على إثر تفجيرات الدارالبيضاء الإجرامية، التي أصابت المغاربة قاطبة بالذهول، وخلفت لدى جميع الشرائح استنكارا واسعا لها، والتي استهدفت في العمق ترويع الآمنين والمس بسلامة البلاد واستقرارها، استنفرت السلطات الأمنية قواتها بغية تطويق الموقف والحيلولة دون تفاقم الوضع، بيد أن هذا الاستنفار الأمني استتبعه تجاوزات خطيرة على مستوى حقوق الإنسان، بشهادة المراقبين وملاحظة المتتبعين، وبإقليمالسمارة ظهرت بعض تجليات تلك التجاوزات، ومسه لهيب الظرفية الصعبة، التي ألمت بالمغرب، رغم بعده الجغرافي، ومازالت بعض آثار ذلك مستمرة إلى الآن . إغلاق المساجد شهد إقليمالسمارة، مباشرة بعد الأحداث المشؤومة، حملات واسعة النطاق لاعتقال المشتبه فيهم، شاركت فيها مختلف المصالح الأمنية، وتم استدعاء كل من بدت عليه سيمات التدين أو من وصف بأنهم من ذوي ميولات إسلامية، قصد الاستجواب والمساءلة، ومنهم من أخد عنوة من بيته بشكل استعراضي يثير الرعب في أسرته وذويه دون مبرر.. ومن طرائف هذه الحملة الأمنية الشرسة، عقب أحداث 16 ماي، متابعة البعض بتهمة الإطالة في السجود ، وقد صرح مسؤول أمني رفيع قائلا: إن هذه الصلاة المثالية على حد تعبيره تعتبر إثارة للفتنة وخروجا عن الجماعة، مما يستوجب الزجر والعقوبة . وبموازاة مع ذلك تم إغلاق سبعة مساجد صغيرة، الأمر الذي أفضى إلى ازدحام شديد في المساجد المتبقية، حيث يضطر المصلون للصلاة في العراء، معظم أوقات الصلاة.. وفي استفسار أحد المعنيين بالشأن الديني بإقليمالسمارة فضل عدم الإفصاح عن هويته أجاب بأن هذه ليست مساجد بل هي مجرد قاعات للصلاة، تقع خارج نطاق الظهير الشريف المنظم للمساجد الجامعة التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما أنها لا تتوفر على المواصفات القانونية، وإنما سمح بها للضرورة، وعموما، فهذه مهمة السلطات وهي المعنية بالامر. وحول تزامن إغلاق هذا الكم من قاعات الصلاة مع الأحداث الإرهابية، أفاد المصدر ذاته أن الأحداث عجلت بإغلاقها فقط ، مضيفا لقد صارت بعض القاعات سببا للاختلاف والتفرقة بين المسلمين وتأسيسها يكون أحيانا لأسباب واهية، رغم قرب المسجد الجامع ". جمعية تحرمها أحداث 16 ماي من الدعم لم يسلم من آثار الأحداث المذكورة هيئات المجتمع المدني، التي عانى عدد منها الأمرين، جراءالتضييق على أنشطتها وأعضائها، بداية من الإبعاد القسري للنشطاء النقابيين ( عضوين من النقابة الوطنية للتعليم / ك د ش ) مرورا بالتضييق على بعض الهيئات السياسية وإقصائها من المشاركة في الانتخابات الجماعية (حزب العدالة و التنمية)، وانتهاء بمحاصرة أنشطة الجمعيات المغضوب عليها رغم أنها تعمل في الإطار القانوني، حيث وصفها المسؤول الأول عن الإقليم في أكثر من مناسبة بالجمعيات الهدامة وقد صرح ( خ-د ) رئيس فرع إحدى الجمعيات الفاعلة في الإقليم : لقد تعرضنا لتحرشات عديدة من طرف بعض المسؤولين، ومورس في حقنا الحيف بشتى أشكاله، وقد راسلنا الجهات المعنية، غير ما مرة في الأمر دون نتيجة، ولم نتلق أي رد عن تظلماتنا كما تنص على ذلك المذكرة الوزارية رقم 31998 بتاريخ 13/,98 5 وكأمثلة على هذه المضايقات، أضاف رئيس الجمعية المذكور أن التحرشات منها ما هو معنوي، مثل الترويج بأننا جمعية دينية، وليست ثقافية، كما ينص على ذلك صراحة القانون الأساسي، واستثناؤنا، بالتالي، من حضور اللقاءات الرسمية كباقي الجمعيات، ومنه ما هو مادي، كالإجهازعلى حقنا في الدعم السنوي، الذي يمنح للأسف الشديد لجمعيات لاوجود لها إلا في الأوراق. ويذكر رئيس الجمعية أن أكبر وزر ارتكبه المسؤولون في حق جمعيته هو حرمانها من دعم وزارة التشغيل لمشروع تقدمت به إليها عن طريق العمالة، وتم تفويته لفائدة جمعية أخرى، ويقدر مبلغ الدعم ب 30 مليون سنتيم، ومازال رئيس الجمعية يطالب بفتح تحقيق في هذه النازلة، ويحتفظ بحقه في المتابعة القضائية. استمرار معاناة مناضل سياسي وفي السياق نفسه، نال فرع حزب العدالة والتنمية بمدينة السمارة، نصيبه من تلك التجاوزات، وعلى الخصوص (ع ل) أحد مناضلي الحزب المعروفين، فحسب تقرير بعث به الفرع الإقليمي للحزب إلى الأمانة العامة، توصلنا بنسخة منه، يفيد أن (ع ل ) قد تعرض لمضايقات متتالية على خلفية انتمائه السياسي، انتهت بطرده من العمل في شهر يونيو ,2003 دون سابق إنذار، ومنها تهديد المندوب الإقليمي للإنعاش الوطني للمتضرر بتوقيفه من العمل، إذا لم يحلق لحيته، واقتياده مرارا من منزله إلى الدرك الملكي، حيث يتم التحقيق معه بحضور رئيس قسم الشؤون العامة بالإقليم، وبعض رجال السلطة، في شأن تهم لا علاقة لها بأحداث 16 ماي مثل: التشكيك في عقيدة المسلمين، والطعن في المصحف الشريف، وحيازة أشرطة مرئية خاصة بالشيشان وأفغانستان ، مع الإشارة إلى أن المعني بالأمر لا يملك جهاز فيديو. ويضيف التقرير المذكور أن رئيس قسم الشؤون العامة أوعز إليه بمغادرة الإقليم في أقرب وقت واعدا إياه بمبلغ مالي قدره 2000 درهم لمساعدته على ذلك، ومتوعدا له في الآن نفسه بتوريطه في جريمة إذا لم ينصع لأوامره، بيد أن ( ع ل ) تشبث بحقه الدستوري في الإقامة بإقليمالسمارة، خاصة أنه من أبناء المنطقة، كما تثبت ذلك استمارة تحديد الهوية المسلمة له من طرف المينورسو بتاريخ 24 ماي ,1995 تحت رقم .25459 وتؤكد هذه الشهادة انتماءه لقبيلة اركيبات الساحل، فخذة تهالات عشيرة أولاد بابراهيم. وأوضح التقرير نفسه أن المتضرر سعى للعمل بالمقاطعة الإقليمية للمياه والغابات قصد إعالة أسرته أب لثلاثة أبناء غير أنه فوجىء مرة أخرى بطرده، بعد أن قضى شهرين من العمل. وقد تم الاتصال بالمندوب الإقليمي للإنعاش، فأشار إلى أن المعني بالأمر يقوم بأعمال قبيحة، وردا على سؤال لماذا لم يقدم ( ع ل ) للعدالة إلى هذا الوقت مادام يخالف القانون، اكتفى المندوب بالقول: أنا أنفذ تعليمات السيد العامل، فهو المسؤول الأول عن الإنعاش الوطني ، كما تم الاتصال برئيس قسم الشؤون العامة قصد تسليط الضوء على الحالات الحقوقية التي أثيرت بالإقليم، لكنه رفض الإجابة، منهيا المقابلة على الفور، قائلا : لا علم لنا بأي حالة، ومن انتهكت حقوقه، فليلجأ إلى القضاء. التضييق على جمعية رياضية من جانب آخر، تقدم، محمد البودي، أمين مال مكتب حزب العدالة والتنمية بالإقليم بشكاية حول تعرضه هو الآخر لمضايقات السلطة المحلية، التي تصر على حرمانه من حق دستوري في تأسيس جمعية رياضية، حيث رفض كل من الباشا ورئيس الدائرة وكاتبه تسلم تصريحين بتأسيس جمعية درعة للكراطي شوطوكان، آخرها تصريح مودع بتاريخ 16 فبراير ,2004 بدعوى انتمائه لحزب العدالة والتنمية، بل اتهم كاتب الباشا أمين مال الحزب المذكور بأنه سيستغل القاعة لأغراض مشبوهة، كما اتهم الجمعيات الرياضية بتخريج الإرهابين، بل تجاوز صلاحياته حين طلب من المجلس البلدي سحب الرخصة، التي تخول للمعني بالأمر فتح قاعة رياضية، وأمام هذا التعنت يضيف محمد البودي لم تجد اللجنة التحضيرية بدا من مراسلة عامل الإقليم والكاتب العام وبعض البرلمانيين، فضلا عن مراسلة رئيس الجامعة الملكية المغربية للكراطي في شأن هذه التجاوزات.. وقد حاولت التجديد الاتصال بباشا المدينة، لكن تعذر ذلك لسفره، كما أخبرنا بذلك كاتبه، هذا الأخير تم استفساره عن قضية الجمعية الرياضية، فصرح أن القاعة التي يريد فتحها المعني بالأمر لا تخضع للشروط والضوابط القانونية، التي نص عليها قرار الوزير الأول ووزير التربية الوطنية والشباب (رقم 03/1873 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5178 بتاريخ 15/01/2004) بشأن القاعات والمؤسسات الخاصة للرياضة والتربية الوطنية، ودور السلطات هو تطبيقها للقانون. ويرد محمد البودي على تصريح كاتب الباشا قائلا: بدأت المضايقات منذ 14 أكتوبر ,2003 حيث رفض كاتب الباشا تسلم التصريح منا، ثم توالت المضايقات عند بداية أول حصة رياضية بتاريخ 11 دجنبر ,2003 حيث أمرنا المقدم والخليفة بالمقاطعة الأولى بإغلاق القاعة، رغم توفرنا على الرخصة، ثم إن القانون المتعلق بالقاعات لم يصدر لا في شهر يناير 2003 ، و من المعلوم بداهة أن القانون ليس له أثر رجعي. ويضيف البودي أن لجنة المعاينة، التي زارت القاعة بحضور الباشا وكاتبه وعدد من الأعيان ورجال السلطة، وغياب الطبيب البلدي، قد أعجبوا بالقاعة مقارنة مع القاعات الموجودة بالإقليم، مما يجعل القاعة تتوفر فيها الشروط الصحية للتدريب.. ويتابع محمد البودي القول: لقد صرح لي كاتب الباشا شخصيا أنه لا يمكنه تسلم التصريح استجابة لأوامر عليا خصوصا بعد أحداث 16 ماي .. إن منطقة السمارة، التي طالما وصفت أنها ذات خصوصية، تحتاج إلى مقاربة تنموية شاملة، وليس إلى حملة أمنية تهدر فيها الكرامة وتداس فيها الحقوق باسم حماية الوطن وخدمة البلاد، ولا يوجد أي مبرر لاستمرار معاناة البعض وحرمانهم من حقوقهم الدستورية والقانونية، بسبب أحداث ارتكبها آخرون وحوكموا من أجلها، بعد مرور ما يقرب سنة على وقوعها. خالد الدوقي