إنك لا تهدي من أحببت (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، هذا النداء الإلاهي جاء خطابا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأن الهداية توفيق من الله تعالى، ينشرح بها صدره المسلم للحق ويتوجه القلب إلى الله تعالى، فينشرح الصدر للإسلام، وكل هذا أمر بيد الله عز وجل ومنة يمنها على عباده، ولا دخل لأحد من الخلق فيه، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فإذا بأنوار الهداية تغمر قلب المهتدي فتغسله غسلا وتنقيه من أدران الباطل، نظيفا من أقذار الشهوات، يتلألأ ذلك القلب بنور الحق يتجلى نضارة في وجه صاحبه. ولكن هذا النداء في إحدى دلالاته المتعددة خطاب متجدد للبشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لا تتحكم فيه القرابات الدموية ولا يخضع لمزاج القربات والحظوات، فرب أشعث أغبر مدفوع على الأبواب لو أقسم على الله تعالى لأبره. فمع الهداية يكون الحبل موصولا بالله تعالى من غير إكراه، ولكنها إشراقة روح تفرض الالتجاء إلى الله لحيازتها تذللا وتضرعا له عز وجل في كل حين. وشهر رمضان، هذا الضيف الكريم هو إحدى الفرص لاغتنام سبل هذه الهداية وتلمس وسائلها. ففي أيام رمضان المباركة تعود النفوس إلى خالقها مشمرة على حضور الصلاة المفروضة والمسنونة، وتبدو المساجد مزينة بالأنوار ومستأنسة بأذكار المصلين من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والعلمية، وألسنتهم تلهج عقب كل صلاة التراويح: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق)، فالهداية فعلا تستدعي الحمد وتطلبه للمزيد، مزيد لا ينضب ولا يفتر، لأنه من مالك كل شيء . ويتساءل الفرد: من ذا الذي قاد هذه الرقاب لتنحي تواضعا لخالقها؟ من ألهمها أن تؤوب إلى المساجد تبتهل تضرعا بالقرآن والدعاء طلبا في تجاوز ما سبق؟ ليأتيه الجواب سريعا بلا استئذان: إنه الله تعالى عز في ملكه. لا الأمنيات تتحكم في جلب هذه الهداية، ولا المحبة بين الأفراد متعلقة بها، ولكن (كذلك كنتم فمن الله عليكم). وهو ما تشير إليه وتؤكده قصة سيدنا نوح عليه السلام مع إبنه ودعوته ليكون من الناجين والمهتدين، فكان أن ضل الإبن السبيل ولم تغن عنه كل السبل التي تمسك بها، لأنه أخطأ طريق النجاة وأخطأ التوجه. فلا أحد منا رغم ما أوتي من قوة أو مال قادر على أن يكره أي فرد لأن يكون مؤمنا مهتديا. فكل مخلوق رغم أنه مهتد بفطرته وبعقله، إلا أنه في حاجة ماسة لهداية الله ليباشر قلبه نور الإسلام، وتتفاعل معه جوارحه في كل شؤونه، وما الإقبال على المساجد والصدقات وقراءة القرآن والاستماع إلى المواعظ إلى خيوط البدء في مسيرة التقرب إلى الله تعالى. يقول صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، فاللهم اهدنا الصراط المستقيم. عبدلاوي لخلافة