اعتادت واشنطن كلما تناولت حكاية الإرهاب أن توجه أصابع الاتهام إلى المناهج الدينية في العالم الإسلامي، متناسية شيئا آخر يهز مشاعر المسلمين، والعالم حتى، بالحقد والكراهية تجاه أمريكانفسها وما يسمي بإسراذيل، فهل المناهج الدينية هي منبع التهمة، كما ترى أمريكا؟ وهل مطلب التغيير هو مطلبنا أم مطلب أمريكا؟ منذ أحداث شتنبر 2001 وملف المناهج الدراسية مفتوح على جدل واسع تحت ظلال ضغوط أمريكية من أجل تطوير وتغيير المناهج الدراسية وخاصة مناهج التربية الإسلامية. والمسؤولون الأمريكيون يجاهرون بهذه المطالب. ويرون أن الإبقاء على تلك المناهج دون تغيير يولد مزيدا من مشاعر العداء لأمريكا ومعها إسراذيل، وبالتالي يرفضون وجودها في البلدان العربية والإسلامية، بل إن أوساطا غربية وأمريكية جريئة اقترحت ما هو أقبح وأخطر، يلمح بالتهم إلى القرآن الكريم. ويرى ملاحظون ومهتمون أن قضية المناهج في نظر (الأمريكيين) ما هي إلا جزء من أجندة أكبر بكثير تتضمن السعي إلى تغيير جذري في البنية الثقافية العربية والإسلامية لتغدو أكثر ليناً ووداعة في مواجهة توسع النفوذ الأمريكي. ولقد بلغت المطالب الأمريكية في الإلحاح على ضرورة حذف كل ما يخيف أمريكا وشرطيها في المنطقة العربية من رصيد روحي يصوغ روح المقاومة والممانعة ضدهما، حد أن أصبح الرأي العام يتحسس العصا والجزرة الأمريكية فوق رؤوس المؤتمرات واللقاءات العربية الرسمية المنعقدة لمراجعة كتب المناهج العربية لإملاء حذف بعض النصوص القرآنية أو النبوية أو لي عنقها! يحدث هذا في تجاهل، يدعمه الإصرار الأعمى، للأسباب الحقيقية الكامنة وراء ظاهرة التطرف في المسلمين، ولا أقول في الإسلام، والأسباب التي أصبحت لا تخفى على العالمين ومنهم معشر الأمريكيين أنفسهم. إن الإدارة الأمريكية تطرق الباب الخطأ وتخطئ تشخيص الهدف وتخطأ العلاج، وترتكب حماقة كبيرة في المطالبة بإلغاء آية قرآنية عن الجهاد والدفاع عن المقدسات أو درس في السيرة النبوية، وكأن الطالب الذي سيفتقد هذه الآية من كتب المناهج لن يجدها في المصحف، أو أن السيرة ستحذف من تاريخ الإسلام! ومن يظن أن ظاهرة ما يسمى بالإرهاب ستتلاشى بمثل هذه النوعية من السياسات الساذجة فهو غارق في بئر من الوهم لا قعر له. وإن المسؤولين في بلداننا الإسلامية يخطئون اليوم وهم يستجيبون للضغوطات والمطالب الأمريكية الخاطئة، لأن المناهج التعليمية بُنيت على ثوابت وأسس محددة طبقا لحاجة الأمة الإسلامية وطبقا لأسس هويتها وحياتها في الحياة الأولى والأخرى. إن ما يقع اليوم في المملكة العربية السعودية وفي الكويت وبلدان عربية وإسلامية أخرى، في ما يتعلق بمطلب تعديل المناهج وتغييرها هو بكل وضوح رضوخ لمطالب الولاياتالمتحدة. ولعل الردود المعارضة التي جاءت من 156 عالما بحر الأسبوع الماضي، بعد اختتام أشغال مؤتمر الحوار الوطني الثاني في مكةالمكرمة، والذي دعا ضمن توصياته العشرين لتغيير المناهج وتطويرها، تنبأ عن العمى الأمريكي الرسمي الذي بدأ يسوق معه بعض الأنظمة العربية والإسلامية إلى ما لا يحمد عقباه. بيد أن هذا الكلام لا يمنعنا ولا يجب أن ينسينا أن الحاجة ملحة لتغيير مناهج التعليم في السعودية وفي باقي دول العالم الإسلامي، كما يحدث في الدول المتقدمة الأخرى في العالم في مجالات معينة لضرورة مواكبة العصر، وهذه ضرورة عبر عنها الكثير من المثقفين والعلماء الغيورين سواء في المملكة العربية السعودية أو في غيرها، و طارق الحميد الكاتب السعودي واحد ممن علق بصحيفة المدينة في وقت سابق في الموضوع نفسه، فاعتبر أن الحاجة ملحة لتغيير مناهج التعليم في السعودية... غير أنه ليس من المنطقي أن نقوم بتغيير مناهجنا تلبية للأمريكيين لمجرد وجود سعوديين في الطائرات التي تم اختطافها في انفجارات 11 شتنبر .2001 إن الآيات القرآنية لن تتزحزح عن مواقعها في المصحف الكريم، وقصص السيرة النبوية ستبقى خالدة في التاريخ دون أن يتنازل عنها المسلمون. والحاصل أن إساءة فهم النصوص من قبل البعض أمر تصنعه ظروف القهر والإحباط والمظالم المتتابعة واستباحة الأوطان من أمريكا وغير أمريكا، بالإضافة إلى الحجر الذي تمارسه الأنظمة والحكومات في كثير من الدول الإسلامية على العمل الإسلامي الجاد ليقود مطلب تجديد الدين كما يرضاه الله والرسول وليسكما ترضاه المطالب الأمريكية. عبدالرحمان الهرتازي