خاض الأستاذ الجامعي والمناضل الحقوقي المعطي منجب إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ حوالي ثلاثة أسابيع بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، احتجاجا على منعه من السفر خارج المغرب للمرة الثانية، وذلك حينما كان متوجها للنرويج لإلقاء محاضرة علمية بأوسلو، بينما تبرر السلطات المغربية منع منجب من السفر بسبب ما تعتبره اختلالات شابت فترة تسييره لمركز بن رشد للدراسات والتواصل الذي كان يرأسه في السابق، وهو ما ينفيه منجب، الذي يصر على أن منعه من السفر كان قرارا سياسيا وليس قانونيا. المؤرخ المعطي منجب معروف بنضاله من أجل حرية الصحافة، وبتنظيمه للعديد من اللقاءات الحوارية بين «اليساريين» و»الإسلاميين»، وبمقالاته حول نقد الواقع السياسي المغربي المنشورة في داخل المغرب وخارجه. بعد العديد من البيانات التضامنية للجمعيات الحقوقية وبعد الوقفات الاحتجاجية المطالبة بتمتيع المعطي منجب بحقه في التنقل، وقع زعماء الأحزاب الوطنية بيانا تضامنيا جديدا مع المعطي منجب، وهم عبد الرحمن اليوسفي الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والوزير الأول في حكومة التناوب التوافقي، بالإضافة إلى امحمد بوستة الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال الذي سبق له أن تقلد العديد من المناصب السامية، ومحمد بنسعيد آيت يدر مؤسس منظمة العمل الديموقراطي الشعبي وقائد جيش التحرير بالجنوب، وإسماعيل العلوي الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية الذي سبق له أن تقلد العديد من المهام الوزارية، وسعد الدين العثماني الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ووزير الخارجية في النسخة الأولى لحكومة عبد الإله بنكيران، ونبيلة منيب رئيسة الحزب الاشتراكي الموحد وهو حزب يساري معارض. البيان الذي حمل توقيع هذه الشخصيات المتنوعة في مشاربها الإيديولوجية ناشد السلطات المغربية بإقفال ملف المعطي منجب في إطار حقوقه الدستورية والقانونية، كما ناشد المعطي منجب بالتوقف عن إضرابه عن الطعام تجنبا للضرر الممكن حدوثه على صحته، وذلك «في سياق أن المغرب محتاج إلى مساهمة كل أبنائه، في بناء مجتمع الحرية والعدالة والكرامة». هذه المبادرة النوعية التي تحمل توقيع رموز وازنة في الساحة السياسية المغربية ترمز إلى الاهتمام الذي لازالت توليه قيادات طاعنة في السن إلى قضايا الحقوق والحريات، وقد كان من اللافت أن يوجه عبد الرحمان اليوسفي رسالة إلى المعطي منجب يدعوه فيها لحضور خمسينية المهدي بنبركة ويناشده بوقف معركة الأمعاء الفارغة، وهي الدعوة التي اعتذر عنها بلباقة المعطي منجب معلنا استمراره في إضراب الجوع إلى حين الاعتراف بكافة حقوقه الدستورية ووقف حملات التضييق والتشهير التي تخوضها ضده بعض المواقع والجرائد الموجهة. خطوة البيان المشترك لزعماء وطنيين وقادة سياسيين من يسار وإسلاميين تحمل الكثير من الدلالات التي تتجاوز فكرة التضامن المستحق مع الأستاذ المعطي منجب.. إنها تعبير عن تطلع دفين وحلم عميق يراود العديد من المجربين في ساحة النضال السياسي من أجل انتقال ديمقراطي حقيقي، وهي فكرة الكتلة التاريخية التي سبق أن نادى بها المفكر المغربي المرحوم عابد الجابري..وهي الكتلة التي تضم جميع التيارات الفكرية والسياسية الأصيلة التي خرجت من رحم الشعب ولها امتداد اجتماعي وسياسي حقيقي. الحركية السياسية الكبيرة التي يعيشها المغرب خلال هذه الأيام تتجه نحو إفراز ثقافة سياسية جديدة تستند إلى مناهضة كافة أشكال الانحراف في ممارسة السلطة وتنتصر لقيم الحقوق والحريات الأساسية بغض النظر عن الاختلاف السياسي والفكري، كما تتجه إلى فرز الساحة السياسية نحو تقاطب ثنائي بين الأحزاب الديمقراطية المنحدرة من رحم الشعب من مختلف المشارب من جهة، والأحزاب التي عاشت تجربة ملتبسة من حيث النشأة وتفتقر إلى أساس إيديولوجي أو مذهبي مما حولها إلى جماعات مصالح أكثر منها أحزابا سياسية. يبدو بأن ترسيخ جذور الممانعة ضد أي شكل من أشكال التحكم وعدم التعايش مع مفرداته وتعبيراته، هي ثقافة بدأت تترسخ لدى فئات واسعة من التعبيرات السياسية الوطنية، وهو ما سيسمح بتجاوز الكثير من النقاشات العقيمة التي لن تسهم في نهاية المطاف إلا في إعادة إنتاج أساليب التحكم والسلطوية في أشكال جديدة، ومن المفيد أن نذكر في هذا السياق أن ربيع الديمقراطية في العالم العربي لم يكتمل بعد ومن الصعب الحديث عن إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي في ظل نخب سلطوية حاكمة غير ديمقراطية وأخرى متشبعة حتى النخاع بثقافة سياسية قديمة ولا تمتلك من التحرر الفكري ما يؤهلها لإنتاج ثقافة سياسية بديلة قائمة على ثلاثية الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. إن استثمار اللحظة الراهنة لإطلاق مبادرات متعددة للتضامن ولبلورة عناصر للتفاهم المشترك بين النخب الوطنية المختلفة، يتطلب ضرورة التمييز بين هذه اللحظة «التأسيسية» وما تستلزمه من قواعد، وبين اللحظة التنافسية» التي لم تتبلور معالمها بعد إلا في ظل ديمقراطية حقيقية، لا بد أن نسعى إليها بمنهجية تراكمية ينخرط فيها الجميع.. إلى ذلكم الحين.. تمنياتي بعودة سريعة للصديق المعطي منجب إلى ساحة النضال الحقوقي متمتعا بالصحة والعافية وبكامل حقوقه الدستورية والقانونية.