شرعت الكنيست بمناقشة خطة الفصل في ظل تصاعد التهديدات والإنذارات في أجواء تعتبر الأشد توترا منذ اتفاق أوسلو. وبدا واضحا أن الأغلبية الضئيلة التي يحظى بها رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون لتمرير الخطة في الكنيست تفتح عليه أبواب الجحيم السياسي. فقد يجد نفسه غدا من دون حزب أو حكومة بعد تهديد المفدال بالانسحاب من الحكومة وتهديد شارون لمعارضيه من الوزراء بالإقالة. ولم يكن هناك في الكنيست حديث أول أمس سوى حديث الاستفتاء والانتخابات. وقد افتتح النقاش في الوقت الذي كانت اسرائيل تنفذ فيه مذبحة جديدة بالفلسطينيين راح ضحيتها 16 شهيدا واكثر من تسعين جريحا في توغل وغارات وقصف وقنص على خان يونس ومخيمها في حين لم تجف دماء الفلسطينيين من مذابح جباليا وبيت حانون ورفح. والتصويت الذي جرى في الكنسيت على خطة الفصل يشكل سابقة يصعب العثور على مثيل لها في السياسة الإسرائيلية المعاصرة. حكومة يمينية تقدم مشروعا للكنيست يقسم الحلبة إلى قسمين واضحين: اليمين القومي والديني في جهة والوسط واليسار في جهة أخرى. والمهم أن الحكومة اليمينية تحقق الفوز بأصوات اليسار وضد رغبة وإرادة اليمين. وفي الهامش خرج عن القاعدة اليمين المضطر والعرب المضطرون. ويمثل اليمين المضطر وزراء الليكود الذين يقفون إلى جانب شارون رغم عدم اقتناعهم بخطة الفصل وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو وليمور ليفنات. ويصر هؤلاء على اشتراط تأييد الخطة بإجراء استفتاء شعبي. أما العرب المضطرون فيمثلهم في هذه الحالة التجمع الوطني برئاسة الدكتور عزمي بشارة وكتلة الجبهة في الكنيست برئاسة محمد بركة. فهؤلاء لا يريدون الوقوف إلى جانب شارون في خطته التي يعلن هو أنها جاءت لمعاقبة الفلسطينيين. وإلى جانبهم القائمة العربية برئاسة المحامي عبد المالك دهامشة التي أعلنت أنها ستصوت إلى جانب الخطة لأنها تخلص جزءا من الأرض الفلسطينية من الاحتلال. ولم يسبق لليكود أن قبل بأن يكون في تقسيم كهذا يضع الأحزاب الدينية جميعها القومية والحريدية في صف مقابل وأن يمرر قراراته بتأييد علماني بحت أو يساري بحت. ولكن هذا ما يحدث الآن وما سوف يقود إلى مواجهة ضارية في الليكود لن تبقيه كما يرى المعلقون حزبا موحدا لوقت طويل. غير أن القضية في الليكود تحتاج إلى وقت للتفاعل وظهور الانقسام ولكن الحكومة شأن آخر. ففي الأيام القليلة المقبلة سيعرض على الكنيست مشروع قانون تعويضات الإخلاء وبعد ذلك هناك التصويت على الميزانية. وقد يجد شارون نفسه، إذا نفذ المفدال تهديده، من دون حكومة ومن دون قدرة على تشكيل حكومة بديلة. وهذا يقود إلى التهديدات. فالمفدال يبلور إنذارا بأنه إذا لم يوافق شارون على إدراج أمر الاستفتاء على خطة الفصل فإنه سوف ينسحب فورا من الحكومة. وأغلبية كبيرة في الليكود بما في ذلك وزراء يطالبون بإجراء استفتاء. ولكن ثمة رأيين في الليكود حول هذا الاستفتاء. رأي بنيامين نتنياهو الذي يرى أن الاستفتاء سيبقي المفدال في الحكومة ورأي سيلفان شالوم الذي يقول بأن عدم التزام المفدال مسبقا بالبقاء في الحكومة بصرف النظر عن نتائج الاستفتاء يلغي مبرراته. ويرى شالوم بالتالي أنه إذا لم يتحقق الالتزام المسبق فإن الضرورة تقضي بإجراء انتخابات عامة جديدة. ولكن حزب العمل المتآلف مع شارون الآن لإقرار خطة الفصل يهدد هو الآخر. فموافقة شارون على الاستفتاء تدفع حزب العمل حسب رئيسة الكتلة داليا إيتسيك إلى العمل على إسقاط الحكومة. وحاييم رامون يقول انه إذا لم يكن من الأمر بد فحزب العمل يريد انتخابات عامة مبكرة وليس استفتاء. وهكذا لا أحد يعرف إن كانت الضغوط التي تمارس على شارون أو تعقيدات الوضع سوف تقوده إلى أين: إلى الاستفتاء أم إلى الانتخابات؟ ولكن قبل ذلك يجب على شارون المرور بامتحان الهيبة حيث أعلن أنه سيقيل كل وزير أو نائب وزير يصوت ضد الخطة. وحتى الآن أعلن الوزيران عوزي لانداو من الليكود وزفولون أورليف من المفدال أنهما سيصوتان ضد الخطة. وإضافة إليهما هناك نائب الوزير من الليكود ميخائيل رتسون. ومعروف أن الوزير إسرائيل كاتس لا زال مترددا حول كيفية تصويته. وسوف يكون على شارون تنفيذ تهديده مساء اليوم على الأقل بحق الوزراء الليكوديين. وإذا أقدم على عمل كهذا فإن الانقسام في الليكود سوف يتسارع. وكان من اللافت أول أمس مقدار الخيبة التي أصابت شارون جراء إعلان نواب يهدوت هتوراه أنهم سيصوتون ضد الخطة. فقد زاد هذا من حجم القوة المعارضة مثلما أسهم في خلق المعسكرين المتناقضين. وزاد الطين بلة على ما يبدو اتفاق القوى الأشد يمينية في إسرائيل (الاتحاد القومي، موليدت والجزء المنشق عن المفدال) على تشكيل قائمة جديدة. ومن المنطقي الافتراض أن الإعلان عن هذا الحزب الجديد جاء ليسرع عملية الانقسام في الليكود. استهل شارون خطابه الذي وصفه المعلقون الإسرائيليون بالتاريخي أمام الكنيست بالقول أن هذه هي ساعة مصيرية لإسرائيل، حيث وضعت على جدول الأعمال واحدة من أصعب القضايا التي قل نظيرها. والتي تشابه أهميتها بالنسبة لمستقبل إسرائيل في هذه المنطقة حجم الصعوبة والألم والخلاف الذي أثارته في صفوفنا. وأنتم تعرفون أنني لا أقول كلامي هذا بيسر أمام ممثلي الشعب، والعالم كله الذي يدعمنا، ويصغي لكل كلمة تقال هنا. ومضى شارون قائلا: لقد أرسلت هؤلاء الناس وكنت شريكا في هذا العمل. وأعرف جيدا آلامهم ويأسهم. ولكن بقدر فهمي لكل ما يمر عليهم هذه الأيام بقدر ما أؤمن بضرورة العمل. وقال شارون إنه مقتنع تمامًا بأن الانفصال سيعزز مكانة إسرائيل ويوثق سيطرتها على المناطق الضرورية لها وسيجلب لها احترام القريب والبعيد وسيقلل من العداء تجاهها ويدفعها قدمًا على طريق السلام مع الفلسطينيين وبقية جيرانها. وأشار شارون في خطابه إلى أنه جاهر أكثر من مرة بأنه يؤيد إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وأضاف شارون أنه مستعد لتقديم التنازلات من أجل وضع حد للصراع المتواصل بين المتنازعين على هذه الأرض. وتابع شارون أود الإشارة إلى أنه في العام 1988 في لقاء لدى رئيس الحكومة اسحق شامير قلت إنه بحسب رأيي إذا كنا لا نريد التراجع إلى حدود 1967 فعلينا تقسيم الأرض. وكمن قاتل في جميع الحروب وتعلم أنه من دون القوة ليست لدينا أية فرصة للنجاة، تعلمت أيضا أن السيف وحده لا يحسم هذا الصراع المرير. يقولون لي إن الانسحاب سيفسَر على أنه هزيمة وسيظهر أبناء شعبنا كمن لم يستطيعوا القتال والإصرار على مواقفهم. قوتنا معنا للدفاع عن هذه الأرض والمساس بالعدو الذي يريد قتلنا. وكرر شارون ادعاءه بأنه لا يوجد شريك فلسطيني من أجل التوصل معه إلى اتفاق سلام، وقال إنه حتى رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذين قدموا التنازلات لم يلقوا نظير ذلك سوى العداء. وأضاف شارون أن عرفات اختار طريق الدم والنار ويسعى إلى تحويل صراع قومي إلى حرب دينية بين الإسلام واليهود. وأشار شارون إلى أن خطة الانفصال لا تأتي مكان المفاوضات ولا تدعو إلى تجميدها، بل هي خطوة ضرورية يحتمها واقع لا يتيح إجراء المفاوضات. واختتم شارون كلمته بالتوجه إلى شعبه وأعضاء الكنيست داعيا إلى الوحدة وإيجاد القاسم المشترك الذي يتيح لنا مواجهة الحاضر بتفهم وإدراك لمصيرنا المشترك وإقامة سد ضد العداء بين الأشقاء. وطلب من أعضاء الكنيست التصويت إلى جانب خطته. حلمي موسى السفير اللبنانية بتصرف