من النعم العظيمة التي امتن الله تعالى بها على عباده نعمة البيوت ,فقال تعالى:{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } (80) سورة النحل. وكان من دعاء امرأة فرعون أن يبني الله لها بيتاً عنده في الجنة قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (11) سورة التحريم.
فالبيت نعمة لا يعرف قيمته وفضله إلا من فقده وعاش في ظلمات سجن أو في غربة أوفي فلاة ، وفي البيت يجد المسلم راحته وهدوء باله، وفيه السكن والراحة والمودّة في خضمّ مشاكل الحياة.
وطريق الفوز والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة لا يبدأ إلا بِصلاح البيوت وتربيتها على الإيمان والقرآن والذكر؛لأن الخسارة ستكون فادحة وعظيمة يوم يخسر الإنسان أهله ويُضّيع من يعول:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الزمر:15.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" كفى بالمرء إثماً أن يُضَيعَ مَنْ يَقُوت ".(حديث حسن، وصححه الحاكم والذهبي. وأخرجه مسلم بنحوه من طريق أخرى) .
والبيت أمانة يحملها الزوجان، ولا بد أن يقيما أسسه على تقوى من الله وإيمان لأن البيت المؤمن السعيد هو البيت الذي جعل منهجه الإسلام قولاً وعملاً.
تلك النعمة التي لا يحس بها إلا من حرمها ، لذا كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم - عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا أوى إلى فراشه قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا وكم ممن لا كافي له ولا مأوى " ( رواه الترمذي 5 / 470 وقال هذا حديث حسن صحيح غريب قال الشيخ الألباني : صحيح .
فهذه البيوت هي التي نستقر بها ، ونأوي إليها فتحمينا من الحر والبرد , تلك البيوت التي نحس فيها بمعنى السعادة والسكن والطمأنينة , تلك البيوت التي نحقق فيها معاني المودة والرحمة ، تلك البيوت التي نجد فيها قرة الأعين من الزوجة والأولاد {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان .
تلك البيوت التي نحقق فيها منهج استخلاف الله لنا في هذه الحياة . إن النعم إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت، فهل شكرنا الله تعالى على نعمة البيوت .
تأمل وانظر حولك ستجد أناسا لا يجدون سكناً يؤويهم ولا بيوتاً تضمهم كيف تكون حالهم ؟ بل كيف حالك وأنت تسكن في هذه البيوت الحديثة المزودة بكل وسائل الراحة والأمان فما أعظمها من نعمة !.
إن النجاة كما اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم تكون في ثلاث : عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ( رواه الترمذي 4/605 قال الألباني صحيح ، الصحيحة ( 888 ).
فهل أحسست الآن بنعمة البيت ؟ وهل ستعود إلى بيتك لتصلحه وتجعله صالحاً لأن يكون بيتاً ربانياً مؤمناً ؟ . إن صفات البيت المؤمن التي لا يدخلها الشيطان تختلف كثيراً عن غيرها من صفات البيوت الأخرى فهي:
1- بيوت تقيةٌ نقيةٌ: البيوت المؤمنة هي التي تتخذ من تعاليم الإسلام ومن شريعة الله دليلاً وهاديا ، وهي التي تتحقق فيها معاني العبودية الخالصة والكاملة لله تعالى ، وهي التي تجعل من تقوى الله شعارها , ومن الإخلاص والنقاء دثارها , ولكي يتحقق هذا الهدف وتُنال تلك الغاية لا بد أن تُقام تلك البيوت على أسس وقواعد متينة منها : أولاً : حسن الاختيار : فقد أمرنا الإسلام بحسن الاختيار في الزواج .قال تعالى : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (32) سورة النور.
وقال : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ } ( النساء 34). وقال صلى الله عليه وسلم : "تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجملها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه .
وجاء في الحديث الصحيح: " من السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك ، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك ، ومن الشقاء : المرأة التي تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها و مالك ". رواه ابن حبان وهو في السلسلة الصحيحة 282.
وأخرج الطبراني في (الكبير) بسند صحيح من حديث عبد الله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" خير النساء امرأة من تسرك إذا أبصرت وتطيعك إذا أمرت وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك ". وإحسان الاختيار في الزواج لابد أن يكون من الطرفين ، فكما أُمر الرجل بحسن اختيار زوجته أُمرت المرأة – كذلك- بحسن اختيار زوجها .
وأخرج البخاري من حديث أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:" مَرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجلٍ عنده جالس ما رأيك في هذا ؟ فقال : رجلٌ من أشرافِ الناس هذا والله حريٌ إن خطب أن يُنكحَ وإن شفعَ أن يُشفع ,فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرَّ رجلٌ آخرُ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيك في هذا ؟ فقال : يا رسول الله هذا رجلٌ من فقراء المسلمين هذا حريٌ إن خطب أن لا يُنكح وإن شفع أن لا يُشفع وإن قال لا يُسمع لقوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مثل هذا " .
وقال الشاعر: وإن تزوجت فكن حاذقاً *** واسأل عن الغصن وعن منبته واسأل عن الصهر وأحواله *** من جيرة وذي قربته ثانياً : التربية الإيمانية للأسرة : قال : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (87) سورة يونس.
قال ابن عباس : أمروا أن يتخذوها مساجد . قال ابن كثير : " وكان هذا - والله أعلم – لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه ، وضيقوا عليهم ، أمروا بكثرة الصلاة.( تفسير ابن كثير 2/522).
فالبيوت المؤمنة هي التي تكون قبلة للطاعة والإيمان , ومسجدا للعبادة والتبتل . لأن المسلم مسؤول عن أسرته ، ومطالب بأن يقيهم من عذاب الله ومعصيته . قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
عن عائشة – رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " . رواه مسلم ، مسلم بشرح النووي 6/23 .
وقال صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء " . رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع 3488 .
فهكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على تزكية روح الإيمان داخل الأسرة وتأليفهم على طاعة الله ومحبته , فالبيت الذي يرفع فيه اسم الله تعالى هو بيت الأحياء ، والبيت الذي لا يرفع فيه اسم الله هو –لاشك – بيت الأموات .
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل: الحي والميت)) مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)) مسلم.
والبيت الذي يُتلى فيه هذا القرآن بيت خير وبركة , ولهذا قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: "إن البيت الذي يُتلى فيه القرآن يتسع بأهله ويكثر خيره وتحضره الملائكة وتخرج منه الشياطين وأن البيت الذي لا يُتلى فيه كتاب الله -عز وجل- يضيق بأهله ويقل خيره وتخرج منه الملائكة وتحضره الشياطين ".
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا ، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال : أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال : أدركتم المبيت والعشاء " . رواه الإمام احمد ، المسند 346:3 ، و مسلم 1599:3 .
روى أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فيقال له : حسبك قد هديت ، وكفيت ووقيت ، فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟ " . رواه أبو داود والترمذي ، وهو في صحيح الجامع رقم 499 .
حينما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة -رضي الله عنها- وكانت تزيد عنه في العمر خمسة عشر عامًا، وعاش معها النبي صلى الله عليه وسلم حياة سعيدة هانئة، وظل الرسول صلى الله عليه وسلم يحن إليها ويحفظ عهدها بعد وفاتها إلى أن توفاه الله، فقد كانت خديجة أروع مثال للزوجة المسلمة الصالحة، حيث قدمت له خير ما تقدم زوجة لزوجها.
ومن ذلك أنه لما تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم قبيل بعثته بسنوات للتأمل والتدبر في الكون خلال شهر رمضان من كل عام، لم تضجر السيدة خديجة -رضي الله عنها- لبعد النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاعه عنها، بل قابلت ذلك بالرضا والقبول، فكانت تحمل إليه الطعام والشراب في الغار.
ولما نزل عليه الوحي ولَّى مسرعًا إلى السيدة خديجة، وهو يقول: (زملوني، زملوني) والرعدة تملأ جسده، فغطته وقامت على أمره حتى ذهبت عنه الرعدة، ثم حكي لها ما حدث له، وهو يقول: لقد خشيت على نفسي، فطمأنته، وبذلت غاية جهدها للتخفيف عنه، فجمعت قواها، وقالت له: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتقْرِي الضيف، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. رواه البخاري.
وكذلك كانت بيوت السلف الصالح بيوتاً ربانية تُعلي من شأن الإخلاص والتقوى , وحسن العبادة والورع . قال أحد الصالحين " مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما أطيب ما فيها ؟! قال: محبة الله، معرفته وذكره، والله -الذي لا إله إلا هو- لأهل الليل في ليلهم مع الله ألذُّ من أهل اللهو في لهوِهم. وإنه لتمر بالقلب ساعات يرقص فيها طربًا حتى أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي نعيم عظيم، إنهم لفي عيش طيب".( ابن رجب : جامع العلوم والحكم 20/16).
كانت ابنة الربيع بن خثيم تقول له يا أبت ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام فيقول يا ابنتاه إن أباك يخاف البيات . ولما رأت أم الربيع ما يلقى الربيع من البكاء والسهر نادته يا بني لعلك قتلت قتيلا قال نعم يا أماه قالت فمن هو حتى نطلب أهله فيعفو عنك فوالله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك فيقول يا أماه هي نفسي .
وهناك ايضاً بيوت العلم والأدب , فها هو سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين وأكثرهم علماً وفقهاً كانت له ابنة من أحسن النساء وأكثرهن أدباً وعلماً وأعلمهن بكتاب الله وسنة رسوله r فخطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لأبنه الوليد بن عبد الملك ابن سعيد ولكن سعيد بن المسيب أبىَ أن يُزوجه إياها وزوجها لتلميذ من تلامذته ( وهو كثير بن أبي وداعة )وكان فقيراً فأرسل إليه بخمسة آلاف درهم وقال استنفق هذه فلما جاء الصباح أراد كثير بن وداعة الخروج إلى حلقة سعيد بن المسيب فقالت له : إلى أين ؟قال : إلى حلقة سعيد أتعلم العلم فقالت : اجلس أعلمك علم سعيد بن المسيب فجلس فعلمته . الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/233).
ثالثاً : تحكيم شرع الله عند الخلاف : الاختلاف في الطباع والأفكار طبيعة البشر ، والاختلاف قد يؤدي إلى الخلاف , ولكن البيت المؤمن يعرف كيف يتعامل مع الخلافات , وذلك بأن يجعل شرع الله تعالى هو الحكم والفيصل في حل الخلاف ، لا هوى النفس ولا عُجب الرأي .
ولقد ضرب بيت النبوة أروع الأمثلة في ذلك . روى أصحاب السنن : أن أبا بكر دخل يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر، فدخل، ثم أقبل عمر، فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، قال: فقال: لأقولن شيئاً أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة ، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "من حولي كما ترى يسألنني النفقة "، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول؛ تسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده، فقلن: والله ! لا نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (28) سورة الأحزاب.
قال: فبدأ بعائشة، فقال:"يا عائشة ! إني أريد أن أعرض عليك أمراً، أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك "، قالت: وما هو يا رسول الله ؟! فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله! أستشير أبوي ؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة". أخرجه مسلم (4/187-188) ، والبيهقي (7/38) ، وأحمد (3/328) من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله .
ودخل الرسول ذات يوم على زوجته السيدة (صفية بنت حيي) رضي الله عنها فوجدها تبكي، فقال لها ما يبكيك؟ قالت: حفصة تقول: إني ابنة يهودي؛ فقال : قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى. روى أن زوجا غاضب زوجته ، فقال لها متوعدا : لأشقينك . قالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني ، كما لا تملك أن تسعدني .
فقال الزوج : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني ، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !.. فقال الزوج في دهشة وما هو ؟ قالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي !. فالغضب كثيراً ما يؤدي إلى تقويض أركان البيت ، إذا لم تكن هناك ضوابط شرعية لعلاجه .
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر" رواه مسلم (1469). فسامح ولا تستوف حقك كله * * * وأبق فلم يستوف قط كريم ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد* * * كلا طرفي قصد الأمور ذميم قال أبو الدرداء لامرأته ناصحاً لها : إذا رأيتني غضبت فرضى وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب .
وقال الشافعي – رحمه الله – خذي العَفو منى تستديمي مودتي * * * ولا تنطقي في سَورَتى حين اغضبُ ولا تنقرينى نقركِ الدفَ مرةً* * *... فإنك لا تدرين كيف الُمغّيبُ ولا تُكثرى الشكوى فتذهب بالقوى* * *ويأباك قلبي والقلوب تقلبُ فإني رأيتُ الحبَ في القلبِ والأذى * * *إذا اجتمعا لم يلبث الحبُ يذهبُ فالزوجان المؤمنان لا يدعان التوافه تسيطر عليهما ؛ بل يضعان كل مشكلة في حجمها الحقيقي . يروى أن زوجا قبض على طائر صغير، وأخذ يتأمله مع زوجته، ثم قال: ما أجمل هذا العصفور! فأجابت الزوجة: عفواً إنها عصفورة.فقال الزوج: عصفور.
فقالت الزوجة: عصفورة.وتشبث كل منهما برأيه، واحتدم الجدال، وتحول إلى مناقشة، فمشاجرة لم تهدأ نارها إلا بعد وقت طويل.وبعد مضي سنة تذكر الزوج هذه الحادثة فقال لزوجته ضاحكاً: أتذكرين تلك المشاجرة البلهاء بخصوص العصفور؟قالت: نعم أذكر، وقد فكرت بالطلاق يوم ذاك، ولكنني أشكر الله على النهاية السعيدة، وأعترف لك يا عزيزي أنك كنت على خطأ في إحداث كل هذه الأزمة بسبب عصفورة.فقال الزوج: عصفورة! ولكنه عصفور قالت: كلا! بل عصفورة.واحتدم القتال من جديد!!كم هناك من عصفور وعصفورة وراء المشاجرات!. فتحكيم شرع الله في الخلافات الزوجية في العدل والخير كله .
2 -بيوت راضيةٌ مطمئنةٌ: نعمة الرضا من أجل النعم التي يعطيها الله لعباده المؤمنين المتقين , فالرِّضا يُوجِبُ له الطُّمأنينة ، وبرد القلبِ ، وسكونهُ وقراره وثباتهُ ، كما أن الرضا يفتحُ للإنسان باب السعادة والسلامةِ ، فيجعلُ قلبهُ سليماً ، نقيّاً من الغشِّ والحسد والغلِّ ، ولا ينجو منْ عذابِ اللهِ إلا منْ أتى الله بقلبٍ سليمٍ .
و لقد لخص لنا رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم – سعادة الدنيا في ثلاث جُمل فقال : "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا". أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/112 ، رقم 300) ، والترمذي (4/574 ، رقم 2346). وابن ماجه (2/1387 ، رقم 4141) . عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ.
كما أن الرضا يُثمرُ الشكر الذي هو منْ أعلى مقاماتِ الإيمانِ ، بل هو حقيقةُ الإيمانِ. والأسرة المؤمنة تجعل من الرضا شعاراً لها ، فهي ترضى عن الله في السراء والضراء , وترضى بما قسم الله تعالى الله ، لان الرزق بيد الله وحده .
قال عروة بن أذينة : ولقد علمت وما الإسراف من خلقي * * * أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى إليه فيعييني تطلّبه * * * ولو قعدت أتاني ليس يعييني قيل للحسن البصري: ما سر زهدك في الدنيا؟ فقال:علمت بأن رزقي لن يأخذه غيري فأطمأن قلبي له. وعلمت بأن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به . وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن أقابله على معصية. وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله. والأسرة المؤمنة كما أنها تشكر على النعماء فإنها تصبر على البلاء والضراء.
3 - بيوت متراحمةٌ متآلفةٌ: الرحمة خلق إسلامي رفيع وصف الله تعالى به نفسه فقال : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ..} (54) سورة الأنعام.
ووصف به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة .
وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء . ووصف به أهل الإيمان فقال : { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ . . } (29) سورة الفتح . كما حثنا عليه نبينا الكريم فقال : فعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: ((لن تؤمنوا حتى تراحموا))، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: ((إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة)) رواه الطبراني ورجاله ثقات.
عن جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ ( متفق عليه ) . وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " . رواه أبو داود والترمذي .
وبيت الإيمان بيت تسود الرحمة فيه بين أفراده فالكبير يرحم الصغير والصغير يحنو على الكبير . عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم رسول الله بسبي، فإذا امرأةٌ من السبي تسعى قد تحلَّب ثديها، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته بيطنها فأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((أتُرون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟)) قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، قال: ((فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها)) أخرجه البخاري.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما ثم يقول: ((اللهم ارحمهما، فإني ارحمهما)) أخرجه البخاري.
قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد، ما قبّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله وقال: ((من لا يَرحم لا يُرحم))، وفي رواية: ((أَوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!)) مخرج في الصحيحين من حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وتتعدى الرحمة إلى الخدم في البيت ، فعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً خلفي: ((اعلم أبا مسعود))، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا فإذا هو رسول الله وإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك من هذا الغلام))، فقلت: يا رسول الله، هو حرّ لوجه الله، فقال: ((أما لو لم تفعل لفحتك النار))، وجاءه عليه الصلاة والسلام رجل يسأله: كم أعفو عن الخادم؟ فقال : ((كل يوم سبعين مرة)) أخرجه أبو داود.
قال المنفلوطي : (لو تراحم الناسُ لما كان بينهم جائعٌ ولا مغبونٌ ولا مهضوم.. ولأقفرت الجفونُ من المدامع.. ولاطمأنت الجُنوب في المضاجع، ولمَحتِ الرحمةُ الشقاءَ من المجتمع، كما يمحو لسانُ الصبح مدادَ الظلام».
أنشد الحافظ زين الدين العراقي : إن كنت لا ترحم المسكين إن عدما *** ولا الفقير إذا يشكو لك الألما فكيف ترجو من الرحمن مرحمة *** وإنما يرحم الرحمن من رحما وقال الشاعر : ارْحَمْ بُنَيَّ جَميعَ الخلقِ كُلِّهمُ *** وانْظُرْ إليْهمْ بعين الحِلمِ والشّفَقَهْ وَقَّرْ كَبيرَهُم وارْحَمْ صغِيرَهُمْ *** وَراع في كُلّ خَلْقٍ مَنْ خَلَقَهْ وكما أن البيت المسلم يجب أن يسود بين أفراده خلق التراحم ، كذا يجب أن يسود التآلف والتواد بينهم . 4- بيوت واضحةٌ متميزةٌ: البيوت المؤمنة بيوت واضحة المعالم , متميزة الشخصية ، يعرف كل فرد فيها حقوقه وواجباته , ويتحمل كل فرد ما يلقى عليه من تبعات ومسؤوليات .
قال عَبْدُ اللهِ بن عُمَرَ- رضي الله عنهما: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" قَال ابن عمر: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (رواه البخاري، الحديث 844).
والإنفاق يكون في حدود الطاقات المادية، يقول تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (7) سورة الطلاق.
قال صلى الله عليه وسلم: (من أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة) [الطبراني]. والمرأة ملتزمة بالوفاء بحقوق زوجها عليها، وحسن طاعته، قال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة) [الترمذي].
وكذا فإن الرجل ملتزم بالوفاء بحقوق زوجته؛ بحسن معاشرتها وإعفافها . والوالدان ملتزمان برعاية أولادهما، وحسن تربيتهم، وتعليمهم أمور دينهم، قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين . وفرقوا بينهم في المضاجع) [أبوداود]. والأبناء ملتزمون ببر الوالدين وطاعتهما فيما يرضي الله، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا}_[الإسراء: 23].
كما أن جميع أفراد البيت ملتزمون بصلة الأرحام وبر الأقارب والأصحاب، قال تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [النساء: 1].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فليصل رحمه) البخاري. ومن التميز والوضوح في بيت الإيمان أن يكون لكل فرد شخصيته المستقلة دونما انمحاء أو ذوبان فالرجل رجل والمرأة امرأة ، فلا تشبه ولا تخنث .
ومن هنا فقد لعن الله الانقياد الأعمى لما كان عليه الآباء والأجداد من عبادات باطلة . كما لعن في الإسلام من الرجال من يتشبه بالنساء ومن النساء من يتشبه بالرجال ! فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوساً فقال النبيصلى الله عليه وسلم: "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء" الهيثمي : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 8/103).
وفى حديث ابن عمر : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء " الهيثمي : مجمع الزوائد 8/103 وقال رواه أحمد والبزار الطبراني).
كما رفض الإسلام – كذلك – الإمعية ، والميل مع الريح حيث تميل . فعن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكونوا إمعة ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس تحسنوا ، وإن أساءوا ألا تظلموا " (القرضاوي : المنتقى من الترغيب والترهيب للمنذري 2/685 رواه الترمذي وحسنه).
فالتشبه والإمعية دليل على انمحاء معالم الشخصية السوية . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه الإمام أحمد في المسند 2/50 وهو في صحيح الجامع 2828 ، وكذلك 6025 . قال البخاري رحمه الله تعالى باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت وساق حديث ابن عباس قال : لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، وقال : أخرجوهم من بيوتكم قال : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً وأخرج عمر فلانة . رواه البخاري في كتاب اللباس باب 62 ، الفتح 10/333 .
ثم ساق حديث أم سلمة الذي أورده في باب : ( ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة ) ونصه : عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها ، وفي البيت مخنث فقال : المخنث لأخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية إن فتح الله لكم الطائف غداً أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتُدبر بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخلن هذا عليكم ) رواه البخاري باب 113 الفتح 9/333 .
5 - بيوت متواضعةٌ مرحةٌ : من صفات بيت الإيمان أنه بيت متواضع وبسيط ، ليس فيه إسراف ولا تقتير . وليس فيه عبوس ولا تكشير .
فالتواضع داخل البيت يضع الأمور في نصابها فلا يبغي أحد على أحد . تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن تواضع النبي في بيته : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله (أي: يساعدهن في إنجاز بعض الأعمال الخاصة بهن)، فإذا سمع الأذان خرج. [البخاري، وأبوداود]. وهو الذي قال : (انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله) [مسلم] .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا عمليّا لحسن معاشرة النساء، فكان يداعب أزواجه، ويلاطفهن، وسابق عائشة -رضي الله عنها- فسبقتْه، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: (هذه بتلك) [ابن ماجه] . وهو الذي قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [ابن ماجه] .
فالبيت المسلم لا يخلو من الدعابة والمرح، رغم أنه بيت جهد وعمل، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك، فكان ضحاكًا بسامًا، فعن أبى أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أضحك الناس وأطيبهم نفسًا. [الطبراني].
والمرح في البيت المسلم لا يخدش الحياء، ولا يزعج الجيران، ولا يميت القلوب، ليس فيه سخرية، ولا غيبة، ولا عيب في أحد، لكنه يجدد النشاط، ويقضى على الرتابة والملل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (روحوا القلوب ساعة فساعة) [أبو داود] .
وهو مزاح غير مشوب بكذب ولا غمز ولا لمز ؛ لان ذلك منهي عنه في الإسلام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يُحَدِّث فيكذب، ليضحِكَ الناس، ويل له، ويل له" (المسند (5/5،7) وسنن أبي داود برقم (4990) وسنن الترمذي برقم (2315) وسنن النسائي الكبرى برقم (11655). فكلمة الكذب وإن كانت بمزح فهي جارحة ومؤذية .
قال ابن عبد القدوس : وَدع الكَذوب فَلا يَكن لَكَ صاحِباً * * * إِن الكَذوب يَشين حراً يَصحبُ وَزن الكَلامِ إذا نَطَقت وَلا تَكُن * * * ثَرثارَة في كُل نادٍ يُخطَبُ وَاِحفَظ لسانك وَاِحتَرِز من لَفظِه * * * فَالمَرءُ يَسلم بِاللِسانِ وَيعطبُ وكان صلى الله عليه وسلم يداعب صغار أهل بيته ويمازحهم ويضاحكهم، فعن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَصُفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيرًا من بني العباس -رضي الله عنهم- ثم يقول: (من سبق إلى فله كذا وكذا). قال :فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم._[أحمد].
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعينا إلى طعام، فإذا الحسين -رضي الله عنه- يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده، فجعل حسين يفر هاهنا وهاهنا فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبله. [الطبراني].
فهذه بعض معالم بيوت الإيمان , التي يجب علينا معرفتها حتى تعود بيوتنا راكضة إلى ربها , مخبتة له, مستشعرة دورها في تحقيق معاني الاستخلاف على هذه الأرض .