بصعوبة بالغة يتململ المفكر المعطي منجب على سرير خشبيٍّ واطئ داخل غرفة صغيرة في مقرّ فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط. منذُ ثلاثة وعشرين يوما يرقُد المعطي على السرير نفْسه، بعدَ دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام إثرَ منعه من طرف السلطات المغربيّة من السفر إلى النرويج. وبدتْ آثار الإضراب عن الطعام، الذي بلغَ اليومَ الأربعاء يومه الثالث والعشرين، باديّةً بشكل جليّ على جسد المعطي منجب، إذْ لا يحرك أطرافه إلا بصعوبة كبيرة، فيمَا بَدا وجهه شاحبا، أمّا صوْته فبالكادّ يُسمع. وجوارَ بابِ الغرفة حيثُ يرقدُ يوجدُ كرسيّ متحرّك يستعمله لمغادرة الغرفة بمساعدة رفاقه. وعلى الرغم من تدهوُر حالته الصحّية، إلا أنّ منجب أبْدى إصراره على الاستمرار في الإضراب عن الطعام، وقالَ، في تصريح لهسبريس، بصوتٍ خافت: "لنْ أوقفَ الإضرابَ عن الطعام إلا بعد أنْ أستردَّ حقوقي الدستوريّة المسلوبة منّي، وهي حقّي في التنقّل، في السفر خارج المغرب والعودة إليه، وكرامتي". منجب اتهم وزارة الداخليّة بمحاولة الدفع به إلى "عقدة المتابعة"، أو "البرانويا"، مضيفا أنَّ ما يتعرّض له من مضايقات في الآونة الأخيرة ليْس سوى فصلا من فصول محاولة إسكاتِ صوْته وأصوات العاملين معه في "مركز ابن رشد". وبتحدٌّ قال: "أريدُ أن تنتهي هذه الممارسات غير القانونية، ولأجل ذلك سأستمرّ في الإضراب عن الطعام". وحجَّ ناشطونَ من حركة 20 فبراير (تنسيقية الرباط-سلا-تمارة) إلى مقرّ فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حيثُ يرقد المعطي منجب، وانتظرَ النشطاء أمام باب العمارة إلى أنْ نزلَ منجب محمولا على كرسيّ متحرّك، ليستقبلوه ب"إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بدّ للقيد أن ينكسر...". وكانَ نشطاء الحركة نظموا وقفة في ساحة باب الحدّ تضامنا مع "ضحايا الهجوم على حرية التعبير، ومنهم المعطي منجب"، بحسب ما جاء في بيان أصدرته الحركة، ورفعوا شعارات طالبوا فيها السلطات ب"رفع يديها عن المعطي منجب وكلّ الأصوات الحرّة من طلبة ومعطلين ومثقفين ومبدعين". منسّق لجنة الدفاع عن المعطي منجب، سليمان الريسوني، قال، في تصريح لهسبريس، إنَّ حرمان المعطي منجب من حقه في السفر خارج المغرب والتشهير بعائلته ومضايقته والتعسّف عليه "يسيء إلى الوطن قبْل أن يسيء إلى المعطي"، خاصّة وأنّ المغربَ يحاول تحسين صورته في الخارج. وأضاف الريسوني: "أتأسّفُ حينَ أرى الدولة تقوم بمجهودات كبيرة لتلميع صورتها بهدف كسب أصدقاء جدد، خاصّة في ما يتعلّق بقضيّة الصحراء، لكنها ترتكبُ باليد الأخرى أخطاء قاتلة، مثلما هو الحالُ في قضية المعطي منجب". وفي حينِ ما زالَ المعطي منجب مُصرّا على رفْع شارة النصر بسبّابة ووُسْطى يده التي بالكادّ يستطيع رفعها لسنتمرات، ربط فؤاد عبد المولى، عضو لجنة التضامن مع المعطي منجب، ما يتعرّض له هذا الأخير من مضايقات برغبة أطرافٍ في الدولة في إسكاته، قائلا: "السلطة تحاولُ لجمَ المعطي، لأنَّ أفكاره ومواقفه لا تُرضي جهاتٍ في الدولة". وأضاف عبد المومني أنَّ اللجنة ترَى أنَّ مواجهة الدولة لمنجب هيَ مواجهة للفكر الحرّ، وللعمل المدني، وللعناصر الفعّالة في المجتمع، القادرة على طرح أفكار ومقترحات جديدة، في استقلال عن الدولة والتنظيمات التقليدية في المجتمع. المتحدّث تابع أنَّ المضايقات التي يتعرّض لها المعطي منجب ناجمة عنْ اشتغاله القديم في أبحاثه على بنية المخزن، وتطرّقه إلى المواضيع الحساسة، خصوصا وأنّه يتمتع بوزنٍ في المجال الفكري. ويرى عبد المومني أنَّ ثمّة سببا آخرَ يجب استحضاره، وهو أنّ المعطي يقوم بجهود للتقريب بين مختلف المشارب الفكريّة في المجتمع، وبالأخصّ بين الحداثيين والعلمانيين من جهة، والإسلاميين من جهة أخرى، وهُو ما يُزعج جهاتٍ في الدولة، على حدّ تعبيره. وكانَ المعطي منجب قدْ دخلَ في إضراب مفتوح عن الطعام يوم 6 أكتوبر الجاري، إثرَ منْعه من السفر إلى النرويج لإلقاء محاضرة. وجوابا عنْ سؤال عمّا إنْ كانَ يرى أنّ قضيّته "سياسية"، قال منجب لهسبريس: "هي قضيّة خرْق حقوق الإنسان من طرف وزارة الداخلية".