الأمة الوسط هي أمة عمل وحركة وانتشار في الأرض وضرب في مناكبها ابتغاء رزق الله وفضله، لكن ذلك السعي لا يمنعها أن تبقى مشدودة إلى ذكر الله وعبادته {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}، وانتشارها في الآفاق لا يمنعها أن تبقى مشدودة إلى القبلة التي هي وجهة المسلم في أعظم أعمال حياته ألا وهي الصلاة التي إن صلحت صلح سائر أعماله وإن فسدت فسد سائر أعماله ، فالتوجه إلى القبلة حيث كان الإنسان معناه أن يتوجه الإنسان إلى الله ويقصده في سائر الأعمال التعبدية والعادية . أمة الإسلام أو الأمة الوسط هي أمة العدل: فهي الأمة التي تضع الأمور في نصابها وتحقق التوازن في حياتها إذ الوسط كما ورد هو العدل. وهذا الدين لم يأت إلا ليقوم الناس بالعدل والقسط. . قال تعالى: {لقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}. ومهمة المجتمع الإسلامي هي القيام على القسط وإقامة العدل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}. والوسطية توازن واستقامة: وهي بهذا المعنى، الذي يفيد التوازن والتزام قاعدة، (لا إفراط ولا تفريط) لا تعني الهروب من الموقف الصعب إلى الموقف السهل، ولا العكس، وليست هي انعدام الموقف الواضح المحدد من المشكلات بل هي تعبير عن خاصية التوازن في جميع الأمور والمواقع: توازن بين الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة، وبين الدين والدولة، وبين الذات والموضوع وبين الفرد والمجموع وبين الفكر والواقع وبين المادية والمثالية وبين المقاصد والوسائل، وبين الثابت والمتغير والقديم والجديد، وبين العقل والنقل وبين الحق والقوة وبين الاجتهاد والتقليد وبين الدين والعلم إلى آخر هذه الثنائيات. ولذلك فإن من الواضح أن الوسطية بما هي خاصية للإسلام عقيدة وشريعة ونظاما ليست وصفة جاهزة أو خاصية مكتسبة بإطلاق للأمة أو لهذه الجماعة أو تلك، بل هي موضوع اجتهاد وجهاد متواصلين للعمل باستمرار وفق القاعدة الذهبية: لا إفراط ولا تفريط، وهو السر في جعلها مطلبا ودعاء نردده في سورة الفاتحة كلما صلينا عندما نقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين}.