مع استمرار انتشار ظاهرة المساعدات في المنازل، وهي ظاهرة ليست حديثة، إلا أن أصواتهن بدأت تتعالى، للحديث عن معاناتهن جراء سوء المعاملة في بعض البيوت، رغم أن الإسلام، أسس لمفهوم العلاقة بين الخادم و المخدوم، و أرسى أسسا لتقنينها بشكل يضمن حقوق الخادم أو الخادمة وكرامته. حيث أرشد الإسلام المؤمنين إلى حسن الأخلاق والتعامل بالأدب مع طبقات المجتمع غنيهم وفقيرهم شريفهم خادمهم ومخدومين. معاناة مستمرة! تداول الناس والإعلام قصصا عديدة حول معاناة الخادمات في بعض البيوت، من بين الحكايات المؤلمة التي ما زال جرحها لم يندمل في المجتمع المغربي، قصة الخادمة خديجة (7 سنوات)، التي توفيت، متأثرة بإصابات ناجمة من التعنيف والتعذيب بوحشية. حالات أخرى سجلت في مدن مختلفة، منها قصة حسناء، وهي خادمة في أحد بيوت العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، حيث تكبدت أشكالا من المعاناة، قبل أن تضطر إلى مغادرة المدينة، والعودة إلى مسقط رأسها في مدينة سطات. أوضحت حسناء، في تصريح ل"جديد بريس"، أن الإهانات، والسباب، والضرب من الأشياء اليومية التي تعودت عليها خلال إقامتها في بيت مشغليها، مضيفة أنها سمعت قصصا أكثر فظاعة تروي معاناة و مآسي يومية لرفيقاتها في المهنة و المعاناة. وتشهد ظاهرة تشغيل الفتيات على الخصوص انتعاشا داخل المجتمع المغربي، خصوصا في المدن الكبيرة، حيث النساء أصبحت لهن مهام خارج البيت، فرضت عليهن وجود مساعدات، لإعانتهن على واجبات البيت و متطلباته، إذ كشف بحث ميداني ودراسة قانونية، عن أرقام ومعطيات تظهر بالملموس واقع حال عشرات الآلاف من الخادمات داخل البيوت المغربية، 88 ألف منهم تعتبرن في عمر الطفولة، حسب تقرير لمنظمة الطفولة العالمية (اليونيسيف). أربع قواعد من السيرة النبوية مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم حفلت بها سيرته وحياته، وامتلأت بها سنته ، فرحم الصغير والكبير، والقريب والبعيد ، والمرأة والضعيف ، واليتيم والفقير، ومن مواطن ومظاهر الرحمة إحسان معاملة الخدم وإعطائهم حقوقهم ، وكانت سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم خير شاهد على معاملتهم معاملة إنسانية كريمة ، والشفقة عليهم ، والبر بهم ، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال ، والتواضع معهم ، بل جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم إخوانا لمن يعملون عندهم. ويمكن أن نستخلص من سيرة النبي صلى الله عليه و سلم حقوقا عديدة للخدم، نستنبط من أحاديثه صلى الله عليه وسلم، للرحمة بالخادمات في البيوت، من هذه الدروس المحمدية في حسن معاملة الخادمات: - المسارعة في إعطائهم أجرهم ألزم النبي صلى الله عليه وسلم صاحب العمل أن يوفي العامل والخادم أجره المكافئ لجهده، دون ظلم أو تأخير، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه". وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله : "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ، ولم يعطه أجره". - الحذر من إيذائهم وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إهانة الخدم أو ضربهم ،أو الدعاء عليهم ، فعن أبى مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : كنت أضرب غلاما لي ، فسمعت من خلفي صوتا : اعلم أبا مسعود ، الله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : أما لو لم تفعل للفحتك النار ". وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تَدْعُوا على أنفسكم ، ولا تَدْعُوا على أولادكم ، ولا تَدْعُوا على خَدَمكم ، ولا تَدْعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة يُسْألُ فيها عطاء فيستجيب لكم ". - الشفقة بهم من حقوق الخدم والعمال في سنة النبي صلى الله عليه وسلم عدم تكليفهم ما لا يطيقون من العمل، والشفقة بهم، بل والإنفاق والتصدق عليهم ، ومساعدتهم فيما يكلفون من أعمال.. و عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم "، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة ، فقال رجل : عندي دينار ؟ قال : أنفقه على نفسك ، قال : عندي آخر ؟ ، قال : أنفقه على زوجتك ، قال : عندي آخر ؟ ، قال : أنفقه على خادمك ، قال : إن عندي آخر ، قال أنت أبصر" وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التواضع معهم ، فقد روى البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما استكبر من أكل معه خادمه" - العفو : و رغم أن حالات الاختلاف أو حالات وجود خطأ من طرف الخادمة نفسها، لنا في هدي النبي صلى الله عليه و سلم موعظة من حديث روي عن العباس بن جليد الحجري قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : كم نعفو عن الخادم؟، فصمت ، ثم أعاد عليه الكلام فصمت ، فلما كان في الثالثة قال : اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة "، وهو حديث نبوي شريف يحث على العفو على الخادم، والصفح عنه. وشهادة الخادم عن سيده صادقة ودقيقة ، وخاصة من رجل كأنس رضي الله عنه ، الذي خدم النبي صلى الله عليه وسلم ، ونقل عنه آلاف الأحاديث ، وكان معه كظله ، فما رأى منه إلا حسن المعاملة والحلم والرفق. وقد امتد اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالخدم ليشمل غير المؤمنين به، كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادما، ثم أصل النبي صلى الله عليه وسلم للخدم حقوقهم ، وشرع لهم من الآداب ما يتناسب مع إنسانيتهم والرحمة بهم ، في زمن لم يكن يعرف غير الظلم والقهر، يجب الاقتداء بها اليوم، في زمن تتجدد معاناة الخادمات بأشكال أخرى، تستوجب تطبيق الهدي النبوي، للحفاظ على حقوقهم، و احترام آدميتهم.