الجريمة تبقى جريمة، بغض النظر عن لغة من ارتكبها. فهي جريمة وتبقى جريمة، سواء كان من ارتكبها يتكلم العربية أو العبرية أو الفارسية أو الروسية أو الإنجليزية. والجريمة تبقى جريمة بغض النظر عن نسب من ارتكبها وعن قوميته وعن لونه وعن دينه وعن منصبه وعن رايته. فلا توجد جريمة فوق الإدانة وكأنها -رغم أنها جريمة- لا تقبل الإدانة. ولا يوجد مجرم فوق الإدانة، وكأنه -رغم أنه مجرم- لا يقبل الإدانة. ولا توجد جريمة قابلة أن نلتمس لها عذرًا، وكأن من ارتكبها -رغم أنه اقترف جريمة- إلا أن البعض يحاول أن يلتمس له عذرًا كيما يبرر جريمته. وعلى هذا الأساس لا يجوز في حال من الأحوال أن تصبح الجريمة وجهة نظر، ولا يجوز لكائن من كان منا أن يقول: هذه جريمة سوداء ملعونة، وتلك جريمة سوداء ولكن…، لأنهما ما دامتا جريمتين فكلتاهما ملعون، ولا يجوز لكائن من كان منا أن يلعن جريمة تارة، وأن يصفق لجريمة تارة أخرى، أو أن يرفض جريمة تارة، وأن يؤيد جريمة تارة أخرى، أو أن يتظاهر ضد جريمة تارة، وأن يتظاهر تضامنًا مع جريمة تارة أخرى، لأن مثل هذا الانفصام في التعاطي مع مبدأ رفض الجريمة وإجازة التلاعب به هو أقبح القبح، وهو الرقص على الجراح والمتاجرة بالدماء وتحقير الأرواح وإزهاق الكرامة، التي منحها الله تعالى لإنسانية الإنسان. وعلى هذا الأساس يحق لي أن أتساءل وأن أسجل هذه الملاحظات: 1. أكدنا طوال الوقت أننا نرفض خطاب تنظيم "داعش" التكفيري وممارسته الدموية. ونرى أنه عقبة في طريق المشروع الإسلامي. ولا يمكن أن يكون مشروعًا إسلاميًا، ولذلك أدنَّا كل جريمة اقترفها، سواء كانت في العراق أو سوريا أو في أي موقع آخر، وسواء كانت جريمة أوقعها على المسلمين أو على غيرهم، أو أوقعها على العرب أو على غيرهم، أو أوقعها على الفلسطينيين أو على غيرهم. وعلى هذا الأساس أدنا جريمة قتله لأهلنا الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وأدنا جريمة قتله لأهلنا السوريين في سوريا. وإلى جانب ذلك أكدنا إدانتنا الواضحة والصريحة لما لا يزال يقترفه بشار وشبيحته من جرائم قتل أهلنا الفلسطينيين والسوريين في كل سوريا، بما في ذلك مخيم اليرموك. ولكن العجب كل العجب أن يعجّل البعض من بني جلدتنا إدانة ما اقترفه تنظيم "داعش" من جرائم قتل أهلنا في مخيم اليرموك، وأن يواصل هؤلاء البعض إيجاد المبررات لما لا يزال يقترفه بشار وشبيحته من جرائم قتل أهلنا في مخيم اليرموك منذ أكثر من سنتين!! ولي أن أتساءل: لماذا سكت هؤلاء البعض – رغم قلتهم – على مدار سنتين عن جرائم بشار وشبيحته في مخيم اليرموك، وفجأة ثار هؤلاء البعض، وراحوا ينظمون المظاهرات والاعتصامات لإعلان رفضهم – فقط – لجرائم تنظيم "داعش" في مخيم اليرموك؟! أليست الجريمة تبقى جريمة، سواء اقترفها بشار وشبيحته أو "داعش"؟! ولماذا سكت هؤلاء البعض – رغم قلتهم – على مدار أربع سنوات عن جرائم بشار وشبيحته في كل سوريا، ولكنهم في المقابل أدانوا – فقط – جرائم "داعش" في كل سوريا؟! أليس قتل أهلنا في سوريا أو حتى قتل واحد منهم هو جريمة سوداء مدانة ومرفوضة سواء اقترفها بشار وشبيحته أو تنظيم "داعش"؟! أليس قتل أهلنا السوريين في سوريا هو جريمة كجريمة قتل أهلنا الفلسطينيين في سوريا؟! أوليست كرامة الروح الفلسطينية والدم الفلسطيني ككرامة الروح السورية والدم السوري؟! ولذلك يا لسفاهة هؤلاء البعض – رغم قلتهم – الذين يلعنون قاتل أهلنا السوريين والفلسطينيين في سوريا إذا كان هذا القاتل هو تنظيم "داعش"، ويصفقون له إذا كان هذا القاتل هو بشار وشبيحته!! وإن أخشى ما أخشاه أن هؤلاء البعض – رغم قلتهم – قد أغدقت الأموال عليهم حتى يؤدوا هذا الدور الممسوخ، وبذلك يكونون قد رضوا لأنفسهم -سواء أغدق عليهم البعض الأموال أو لم يغدق- أن يؤدوا دور الراقصين على جراح أهلنا السوريين والفلسطينيين في سوريا!! 2. كنا ولا زلنا نؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي باطل، وأنه إلى زوال، سواء سعى واهمًا إلى تهويد الضفة الغربية، أو لتهويد القدس المباركة، أو واصل حصاره لغزة العزة منذ قرابة العشر سنوات. وأكدنا -ولا زلنا نؤكد- أن كل ما اقترفته يداه هو جريمة سوداء ملعونة. وهذا يعني أن سعيه إلى تهويد الضفة الغربية هو جريمة سوداء ملعونة، وسعيه لتهويد القدس المباركة هو جريمة سوداء ملعونة، وسعيه لمواصلة حصار غزة العزة هو جريمة سوداء ملعونة. وعلى هذا الأساس وبنفس الاعتبار فإن إصرار السيسي وبلطجيته على مواصلة حصار غزة العزة هو جريمة سوداء ملعونة. وإن إصراره على مواصلة قتل واعتقال وتشريد أهلنا من الشعب المصري في مصر هو جريمة سوداء ملعونة، لأن حصار غزة العزة وخنق أنفاس أهلها حتى الموت هو جريمة، وتبقى جريمة سوداء ملعونة، سواء اقترفها الاحتلال الإسرائيلي الذي يتكلم اللغة العبرية، أو اقترفها السيسي وبلطجيته الذين يتكلمون اللغة العربية!! وإن حصار غزة العزة الذي يفرضه اليوم السيسي وبلطجيته هو جريمة كجريمة مواصلة السيسي وبلطجيته قتل واعتقال وتشريد أهلنا الشعب المصري. فلا فرق بين دم فلسطيني ودم مصري، ولا فرق بين روح فلسطينية وروح مصرية، ولا فرق بين نفس فلسطينية ونفس مصرية، فكلاهما سواء، وكلاهما سواسية كأسنان المشط، ومن آذى قطرة دم منها أو روحا أو نفسا؛ سواء كانت فلسطينية أو مصرية، فكأنما آذى كل الشعب الفلسطيني وكل الشعب المصري، والأذى الذي اقترفته يداه يبقى جريمة سوداء سواء اقترفها على حدود غزة العزة المحاصرة، أو أوقعها على أطفال سيناء ونسائها وشيوخها أو ارتكبها في القاهرة أو الإسكندرية أو على الحدود ما بين مصر والسودان!! ولذلك العجب كل العجب من أي مسلم أو عربي بعامة، ومن أي مصري أو فلسطيني بخاصة يحاول أن يَدَّعي أن حصار الاحتلال الإسرائيلي لغزة العزة هو الجريمة فقط، أما حصار السيسي لغزة العزة فهو أمر آخر!! نعم! العجب كل العجب لهذا القول الصفيق. بل حصار الاحتلال الإسرائيلي لغزة جريمة في حق الإنسانية، وحصار السيسي لغزة العزة جريمة في حق الإنسانية!! والعجب كل العجب من كل من يحاول أن يَدَّعي أن حصار السيسي لغزة العزة هو جريمة، أما قتله واعتقاله وتشريده للشعب المصري فهو أمر آخر!! نعم العجب كل العجب لهذا القول القبيح، بل إن حصاره لغزة العزة هو جريمة في حق الإنسانية، وقتله واعتقاله وتشريده للشعب المصري هو جريمة في حق الإنسانية. 3. وعلى هذا الأساس لا يوجد أي شخص، أو أي حزب، أو أي نظام، يمتلك امتيازًا خاصًا يخوِّله أن يقترف جريمة بعد جريمة ويبقى مُنَزَّهًا من تبعات هذه الجرائم. ولذلك فإن إيران، وإن حاولت أن تتغنى طوال الوقت وتردد (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل)، لتقترف اليوم جريمة سوداء ملعونة في حق أهلنا العراقيين في العراق، والسوريين في سوريا واليمنيين في اليمن، وإن "حزب الله" اليوم، وإن سجل لنفسه صفحات مقاومة للاحتلال الإسرائيلي في الماضي، ليقترف جريمة سوداء ملعونة في حق أهلنا السوريين والفلسطينيين في سوريا