأمريكية في مناطق جنوب وزيرستان (منطقة الشريط القبلي المحاذي للحدود الباكستانية -الأفغانية) علب كبريت عليها صورتا بن لادن والظواهري وكتابة تدعو السكان إلى تسليمهما في مقابل مبالغ مالية ضخمة وتأشيرات سفر وإقامة خارج باكستان. وقبل ذلك أعلن البيت الأبيض أنه خصص 11 مليار دولار في ميزانية العام الحالي لتغطية العمليات التي تجري لاعتقال أسامة بن لادن. ولم ينس المخططون تأليب القبائل على بعضها، إذ سمعنا عن توجيه أعيان بعض قبائل منطقة وزيرستان الباكستانية إنذارا للقبائل المتهمة بإيواء من يوصفون بالإرهابيين، وبدأت تمار التحريض تظهر إذ هدد أعيان بعض القبائل بأنهم سيشنون هجوماً على القبائل التي وجِّه إليها الإنذار ما لم تسلّم المطلوبين. وأفادت الأنباء أن السلطات الباكستانية منحت شيوخ قبائل تتمركز على طول حدودها مع أفغانستان مهلة أسبوعين لطرد من سمتهم مقاتلين أجانب. وقال المسؤول الأمني الباكستاني في المنطقة محمد شاه إن رجال القبائل بحاجة للتوصل إلى طريقة لتجنب استخدام القوة العسكرية لطرد هؤلاء المقاتلين. واستجابة للضغوط الحكومية بدأ نحو 2000 من رجال بعض القبائل الباكستانية مدججين بالبنادق والأسلحة الخفيفة عمليات مطاردة واسعة في الجبال الوعرة، التي يعتقد أن تنظيم القاعدة وبعض الموالين له مختبئون فيها. فالحملة العسكرية التي دشنها مشرف هي الأكبر في تاريخ باكستان ولن تكون أسهل من سابقاتها، فالقاعدة وطالبان تتمتعان بدعم قوي من الأحزاب الإسلامية الباكستانية، التي تحكم المنطقة الشمالية الغربية من باكستان. ويرى المراقبون أن نجاح عمليات مطاردة بقايا القاعدة وطالبان في هذه المنطقة يعتمد على تحقق تعاون متبادل بين أبناء القبائل والحكومة، وإذا لم تحصل القوات الباكستانية على ثقة جميع القبائل فإن جهودها ستكون حتما عديمة الجدوى، ويتساءل بعض المراقبين عن كيفية حصول الحكومة على ثقة القبائل وهي قد انتهكت حرمتهم وبدأتهم بالعدوان. وقال الزعيم الديني البارز زار نور افريدي إن استخدام الجيش الباكستاني ضد شعبه لحماية المصالح الأمريكية أمر مؤسف، ويجب إيقاف سفك دماء المجاهدين فورا، لقد خلقنا توتراً في بلادنا ومجتمعنا، ونحن نتعرض للاحتقار بشكل يومي، وتعرضنا أيضاً للذل وتضررت مصالحنا، ونحن نعلم أن أمريكا ليست صديقة لباكستان، فهم أصدقاء لبرويز مشرف، وليس لباكستان، وبالسماح لهم بالوجود على الأراضي الباكستانية، فإن هذا يعني السماح لإسرائيل والهند بالوجود أيضاً على أراضينا، لأن هناك علاقة واضحة بين هذه الدول الثلاث. الخلاصات: 1 إن رضى واشنطن الذي يسعى وراءه مشرف لن يثبته على كرسيه، بل سيزيد من انهيار شعبيته ويهدد مستقبله السياسي. 2 إن القبض على أسامة بن لادن لن يفيد الشعب الباكستاني في شيء، بقدر ما سيضاف في سجل بوش الصغير المتعطش لولاية ثانية 3 الحل الوحيد لكل حاكم أراد المحافظة على موقعه هو التقرب إلى شعبه وتدشين مرحلة مصالحة مع آماله، حينها فقط سيقوم هذا الشعب بحمايته. وبكلمة: من أراد النجاة فعليه مغادرة سفينة بوش-شارون مبكرا قبل غرقها بعد حين غير مأسوف عليها. إسماعيل العلوي