كيف دار الزمان حتى أصبحنا نتلقى دروسا في النزاهة والموضوعية من غيرنا، بعد أن كنا أساتذة الدنيا في مجال القيام لله والشهادة بالقسط وتخطي عقبات الظلم للاستمساك بالعدل وقول الحق ولو على أنفسنا أو الوالدين والأقربين. كيف انزلقنا بعيدا عن سلوك رسولنا الكريم عندما أقسم على نفسه أن يقطع يد بنته فاطمة إن سرقت. وبعيدا عن قوله عليه الصلاة والسلام القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار. مناسبة هذا الأسى والأسف ما نشاهده هذه الأيام من مواقف ناصعة للقضاء في بلاد الغرب، خاصة في ألمانيا وسويسرا وإسبانيا وبريطانيا. ففي ألمانيا استطاع القضاء الألماني مراجعة محاكمة سابقة للمغربي محمد المزودي وإثبات براءته من تهمة الضلوع في عمليات إرهابية، وألمح القضاء الألماني نفسه يوم السبت الماضي إلى إلغاء محتمل للإجراءات التي اتخذت في حق المغربي منير المتصدق، الوحيد في العالم الذي أدين في اعتداءات 11 شتنبر ,2001 بعد قرار أصدرته محكمة التمييز أخيرا. وفي إسبانيا، حيث تجري التحقيقات المتتالية حول الاعتداءات الشنيعة التي استهدفت الأبرياء يوم 11 مارس الماضي، لم يتسرع أحد من المسؤولين القضائيين في توجيه التهم النهائية لهذه الجهة أو تلك، بل إن القاضي الإسباني بلتسار غارثون أعلن في كوستاريكا أن وضع المعتقلين في قاعدة غوانتاناموالأمريكية في كوبا يتجاوز كل الحدود المسموح بها، لأنه ينتهك مبادىء دولة القانون. وانتقد بشدة قانون مكافحة الإرهاب، الذي وضعته الولاياتالمتحدة بعد اعتداءات الحادي عشر من شتنبر ,2001 وقال إن الشرطة والنظام القضائي يجب أن يكونا متشددين، لكن لا يمكن استخدام أسلحة الإرهاب نفسها، وقال إن الولاياتالمتحدة بالغت ووقعت في عدم التساهل ومخالفة القانون والحرمان من الحقوق الأساسية. وفي سويسرا تلقت الحكومة من القضاء صفعة قوية، يوم الخميس الماضي، حيث ألغى قرارا ظالما في حق المفكر المسلم هاني رمضان شقيق طارق رمضان، وأمر الحكومة بإعادة الرجل إلى وظيفته كمدرس بعد طرده منها مع تقديم تعويض مالي له. وفي بريطانيا برأت المحكمة العليا جورج غالاوي، النائب العمالي، من تهمة تلقي رشاوى من النظام الهالك في العراق... فإلى متى سوف نبقى نتلقى دروسا من غيرنا في وقت تزخر فيه ثقافتنا وتاريخنا وبلادنا بالمواقف القضائية والحقوقية النبيلة في إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، ونصرة المظلوم بالوقوف إلى جانبه حتى يأخذ حقه، ونصرة الظالم برده إلى الصواب، وتصحيح أخطائه، مع ضمان كرامة الجميع ومحاكمة عادلة للجميع؟