شريحة واسعة من أبناء المدينة امتهنوا عمل الكومبارس، بعد أن أضحت مدينتهم في السنوات الأخيرة، قبلة المخرجين والمنتجين السينمائيين العالميين، لتصوير مشاهد من أفلامهم يعْتمرُ طاقية أفغانية، ويرتدي سُترة عسكرية رثة، وبلحية مُخضبة ببعض المشيب، وقسمات مُتعبة، ونظرات ساهمة، يتوسط مُرافقيه الذين يرتدون على غراره نفس اللباس، وتكفهرُ وجوههم العابسة أمام الكاميرا في انتظار إلقاء زعيمهم كلمته المسجلة. هكذا يُحاكي عبد العزيز بويدناين ( 64 عاماً) ابن مدينة ورزازات، جنوبي المغرب، شبيه أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الراحل، حركات الأخير وطريقة لباسه، كما جسدها ببراعة في عدد من الأعمال الوثائقية والسينمائية التي أدى خلالها دور، الرجل الذي ظل مطلوباً لسنوات. ما يفعله بويدناين، جعل أي زائر لمدينته المعروفة باستديوهاتها السينمائية العالمية، يحرصُ على التقاط صورة للذكرى معه. يستعرضُ بويدناين، ألبوم صُوره برفقة مُمثلين ومُخرجين عالميين، ويسرد مُستدعياً تفاصيل سنوات طويلة راكم خلالها تجربة سينمائية لامعة، كممثل ثانوي أدى أدواراً مُميزة إلى جانب ألمع نجوم السينما الهوليودية، كأنجيلينا جولي، وبراد بيت، وليوناردو ديكابريو، وغيرهم، ولمع نجمُهُ في سماء "الكومبارس" المغربي، بعد أن اكتشفه أحد المخرجين الإيطاليين، ورأى فيه شبهاً قريبا ًمن "بن لادن". 60 عملاً سينمائياً، شارك فيها عبد العزيز منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، كما يروي للأناضول، أدى خلالها شخصيات وأدواراً مختلفة، في أفلام "الوصايا العشر"، و"صلاح الدين الأيوبي"، و"ملوك الطوائف"، وأعمال سينمائية محلية في أفلام "الطريق إلى كابول"، و"في انتظار بازوليني" وغيرها. يُمثل عبد العزيز شريحة واسعة من أبناء مدينة ورزازات، الذين يجيدون اللغة الانجليزية، وامتهنوا مهنة الكومبارس (ممثلو الهامش)، بعد أن أضحت مدينتهم خلال السنوات الماضية، قبلة يحج إليها أشهر المخرجين والمنتجين السينمائيين العالميين، لتصوير أجزاء من أفلامهم، خاصة تلك التي تدور أحداثها حول وقائع تاريخية. بسحنات تتلونُ حسب أهواء المُخرجين وحبكات قصصهم، وبشُخوص مُستوحاة من وقائع التاريخ، وحكايات الغابرين، يتقمص الكومبارس أدوارهم أمام كاميرات أشهر مخرجي هوليود، الذين اختاروا مدينة ورزازات ونواحيها لتصوير أعمالهم السينمائية، فيما اكتسب بعضُهم شهرة واسعة نقلته إلى مصاف المُمثلين الاحترافيين. عبد الكبير سكيكنة (33 عاماً) أحد "الكومبارس"، الذين تضطرهم قلة فرص العمل، وضيق ذات اليد، إلى عدم التفاوض على أجور أدوارهم في أفلام يُصرفُ على إنتاجها مئات الآلاف من الدولارات، يحكي بنبرة تضج بالحسرة، عن الأعمال التي قضى شهوراً طويلة في تصويرها، مُقابل أجر زهيد. "رغم الأدوار الهامشية التي نؤديها، كالجنود في الجيوش، أو رواد الأسواق، أو حرس القلاع، وغيرها، فإنها توفر لنا فرصة لمتابعة طرق تصوير الأفلام، وتجارب الأداء"، يقول سكيكنة، الذي يوضح أنه دخل عالم السينما بهدف ضمان قوت يومه، في ظل ندرة فرص العمل في المنطقة، لكنه وبعد مشاركات عدة له في أفلام عالمية، استهوته المهنة، ويتمنى أن يصبح في يوم ما ممثلاً ذو حظ وشهرة. ويتحدث عبد الإله وهبي، أحد مثلي "الكومبارس" الذي شارك في عدد من الأعمال السينمائية بإسهاب عن تجاربه المختلفة، برفقة أبناء بلدته بضواحي مدينة ورزازات، ولكنه في ذات الآن يشكو الظروف الصعبة التي يزاولون فيها أعمالهم، رغم حبهم لها، على حد قوله. وتساهم المهنة، بشكل ملحوظ في تشجيع صناعة السينما في المغرب، حيث تحتاج بعضُ الأعمال السينمائية إلى آلاف الأشخاص، لاستخدامهم في مشاهد الحروب، أو احتفالات المُدن، وغيرها من المشاهد. ويقول القائمون على الشأن السينمائي في المغرب، إنهم يسعون إلى تأهيل عدد من المواقع ذات مؤهلات تاريخية وسياحية وطبيعية فريدة في بلدهم، لجعلها محط أنظار مخرجين عالميين لتصوير أفلامهم بها، في مقدمتها مدينة ورزازات الملقبة ب" هوليود المغرب". واستقطبت مدينة ورزازات واستوديوهاتها، اهتمام عدد من المخرجين العالميين الذين صوروا بها أعمالاً خالدة في السينما العالمية، مثل المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، في فيلمه المثير للجدل "الإغراء الأخير للمسيح"، و الأمريكي جوزيف فون ستيرنييرغ، لتصوير فيلمه "القلوب المحترقة". وكان المخرج الأمريكي، ريدلي سكوت، قد صور فيلميه "المصارع"، و"كينغ أو هافن"، في ضواحي وزرارات، كما دارت أحداث أفلام للمخرجين الأمريكيين، أنتوني كوين، وأوليفر ستون، في المدينة واستوديوهاتها وقلاعها وقصورها التاريخية وواحاتها، التي تعد مكاناً مناسباً لتصوير الأفلام التاريخية بالنظر لمعمارها الأثري والبسيط، وجوها الصحرواي الجاف. كما تضم المدينة، استوديوهات "فرعونية" جُسد فيها عدد من الأفلام التي تناولت أحداث تاريخية، وأخرى تؤرخ قصص الأنبياء وحياتهم، مثل "لابيبل"، و"عيسى"، و"النبي يوسف". وعلى الرغم من الحركية الملحوظة التي بات يعرفها المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، في مجال صناعة السينما، إلا أن السينما ما زالت تتلمس طريقها في هذا البلد، لتجد موضع قدم راسخ يكون منطلقها نحو العالمية، ويؤسس لثقافة سينمائية واعية بمتطلبات المجتمع وتحاكي همومه وتطلعاته.