ليس من العسير القول إن شارون لا يتمنى اليوم رحيل عرفات أو حتى غيابه العام عن المشهد السياسي كرجل فاعل، وهو أمر ربما بدا مختلفاً في مراحل سابقة، لكنه اليوم كذلك لسببين رئيسيين؛ الأول ويتمثل في أن النظرية التي تبناها شارون طوال العامين الماضيين وسوقها تالياً على الإدارة الأمريكية، ورددها جون كيري مراراً أثناء حملته الانتخابية، ستدخل في مأزق عملي، أكان بموت الرئيس الفلسطيني أم حتى غيابه عن المشهد السياسي من خلال مرض صعب يحول بينه وبين القيام بمهامه، بحيث يجري التعامل مع قائد آخر في حياته وكما لو كان غير موجود في الواقع. في هذه الحال لن يكون بوسع شارون أن يردد ذات النظرية، فالقائد الجديد، أكان محمود عباس كما تقول أرجح التقديرات، أم سواه، سيكون في وضع مختلف، وعلى الزعيم الإسرائيلي أن يبادر إلى فتح خطوط معه. ولعل ذلك هو ما دفعه إلى القول إنه "إذا قامت قيادة مسؤولة تكافح الإرهاب، فسنستأنف معها الحوار ونبحث في استمرار تطبيق خريطة الطريق. ولكن عليها قبل ذلك أن تفكك بنى الإرهاب، وإذا فعلت ذلك فعندها يكون ثمة شريك". من الواضح أن خطة فك الارتباط أحادي الجانب ستدخل في مأزق، وهي التي قامت على نظرية اللاشريك، الأمر الذي لا بد أن يدفع بعض الأطراف الدولية إلى المطالبة بتطبيقها بالتنسيق مع الفلسطينيين، أما مسألة بنى الإرهاب، فإن بوسع القائد الجديد أن ينفي وجود شيء منها في الضفة الغربية، فيما لا حاجة إلى مطاردة ما تبقى منها في غزة ما دام الإسرائيليون سينسحبون ويغدو الأمن بيد الشرطة الفلسطينية. ثم إن الأطراف الدولية قد تبرر للقائد الجديد عدم قدرته على شن حرب على قوى المقاومة في مثل هذه المرحلة. من هنا يبدو من الطبيعي أن يتمنى شارون بقاء عرفات حتى يواصل لعبته التي يعول عليها من أجل تطبيق نظرية الحل الانتقالي بعيد المدى، حسبما اعترف مدير ديوانه (دوف فايسغلاس). ثمة أمر آخر في هذا السياق، ربما اشترك فيه مع شارون عدد غفير من أعضاء النخبة السياسية الإسرائيلية، ويتصل هذا الأمر بأية اتفاقات نهائية يمكن أن تتمخض عنها المفاوضات، ففيما يدرك الجميع أن وعد بوش قد وضع سقفاً للحل النهائي، فيما هو سقف هابط في الأصل مع نزوع الدولة العبرية نحو اليمين، فإن فرض أي حل من هذا النوع على زعيم غير عرفات سيكون صعباً إلى حد كبير، وفي حال فعل ذلك فإن الوقوف في وجهه سيكون ميسوراً خلافاً لعرفات الأكثر قدرة على فرض خياراته على حركة فتح تمهيداً لتسويقها أو فرضها على الفلسطينيين. لعل ذلك هو ما يفسر تلك القصة المثيرة التي كان عرفات يرددها على الدوام، وخلاصتها أن المطلوب منه هو لعب دور ذكر النحل الذي يلقح الخلية ثم يموت، بحسب رأيه. والحال أن الوضع العربي الراهن وما ينطوي عليه من هزال، إلى جانب الانحياز الأمريكي الأعمى للخيارات اليمينية للدولة العبرية، فضلاً عن تراجع الوضع الدولي، ربما كان توقيتاً مناسباً لفرض التسوية المشوّهة على الفلسطينيين، الأمر الذي يجعل من وجود عرفات ضرورياً كي يمهرها بتوقيعه ويسوقها بطريقته المعروفة على حركة فتح، وليفرضها تالياً على الشعب الفلسطيني. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني