فرنسا والاستعداد لمرحلة ما بعد بوش تعرضت زيارة وزير الخارجية الفرنسي مشيل بارنيه للدولة العبرية لضربة قاسية بسبب من التصلب الذي واجه به أرييل شارون مواقف مشيل بارنيه، في الوقت الذي كانت التوقعات تشير إلى بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين فرنسا والكيان الصهيوني بعد فترة من التوتر بسبب من الحرص الفرنسي على التعامل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والتشبث بخريطة الطريق، والاصطدام الذي أعقب إقدام شارون على دعوة اليهود الفرنسيين للهجرة إلى إسرائيل في أواسط يوليوز الماضي، ففي الوقت الذي غيرت فيه فرنسا من عدد من المواقف السابقة، وأهمها الاقتصار في زيارتها على الالتقاء بمسؤولي الكيان الصهيوني، ثم الإصرار على القيام بها رغم التطورات المأساوية التي عرفتها القضية الفلسطينية بفعل عمليات الاجتياح والقصف التي انخرط فيها الجيش الصهيوني طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية في قطاع غزة وخلفت أزيد من مئة شهيد فلسطيني فضلا عن الدمار الذي تركته في المنطقة. لقد فاجأ الموقف الفرنسي الكثيرين، خاصة وأنه تزامن مع التشبث الفرنسي بمشروع قرار قدمته فرنسا لمجلس الأمن حول تطبيق قرار مجلس الأمن الخاص بالوجود السوري بلبنان، بما يطرح احتمال وجود سعي فرنسي للاستعداد لمرحلة ما بعد بوش في حال فوز المرشح الديموقراطي جون كيري، والتوافق معه في تصوراته حول مستقبل المنطقة العربية عموما والقضية الفلسطينية خصوصا. انطلقت زيارة وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه، يوم الأحد 17 أكتوبر الجاري على أساس أن تنتهي يوم الثلاثاء 19 أكتوبر، وتمثل أول زيارة له إلى الكيان الصهيوني، وضمن برنامج اللقاء مع كل من رئيس الكيان موشي كاتساف، ورئيس الوزراء ارييل شارون ورئيس الكنيست ريوفين ريفلين وزعيم المعارضة العمالية شمعون بيريز، ومما أعلن في بدايتها أن وزير الخارجية الفرنسي سيعمل على تأكيد الموقف الفرنسي الداعي لحل الدولتين ولضرورة إعمال خريطة الطريق، مع دعم موقف شارون القاضي بالانسحاب من غزة في حال اندراجه ضمن خريطة الطريق وارتباطه بمشروع في تفكيك المستوطنات الموجودة بالقطاع، مع تجديد الاختيار الفرنسي في مناهضة المعاداة للسامية. ولعل من المثير أن تتزامن الزيارة مع اضطرار آلان مينارغ نائب مدير عام اذاعة فرنسا الدولية راديو فرانس انترناسيونال، ار.اف.اي ونائب رئيس اذاعة مونتي كارلو-الشرق الاوسط إلى تقديم استقالته من منصبه بعد حملة قوية قادتها عدد من المنظمات اليهودية والصحفية بفرنسا ضد تصريحات اعتبرت معادية للسامية، أثناء ترويجه لكتابه المعنون ب جدار شارون منها وصفه لإسرائيل بأنها دولة عنصرية بداية هذا الشهر، وتعبيره في حوار إذاعي حديث عن صدمته من بناء الجدار وتساؤلهاين كان اكبر غيتو في العالم؟ كان في البندقية. من انشأه؟ إنهم اليهود لعزل انفسهم عن البقية. وبعد ذلك وضعتهم اوروبا في غيتوهات، ومن المواقف التي صدرت في مواجهة هذه التصريحات موقف الخارجية الفرنسية يوم الجمعة الماضي التي اعتبرت فيها أن تصريحات مينارغ التي وصف فيها اسرائيل بانها دولة عنصرية غير مقبولة. لقد اعتبر قرار قبول شارون الاجتماع مع وزير الخارجية الفرنسي بادرة تهدئة بعد التوتر، إلا أن التصريحات التي عبر عنها شارون بعد ذلك نحت في اتجاه تأكيد حق الكيان في القيام بعملياته ضد الفلسطينيين معتبرا إياها دفاعا عن النفس، وأن خريطة الطريق قد انتهت، وتلى اجتماعه لقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي سيليفان شالوم، عقدت على إثره ندوة صحفية لم تكشف عن حصول تطور نوعي في الموقف الصهيوني في وقت بقي فيه الموقف الفرنسي يؤكد على ضرورة التنسيق مع السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بخطة الانسحاب من غزة. الواقع أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي جاء في ظرفية غير مناسبة كلية، مما جعلها فاقدة للجدوى الحقيقية، بل تؤشر لبدايات اللاتحاق بركب الموقف الأمريكي تجاه القضية، واللافت أن الزيارة جاءت وسط ازمة سياسية حادة بالكيان الصهيوني بعد ازدياد الرفض لخطة شارون في الانسحاب من غزة، بعد أن كان يراهن على العمليات العسكرية ضد غزة من أجل تصفية عناصر المقاومة وتقوية العناصر الداعمة له، إلا أن حصيلة ما سمي بأيام الندم كانت فاشلة، رغم الحصيلة العالية من الشهداء في 17 يوم من العمليات، بعد أن استمرت المقاومة الفلسطينية في استعمال الصورايخ ضد المستوطنات وقوات الاحتلال، مما زاد من الضغوط لصالح عرض الخطة على استفتاء رغم رفض شارون لذلك، مما يطرح احتمالات عودته لاستهداف القطاع، بعد فشل الحملة الاولى في رأب البنية التحتية لصواريخ القسام، والتي أصبحت تشكل تهديدا استراتيجيا للكيان، حتى إنها طرحت ضمن ملفات التعاون مع وزارة الدفاع الأمركي من أجل تخصيص موازنة بغلاف ستة وأربعين مليونا ونصف المليون دولار لتطوير نظام مضاد لصواريخ القسام حسب ما أفادت صحيفة غلوبس الاسرائيلية في عددها نهاية الأسبوع الماضي، أي أن الزيارة تحولت لمجرد زيارة عادية لا تنبثق عنها أية مبادرة حقيقية إزاء القضية، فالوضع لم يتغير بين مجئ وزير خارجية فرنسا وبين ذهابه، فالصراع حول خطة الانسحاب الأحادي مايزال محتدما، كما أن احتمالات العودة إلى العمليات العدوانية ضد قطاع غزة ما يزال قائما. إن فرنسا مدعوة للتفكير من جديد في نوعية مبادرتها تجاه المنطقة، حتى لا تفقد رصيدها بين عموم اطراف النزاع وعدم التسرع نحو خطوات هشة من جهة أولى، لتعزيز الاختيارات التي سارت عليها في الملف العراقي من جهة ثانية. مصطفى الخلفي