تشهد الجزائر منذ عدة أشهر حركة غير طبيعية على مستوى القيادات الرئيسية للأجهزة الأمنية، فبعد الإعلان عن الفريق محمد مدين المعروف اختصارا ب "التوفيق" من رأس جهاز المخابرات الجزائرية، (الاستعلام والأمن)، وهو الشخص الذي كان يُلقب ب "رب الجزائر"، مر على يديه خمس رؤساء و13 رئيس حكومة، تتالت بعد ذلك الأنباء والمعلومات عن كساد سوق الجنرالات وبداية أفول عهدهم لصالح جناح الرئاسة وقيادة الأركان. وتشير معلومات مسربة من كواليس الرئاسة، أنه تم تخفيض تخفيض عدد الجنرالات بالمخابرات من 25 إلى 6 خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث اتخذ مدير دائرة الاستعلامات والأمن بشير طرطاق قرارا بإحالة 13 لواء وجنرالا على التقاعد. وقد اتخذت هذه الاجراءات منحى أكثر تصعيديا خلال الأسبوع الماضي، وذلك بسجن قائد وحدة مكافحة الإرهاب ومهندس عملية سابقا الجنرال عبد القادر آيت واعراب مجمع الغاز بتنغتورين في أقصى الصحراء الجزائرية في يناير 2013، وسجن العميد المتقاعد حسين بن حديد، ثم أخيرا وليس آخرا منع اللواء جمال كحال القائد السابق للحرس الرئاسي. ووصف الخبير الأمني الجزائري المنشق عن النظام كريم مولاي في حديث مع "قدس برس"، هذه الاجراءات بأنها "غير عادية"، وقال بأنها "تعكس صورة واضحة عن حالة الاحتقان القائمة بين جناح الرئاسة والأركان، وما تبقى مما يسمى بجناح المخابرات، الذي تلاشى وانتهى زمنه". وأضاف: "هذه التغييرات الدراماتيكية تأتي في تسابق مع الحالة المرضية المتدهورة للرئيس بوتفليقة، الذي يريد هو ومحيطه العمل على تشكيل جهاز أمني جديد يأتمر بأوامره، والاشراف على مرحلة ما بعد بوتفليقة". ولفت مولاي الانتباه إلى أن المعطيات المتسارعة على الأرض تشير إلى أن الجزائر مقبلة على على مشهد جديد وخارطة سياسية جديدة بالكامل، يكون جوهرها القوة الأمنية الضاربة، حيث سيتم، حسب مولاي، نقل ما تبقى من صلاحيات قليلة في جهاز الاستعلام والأمن الحالي إلى جهاز المخابرات الجديد، وأن الرئيس المعين مؤخرا على رأس المخابرات اللواء عثمان طرطاق أيامه هو الآخر معدودة، ومهمته تنحصر في تفكيك ما تبقى من جهاز المخابرات وتسليمها إلى الوافد الجديد بموافقة فرنسية، وفق تعبيره. من جهته رأى الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري توفيق رباحي في مقال له يوم الثلاثاء20 اكتوبر 2015 في صحيفة "القدس العربي"، أن هذه التغييرات التي مست بسلك المخابرات، أزالت ما أسماه ب "رهبة وحرمة" رتبة الجنرال في الجزائر، وقال: "شُحُ المعلومات يقود إلى الاعتقاد أن مسيرة الرئيس بوتفليقة نحو تجريد المخابرات من نفوذها التقليدي على الحياة المدنية والسياسية واستعادة سطوة الرئاسة ويدها العليا، ماضية إلى نهايتها، ولو تطلب الأمر تعزيز سطوة دائرة عسكرية أخرى هي قيادة الأركان التي استلمت صلاحيات هامة من المخابرات". وأضاف: "بينما اتفقت المؤسسة العسكرية في الماضي على حفظ أسرارها والتكتم عليها، تبدو اليوم وكأنها فقدت ايضا القدرة على ذلك، وكأن هناك من يتعمد خروج هذه الأسرار ليكون لمسلسل بوتفليقة معنى ورسالة، وإلا قلَّ تأثيره وتأخرت رسالته في الوصول"، على حد تعبيره.