دعا المفكر المغربي محمد طلابي إلى المصالحة الشاملة بين مختلف الأطراف داخل العالم الإسلامي، وعلى رأسها طرفي السنة والشيعة، معتبرا أن الصراع القوي بينهما –والذي هو صراع سياسي بلبوس مذهبي- سيؤدي إلى توقف إمكانية النهوض الحضاري لأمتنا لعقود من الزمان. وقال طلابي في حوار مع يومية "التجديد" إنه لا بد من إيجاد قاسم مشترك وأرضية للتصالح ووقف الصراع، وخاصة مع تعطش الشعب الايراني لربيع ديموقراطي ولحرية سياسية، وتعطش الشعوب العربية السنية أيضا لذلك. وفي قراءة منه للنزاعات المتصاعدة بين إيران والسعودية خاصة؛ يذهب عضو المكتب الدائم للمنتدى العالمي للوسطية، إلى أن ما أجج الصراع هو الربيع الديموقراطي كمسار تاريخي جديد دخلته المنطقة العربية حيث لا تريد إيران أن ينجح هذا الربيع كي لا يتم تصديره إليها، كما أن روسيا لا تريد أن ينجح الربيع الديموقراطي السني لأنها تخاف من أن يتم تصديره لآسيا الوسطى المسلمة، حيث كازاخستان وأذريبجان وأرمينيا التي تعتبر المجال الحيوي للدب الروسي. بالمقابل يؤكد طلابي على أنه يجب على إيران أن تكف عن وضع مخططات لتشييع السنة كما يحدث للمسلمين في أوربا وعلى رأسها بلجيكا، وكما أرادوا وخططوا له في شمال وغرب إفريقيا المسلمة، مؤكدا على أن إيران تخطط في شمال إفريقا لإعادة ما يسمى مجد الفاطميين، وهو ما يعتبره غير ممكن بأي حال. بداية كيف ترى التطورات الأخيرة بين السعودية وإيران وهل هو صراع في الدين والمذهبية أم في السياسة؟ في الواقع ما يحدث اليوم من تدافع ومن خلافات بين النظام الايراني و المملكة العربية السعودية هو في العمق خلاف سياسي إقليمي، لكنه يتخذ صفة صراع مذهبي. فما يجري في المنطقة خلاصته هو أن الربيع الديموقراطي أدى إلى اصطفاف حاد في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط و شمال إفريقيا. هذا الربيع الديموقراطي العربي السني هدد مصالح كبرى في المنطقة ومن بينها مصالح إيران الشيعية الفارسية ومصالح روسيا الحيوية في آسيا الوسطى. ولهذا تدخلت إيران بقوة في المنطقة، وتدخلها هذا كان منذ بداية ثورة الخميني لكنه كان بطريقة هادئة وسلسة في كثير من المناطق بما فيها محاولة نشر مذهب التشيع بشمال إفريقيا وغيرها. فالربيع الديموقراطي أسرع بهذا الصراع بشكل كبير. وطبعا الخلاصة هي أن إيران الآن أصبحت موجودة بقوة في العراق وموجودة بالقوة في سوريا وتريد أن تكون موجودة بقوة في اليمن، أي أنها تريد أن تكون القوة الضاربة في منطقة الخليج والجزيرة العربية، وهذا طبعا يهدد مصالح دول أخرى وعلى رأسها السعودية. فالإستراتيجية الجديدة للسعودية مع الملك سلمان في العمق ردة فعل وليس فعلا على ما يجري. والتحالف العربي لضرب الانقلابيين الحوثيين هو ردة فعل، وقطع العلاقات الديبلوماسية للخليج مع إيران هو أيضا ردة فعل. ردة فعل على أن شبه الجزيرة والخليج وبلاد الشام والرافدين أصبحت تحت تهديد حقيقي إيراني وفق خطة للتحكم والهيمنة من خلال الأذرع الشيعية الموجودة تاريخيا في لبنان واليمن وفي الخليج والسعودية والذراع القوية في العراق، وكل هذا تم توظيفه الآن بقوة من أجل ضرب مصالح دول المنطقة. إذن فالصراع سياسي لكنه إلى جانب ذلك اتخذ صيغة صراع مذهبي. من الناحية الحضارية وبعيدا عن الجزئيات من هو الخاسر الأكبر في هذا التقاطب؟ الخاسر الأكبر هو شعوب المنطقة العربية والشعب الإيراني نفسه. نعتبر أن شعب إيران سيخسر كما أن الشعوب العربية ستخسر أيضا. وأظن أن هذا الصراع القوي بين أهل السنة والشيعة سيؤدي إلى توقف إمكانية النهوض الحضاري لأمتنا لعقود من الزمان، وبالتالي فالخسارة في هذا الصراع الخطير والمدمر للمنطقة هي خسارة لشعبنا العربي المسلم وللشعب الإيراني الشقيق أيضا، والرابح الأكبر هو الغرب والكيان الصهيوني والنظام الإيراني. عبر التاريخ هناك تحولات كبيرة وقعت في السياسة وفي التاريخ وفي الجغرافيا لماذا لم تفلح في كسر هذه الثنائية؟ أولا إن ميلاد الفرق مثل الخوارج أو الشيعة أو انشقاقها على جسم الأمة الذي هو السنة -على اعتبار أن السنة ليسوا فرقة وإنما هم الأمة والجسم- هذا الانشقاق كان عامله الأساسي سياسي وليس مذهبيا. فالشيعة لا يعترفون إلا بخلافة علي ويقولون إن عليا هو من كان يجب أن يكون خليفة وأميرا للمؤمنين بعد النبي، بل ينكرون خلافة أبو بكر وعمر وعثمان، ويعتبرون ذلك نصبا واغتصابا لسلطة الولي الشرعي للرسول (ص) وهو علي حسب زعمهم. ولذلك سموهم النواصب، فالخلاف إذن كان حول السلطة وهذا الخلاف استمر في التاريخ ولم يتوقف أبدا، بل يمكن القول إن الصراع بين أهل السنة والمذهب الشيعي مستمر منذ الفتنة الكبرى إلى العصر الحديث، ومع إعادة إحياء المذهب الشيعي مع الصفويين مع الشاه اسماعيل الصفوي في بداية القرن 16م تأجج الصراع من جديد بين الخلافة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية. هذه الأخيرة التي تحالفت في التاريخ الحديث والوسيط مع كثير من القوى الاستعمارية المعادية للأمة كالمغول حيث ساعدهم ابن العلقمي على إسقاط الخلافة العباسية. في الخليج أيضا ساعدوا الاستعمار البرتغالي ضد الخلافة العثمانية. فحصار الجيش العثماني لفيينا في القرن 17 كان سينتهي بفتح فيينا لكن العامل الأساسي في فك الحصار وعودة الجيش العثماني؛ كان هو أن الدولة الصفوية طعنتهم من الخلف من الشرق. أما مع الغزو الأمريكي مع بوش الابن للأفغانستان والعراق في هذا القرن؛ فقد ساعدت إيران بوش في احتلال البلدين، ولذلك فالصراع إذن قديم ولم يتوقف أبدا. فالشيعة الاثنا عشرية الحاكمة في إيران اليوم والشيعة الاسماعيلية التي كانت تحكم في شمال افريقيا مع الدولة الفاطمية لحوالي ثلاثة قرون من الزمن، هذان المذهبان يكفران أهل السنة والجماعة، لأنهم لا يعترفون بخلافة أبي بكر وعثمان. وبالنسبة لهم فإن كل من يعترف بذلك فهو كافر. وهذا يؤدي إلى استمرار هذا التطرف الشيعي، فالخوارج والشيعة هما فرقتين متطرفتين بالأساس وهذا التطرف تم إحياؤه مع الثورة الخمينية سنة 1979 وبدأ في وضع خطة خمسينية لتصدير الثورة إلى العالم السني، وهذا هو الخلل العميق الآن في هذا الصراع. فلو أن الايرانيين كفوا عن خطط تشييع السنة لكنا الآن في وضع من حسن الجوار. فنحن كلنا مسلمون وهم أهل قبلة، ونحن أهل السنة عموما لا نكفر الشيعة، مع أننا نعتبر أن عندهم انحرافا كبيرا في مذهبهم ولكننا لا نكفرهم، فيما يكفروننا هم وهذا عامل خطير يزيد من تأجيج الصراع. لكن مازاد من هذا التأجج هو الربيع الديموقراطي كمسار تاريخي جديد دخلته المنطقة العربية الذي جاء ببساطة ربيعا عربيا ديموقراطيا سنيا، وهذا في نظر النظام الايراني مضاد ومناهض ومعاد لإيران الفارسية الشيعية. لأن انتصار الربيع العربي معناه إعطاء زخم كبير للمد السني. وهذا في نظرهم سيؤدي إلى حصار الثورة الخمينية وانحسارها. بل ربما هزيمتها لأنه حتى الشعب الايراني يعاني من قهر النظام. ولهذا فهم لا يريدون أن ينجح هذا الربيع لأنه قد يتم تصديره إلى إيران. كما أن روسيا لا تريد أن ينجح الربيع الديموقراطي السني لأنها تخاف من أن يتم تصديره لآسيا الوسطى المسلمة، حيث كازاخستان وأذريبجان وأرمينيا وغيرها. وهي بالنسبة لروسيا المجال الحيوي للدب الروسي. وبالتالي يجب إفشال الربيع العربي الديموقراطي لأن في ذلك إخمادا لأي ثورة في جنوبروسيا ولأي ربيع ديموقراطي في إيران خلال عقد أو عقدين مقبلين. في نظرك هل ترى أن هناك أفقا إيجابيا يمكن أن يسير فيه تدبير هذا الصراع، أي هل من أرضية مشتركة يمكن الانطلاق منها من قبل الطرفين؟ هو لابد من أرضية مشتركة ولا بد من وقف الصراع بين أهل السنة والجماعة والنظام الإيراني، ولابد من التمييز بين التشيع ذو البعد الإيراني الفارسي، والتشيع العربي غير المرتهن بالقومية الفارسية وولاية الفقيه. لا نضع كل أهل الشيعة في سلة واحدة، فالمطلوب الآن بل من الضروري البحث عن تصالح، لأنه لا حل ولا نهضة لأمتنا إلا بوقف الصدام. بين الطوائف داخل أبناء الوطن الإسلامي وبين أبناء الوطن الواحد من علمانيين وإسلاميين، بل والتصالح حتى مع الحضارات الأخرى. أي أنه يجب أن نرفع شعار التصالح الشامل. التصالح الحضاري بين الاسلام والغرب والتصالح بين الاسلام والكونفوشيوسية والهندوسية في الشرق، والتصالح السني الشيعي بين الدول الاسلامية في المنطقة. لأن هذا تدافع انتحاري والكل سيخسر فيه، وليس تدافعا تعاونيا. والتدافع الانتحاري معناه أن الكل سيخسر المعركة. وانطلاقا من ذلك فنحن سنخسر المعركة وإيران كذلك. وفي جميع الأحوال فإيران لن تربح المعركة مهما كان الأمر، لأنه لا يمكن ل110مليون شيعي أن يهيمن ويسيطر على مليار و400 مليون سني، هذا مستحيل. ولهذا لابد من رفع شعار التصالح الشامل بين أبناء الوطن الواحد وبين القطر الواحد من المغرب إلى أندونيسيا. وأعتقد أن الحل الأنسب هو: أولاً: أن نحتكم إلى شعوبنا. بمعنى أن نترك لها الحق في اختيار من تريد سواء من الذين يقودون البلاد أو ما تريده من برامج واختيارات. فإن لم نحتكم إلى الشعوب فإننا سنظل ندور في دائرة مفرغة. أراد الشعب السوري أن يقيم ثورة للإصلاح الديموقراطي فلنترك السوريين وشأنهم، ولنترك لشعوب مصر وتونس وليبيا و المغرب وغيرها الحق في إدارة شؤونها بنفسها. وبدون ذلك لا يمكن أن نطمئن ولا أن نبني حضارة أو عمرانا في منطقة الشرق الأوسط. هذا هدف سياسي. ثانيا -وهو هدف مذهبي- علينا أن نرفع شعار لا لتسنين الشيعة ولا لتشييع السنة. هذا شعار بسيط ولكنه مهم، يعني أنه يجب على إيران أن تكف عن وضع مخططات لتشييع السنة كما يحدث للمسلمين في أوربا وعلى رأسها بلجيكا، وكما أرادوا وخططوا له في شمال وغرب إفريقيا المسلمة. المهم أنه يجب أن تكف إيران عن وضع هذه المخططات. أما من جهتنا نحن فحسب علمي ليس هناك دولة من الدول السنية تخطط لتسنين الشيعة. وحتى إن كانت موجودة فهي مرفوضة لأن علينا أن نترك الشيعة وشأنهم. وأن لا نتدخل في اختياراتهم، لنا مذهبنا ولهم مذهبهم، لكن يجمعنا دين واحد وهو الاسلام. ووطن واحد وهو دار الإسلام. وهذان الأمران هما القاسمان المشتركان في إحداث مصالحة إقليمية. وأيضا لا بد أن ندعو بالمقابل إلى مصالحة وطنية، فلا يجب على العلمانيين في مصر أن يفرضوا على الاسلاميين نظاما ليس هو في إرادتهم والعكس أيضا صحيح، لأن هذا في مصلحة نهوضنا في هذا القرن. هل هناك اجتهادات أو محاولات في هذا الاتجاه، على الأقل إن لم تكن من الناحية السياسية فمن الناحية الفكرية أو حتى الشرعية؟ أنا لا أظن أنه يمكن أن نقنع الشيعة بمذهبنا الفقهي، أو أن يقنعونا هم بمذهبهم الفقهي. أعتبر هذا الحوار حوارا أصم أو معادلة صفرية. فكل سيعيش على فقهه وعقيدته لكن المشترك بيننا سياسي وحضاري. أما المذهبي فلا يمكن إقناع أحد بتغييره لأنهم اقتنعوا به منذ قرون ولا يستطيعون التخلي عنه ويعتبرونه هو العقيدة الصحيحة. ونحن كذلك نؤمن بعقيدتنا السنية، فليس هناك مساحات كبيرة للتقارب على المستوى العقدي، ولنترك بعضنا البعض في هذه القضايا المختلف فيها. بالمقابل هناك قضايا سياسية وحضارية كثيرة يمكن لنا أن نشترك فيها؛ فأمة الاسلام تتعرض للعدوان فلماذا لا نكون قوة واحدة؟ وأيضا شعوبنا تريد الحرية والديموقراطية وهذا أمر مشترك بيننا. فالشعب الإيراني يعيش تعطشا سياسيا للديمقراطية الحقيقة، لأن النظام الايراني ليس نظاما ديموقراطيا بل يمكن القول إنه دولة دينية وليست ديمواقرطية مدنية. ولذلك الشعب الايراني متعطش لربيع ديموقراطي ولحرية سياسية، وشعوبنا العربية السنية أيضا متعطشة لذلك، وهذا قاسم مشترك كبير بين شعوبنا. نحن هنا نتكلم عن الشعوب وليس عن الأنظمة لأنها زائلة ومتغيرة. 6- ما الذي يمكن أن يصل الدول الاسلامية البعيدة من شظايا هذا الصراع ومن بينها ربما المغرب؟ في تقديري أن المغرب إن شاء الله لن تصل إليه شظايا هذا الصراع وهذا الخلاف الكبير. نحن نعرف أن إيران تخطط في شمال إفريقا لإعادة بناء ما يسمى مجد الفاطميين. لكن أظن أن هذا غير ممكن لعوامل متعددة، منها أن إيران الآن انكشفت وسقطت كل أوراقها وحزب الله الذي أصبح في منظور الرأي العام العربي والإسلامي أداة من أدوات المخطط الإيراني في المنطقة، إيران لم تعد نموذجا للثورة بل للقتل والاستبداد وتذبيح الآلاف من إخوتنا من السوريين والعراقيين. وبالتالي فالمد الشيعي أصبح غير ممكن في المنطقة الإسلامية، لأن الصراعات قد كشفت وكشفه الربيع الديموقراطي مفاسده الكبري.. وبالمناسبة الربيع الديموقراطي سرع الوعي عندنا بكثير من الإشكالات والقضايا التي كانت غامضة. فما كنا سنعيشه بعد أربعين سنة، اختزله لنا في أربع سنوات. ولهذا لا أظن أن شظايا هذا المد ستصل إلينا لهذا السبب. ثم أيضا لأن المغرب يعرف ربيعا ديمواقراطيا حقيقياً. فنحن أقوى بكثير من الثورة الإيرانية في المجال السياسي، نحن الآن على الأقل نعيش مثل تونس في استعادة الشعب لكثير من السلطات والتحول نحو نزاهة الانتخابات، وإعطاء رئيس الحكومة المزيد من الصلاحيات، وإحداث إصلاح كبير في الحريات والقضاء وغيره. إذن فنحن الآن في موقع أقوى بل ربما نحن الذين يمكن أن نصدر قيمنا وتجربتنا للشرق وليس العكس. وبالتالي فأنا مطمئن إلى أن شظايا الصراع في الشرق العربي لن تصل إلى المغرب إن شاء الله.