من السعودية إلى الكويت إلى الأردن، تتكاثر أحاديث تعديل المناهج الدراسية لمواجهة التطرف والغلو في الدين، أو للتفريق بين المقاومة والإرهاب حسبما ذهب مدير إدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم الاردنية. حتى الآن لم نعرف ما هي طبيعة التطوير أو التغيير الذي ستشهده المناهج الدراسية في الدول الثلاث، ومعها دول أخرى كثيرة ستلتحق بالركب، لكن الواقع هو أن ما يجري لا يعدو كونه استجابة للمطالب الأمريكية. ونحن هنا نحسن الظن لأننا نعتقد أن من العبث القول إن المناهج الدراسية، أكان في المدارس أم في المعاهد الدينية وغير الدينية هي التي أنتجت ظاهرة التطرف والعنف. لسنا ضد تطوير المناهج الدراسية، لكننا نخشى أن يتجاوز الأمر حدود المطلوب المعلن إلى المطالب غير المعلنة أو المتوقعة، بحيث يغدو الحديث عن فلسطين ومدنها وحدودها وأقصاها أمراً مرفوضاً أو تشجيعاً على الإرهاب، الأمر الذي ينسحب على مسائل الدين والعقيدة الإسلامية الأساسية كالكفر والإيمان والجهاد، إلى غير ذلك من المفاهيم والمصطلحات التي قد يراها البعض وفق قراءة ظاهرية وسطحية نوعاً من الدعوة إلى نبذ الآخر أو عداوته أو استهدافه. لقد مكثت هذه المناهج دهراً طويلاً لم تنتج إرهاباً ولا تطرفاً ولا عنفاً، فلماذا لم تفعل ذلك إلا في الأونة الأخيرة؟ ألا يعني ذلك أن ثمة ظروفاً موضوعية هي التي تنتج الظاهرة وليس المناهج الدراسية؟ ثم لماذا خرج العنف والتطرف من بلد ولم يخرج من آخر على رغم تشابه المناهج؟ ولماذا تميزت الجزائر بعنف أسود على رغم أن مناهجها لم تكن ذات صبغة إسلامية؟. لو تتبعنا ظاهرة العنف والتطرف والأشخاص الذين تورطوا فيها، لما وجدناهم تعلموا ذلك في مدارس أو جامعات، وإنما عبر ثقافة متداولة على يد أشخاص بعينهم تعلموا على أنفسهم من خلال نصوص موجودة في الكتب يستحيل محوها، وهي نصوص فيها ما يحتمل العنف، وفيها ما يحض على الاعتدال. ويبقى أن طبيعة الشخص والظروف الموضوعية هي التي تدفع في هذا الاتجاه أو ذاك. مشكلة مقولة المناهج الدراسية كمعين للعنف والتطرف هي أنها تجامل مقولات الولاياتالمتحدة والدولة العبرية التي لا تحب أن ترى الظروف الموضوعية التي تنتج الظاهرة، لأن ذلك يكلفها البحث في سياساتها التي صنعتها. والحال أن نظرية "المستنقع والبعوض" الاسرائيلية هي التي تتسيّد الموقف، وهي نظرية خطيرة تفضي إلى أن الإسلام هو "المستنقع" الذي لا بد من تجفيفه للنجاح في القضاء على البعوض. ما ينتج العنف والتطرف في الداخل هو العنف الرسمي والفساد والقمع واستهداف مظاهر التدين، أما العنف الموجه للخارج فينشأ على خلفية استهداف الدين والأمة من قبل قوة خارجية متغطرسة كما هو حال الولاياتالمتحدة والدولة العبرية. خلاصة القول هي أنهم قد يغيرون المناهج على النحو المطلوب، لكن ذلك لن يغير من واقع الحال شيئاً إذا بقيت الظروف الموضوعية المنتجة للظاهرة متوفرة، ولا حل إلا بتغيير تلك الظروف، أكان داخلياً أم خارجياً. ياسر الزعاترة