نشرنا في حلقة ماضية من موضوع "ظاهرة الزواج المختلط في المغرب، مقاربة الكاتبة لطيفة شايل لشروط عقد الزواج المختلط وشكلياته القانونية، وفي حلقة اليوم تتعرض الأستاذة لأسباب نزاعات هذه الظاهرة وتنازع القوانين في معالجتها. ننشر هذا البحث القيم عن مجلة البحوث التي يديرها الأستاذ التهامي القائدي: يمكن إجمال أسباب النزاعات في الآتي: 1 إذا كان الهدف الأساسي من الزواج، بالنسبة لأحد طرفيه، هو مساعدته على الهجرة والحصول على وثائق الإقامة، فإن الزوج المستفيد، بمجرد حصوله على مبتغاه، يحاول التخلص من الزوج الأجنبي، ومن تبعات الزواج بأكمله، فإذا لم يجرؤ على مصارحة الطرف الآخر برغبته في الانفصال، لأنه لا يجد مبررا لذلك، فإنه يبدأ في خلق المشاكل بكل الوسائل لدفع الزوج الآخر إلى قبول الانفصال أو حتى المبادرة إلى طلبه دون أن يضع في اعتباره أن تصرفاته السيئة تتعداه هو شخصيا لتلصق بأبناء وطنه، بل ولتصبح صفة تلصق حتى بعقيدته، وبالتالي يصبح الشخص الذي لا يمثل إلا نفسه في بلده ممثلا لوطنه ودينه خارجه، فهل يفهم شبابنا ذلك؟ وإذا كان هذا الزواج قد أثمر أطفالا فإن المصيبة تكون أعظم وأفدح، فكيف يمكن للأبناء أن يغفروا للأب الظلم الذي لحق أمهم، واستغلاله لحسن نيتها للوصول إلى مآربه، بل واستغلالهم هم أيضا لتحقيق هدفه. 2 اختلاف العادات والتقاليد فيما يعتبر أمرا مسلما به للزوجة الأجنبية، قد يعتبره الزوج المغربي خارجا عن عاداته، والعرف الذي تربى عليه، ولا يمكنه القبول به، وأبسط مثال مساعدة الزوجة في القيام بأعمال البيت، والعناية بالأطفال والتي تعتبرها الزوجة الأجنبية من واجبات الزوجين معا، خصوصا بحكم عملهما معا خارج بيت الزوجية، في حين يعتبر الزوج مطالبته بها حطا من كرامته وانتقاصا من رجولته. وكذا فاستقبال الضيوف سواء من العائلة أو المعارف في كل وقت، والقيام بواجب الضيافة على أحسن وجه بالنسبة للزوج المغربي من المسلمات والواجبات، في حين أنه بالنسبة للزوجة الأجنبية فإن الزيارات لها أوقات وشكليات يجب احترامها، وإلا اعتبرت تطفلا على الحياة الخاصة للزوجين، ويجب وضع حد لها. 3 اختلاف الدين، ولئن كان الدين الإسلامي يبيح زواج المسلم بالكتابية نصرانية أو يهودية، وهذا مما سبقت الإشارة إليه، فإنه بحكم علمانية الغرب وتصريح الأغلبية بأنها لا تؤمن بأي دين، أصبحت تطرح إشكالية صحة استعمال هذه الرخصة في هاته الحالة من عدمها، وباعتبار أن الأبناء يتبعون دين آبائهم، فإنه يسعى إلى أن يغرس فيهم بعض المبادئ والقيم الإسلامية، فيواجه بالرفض الضمني أو الصريح للزوجة، التي إذا كانت كتابية تحاول أن تغرس فيهم تعاليم دينها، وإذا كانت علمانية، لا تؤمن بأي دين، تحاول غرس مبادئ الإلحاد فيهم، وفي أفضل الحالات، فإنها بحكم علمانيتها، ترى أن يترك الأبناء على "الفطرة" دون اعتناق أي دين إلى حين بلوغهم سن الرشد ليختاروا الدين الذي يناسبهم، وإذا ساير الزوج هذا المنطق، وبحكم أن الأبناء يعيشون بدولة أجنبية، فإنه يصعب أن يتعرفوا على الإسلام الصحيح ويتبعوه خصوصا وأن الأب نفسه لا تكون له دراية إلا بشكلياته. 4 وبحكم أن ما يتعلق بالأطفال كله سلسلة تتشابك حلقاتها، فإن تربيتهم حتى وإن لم تتعلق بتلقين مبادئ الدين الإسلامي، فإن ما نلقنه لهم نحن من ضرورة احترام الأبوين والأشخاص الأكبر سنا مثلا، قد يعتبر في التربية الغربية كبتا لمشاعر الطفل، وما نعتبره وقاحة وقلة حياء يعتبر عندهم حرية إبداء الرأي، وتكوين للشخصية القوية، والتعبير الصادق عما يحس به الطفل، غير أن الأب إذا تقبل تصرفات أبنائه على مضض في المهجر، فإنه عند حلوله بالمغرب يطالبهم، بما فيهم زوجته، بأن يكون سلوكهم مغربيا مائة في المائة وهو ما لا يتقبلونه، كما أن الأهل بالمغرب يصعب عليهم تقبل ما يعتبرونه سلوكا خارجا عن التقاليد والأعراف، مما يجعل الهوة تتسع بين أفراد العائلة، بدل أن تكون الزيارات فرصة للتقارب والاندماج. 5 كما أن أكبر مشكل قد يطرح خصوصا بالنسبة لطبقة المثقفين، الذين قد تضطرهم الظروف للزواج من أجنبية، عند انتهاء دراستهم ورغبتهم في العودة إلى المغرب للعمل وبناء مستقبلهم، هو أنهم يواجهون برفض الزوجة الأجنبية القاطع مغادرة وطنها والاستقرار بالمغرب (يتبع) 6 وحيث إنه أمام تعذر الوصول إلى حل بعض هذه المشاكل، نظرا لعدم إمكانية زحزحة أحد الأطراف أو كلاهما عن موقفه، فإنه وكأي زواج لا يوجد غير حل الانفصال، وإذا كان الزواج أثمر أطفالا فإن الوضعية تصبح كارثية بالنسبة لهم، فإن حربا مسعورة تشتعل بين الأبوين قد تنتقل رحاها من نطاق المحاكم إلى المجال الدبلوماسي. وحيث إنه في مثل هذه الحالات فإن القاضي الذي يعرض عليه النزاع، الذي يتضمن طرفا أجنبيا، وجب عليه تحديد القانون الواجب تطبيقه وفقا لقاعدة الإسناد الوطنية، إذا كان أحد الطرفين من مواطني البلد الذي عرض النزاع على قضائه، غير أنه ونظرا للتعديلات المتلاحقة التي تدخل على قاعدة الإسناد، فإنه مثلا ومنذ تاريخ 10 غشت 1981، وطبقا للاتفاقية المغربية الفرنسية، فإنه أصبح يقضي بتطبيق قانون الدولة التي يوجد فيها مواطن الزوجين أو كان يتوافران فيها على آخر موطن مشترك. وطبعا وبحكم أن المغاربة هم الذين ينتقلون للعيش في أوروبا ويعملون بها، فإن القانون الواجب التطبيق هو القانون الفرنسي، ويقاس على ذلك الاتفاقات التي أبرمت مع دول غربية أخرى، التي توجد بها جالية مغربية مهمة، وعليه فإنه حتى وإن انتقل الزوج المغربي للعيش في المغرب، ورفضت الزوجة الأجنبية الالتحاق به والعيش معه، فإن في حالة وجود نزاع بينهما، فإن القانون الأجنبي هو الذي يطبق حتى وإن رفعت الدعوى في المغرب. وقد طبقت مثلا المحاكم المغربية في حالة زوج مغربي وزوجة أجنبية طبقت القانون الوطني للزوج الدائن بالنفقة، وحكمت بالنفقة للمطلقة الفرنسية على الزوج المغربي، مع أن قانون أحواله الشخصية لا يقضي بها عند انحلال الرابطة الزوجية. ومجمل القول إن القانون الوطني الذي وقع عن طريق الطلاق هو المختص في النظر في تبعاته من نفقة وحضانة أيضا وتقسيم الأموال. (يتبع) شايل لطيفة