لا شك أن لقاء بوش – شارون يشكل فرصة لتبادل الهموم بين زعيمين يتخبطان في وحل يبدو أنه سيتكفل بكتابة نهايتهما السياسية. وللمفارقة فإن سبب المأزق لكليهما يتمثل في "عصابات المتطرفين" من العرب والمسلمين الذي لا يؤمنون بلغة الواقع ويصرون على المقاومة حتى في أحلك الظروف!! في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة يواجه شارون شعباً عظيماً لا تكسره السجون ولا الاغتيالات ولا القمع بشتى أشكاله، وفي العراق يواجه بوش أقواماُ تعلموا في مدرسة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، إضافة إلى مدرسة تاريخ مدجج بالبطولة وخرجوا يواجهوا أشرس قوة عرفتها البشرية، الأمر الذي أفسد مخططات المحافظين الجدد لبناء الشرق الأوسط الجديد الذي ينبغي أن يكون شارون سيده الأول بلا منازع. واقع الحال هو أن مأزق شارون يبدو أكبر، ذلك أن فشل بوش في العراق إنما يشكل فشلاً أكبر بالنسبة إليه، وهو الذي عوّل كثيراً على ما بعد احتلال العراق وتساقط حجارة الدومينو العربية واحدة إثر الأخرى. الآن يجلس شارون قبالة زعيم يعاني في العراق، ولذلك سيكون من الصعب عليه اتخاذ خطوات في الساحة الفلسطينية تفتح عليه أزمات جديدة. لكن حدوث شيء كهذا لن يعني أن الأمور ستسير على ما يرام بالنسبة للأول وشعبه. لا ندري ما هي الحصيلة التي سيعود بها شارون من لقائه مع بوش، لكن حصوله على كل ما يتمناه مما روّجت له الأوساط الإسرائيلية ووصفته دوائر فلسطينية بأنه وعد بلفور جديد، لن يؤدي إلى حل المعضلة التي يواجهها منذ ثلاثة أعوام. ليس من المستبعد أن يتورط بوش بوعود كبيرة لشارون بشأن تمرير الانسحاب من قطاع غزة على الدول العربية والسلطة الفلسطينية بوصفه إنجازاً عليهم أن يقبلوا في ظله تسوية أقرب إلى النهائية تحقق معظم ما يريده شارون، لكن حصول ذلك لن يعني أن الوعد سيترجم واقعاً على الأرض، فالدول العربية التي ينبغي أن تمرر الصفقة لن تقبل ذلك وإذا قبلت فستتورط مع جماهيرها، سيما والوضع في العراق متفجر على نحو استثنائي. لا الدول العربية ولا السلطة على هزال الطرفين، فضلاً عن قوى المقاومة يمكن أن تمرر مشروعاً كالذي يطرحه شارون على بوش في حال وافق هذا الأخير عليه، مع أن ذلك يبقى مشكوكاً فيه، رغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وحيث يغدو بوش خاضعاً لرغبات اللوبي الصهيوني أكثر من أي شيء آخر. من هنا نقول إن وعد بوش لن يكون مثل وعد بلفور، على رغم أن الولاياتالمتحدة لا تقل قوة عن بريطانيا في ذلك الحين، لكن أزمة العراق لن تترك فرصة لتطبيق الوعد الجديد على الأرض، حتى لو قطعه السيد الرئيس على نفسه لزوم الرضا الصهيوني عشية الانتخابات. قضية فلسطين قضية مقدسة تلامس شغاف قلوب العرب والمسلمين، ولن يملك لا بوش ولا شارون تقرير مصيرها في جلسة عابرة هنا أو هناك، فكيف وهما يعيشان أزمة طاحنة مع أمة لا تعرف الاستسلام؟! ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني