بعد القرار الوزاري المحدث لشعبة الدراسات الإسلامية، وانطلاق عملها في أكتوبر 1980، وتجاوز مرحلة العراقيل والصعوبات، يكشف الأستاذ بلبشير الحسني في هذه الحلقة عن أهم منجزاتها من ندوات ولقاءات علمية، مبرزا في الوقت نفسه بعض أهم مظاهر التنسيق مع العديد من الشعب الأخرى بما فيها الشعب العلمية. وحرصا من الأستاذ بلبشير على إبراز الوجه الشمولي للإسلام معاملة وفكرا وحضارة وغير ذلك مما له صلة بالحياة الإنسانية، ولذلك تأسست بعض الجمعيات التي تخدم هذا التوجه. س لاشك اعترضتكم بعض المشاكل بعد انطلاق عمل الشعبة، أليس كذلك؟ ج عند بدايتنا لم تكن لدينا أطر، حيث أسندت مادة الحديث النبوي للسيد مصطفى بن حمزة الذي كان يأتى من وجدة ليدرسه، وأسندت مادة اللغة العربية للشاعر مولاي علي الصقلي، بينما أسندت مادة الفكر الإسلامي للأستاذ عابد الجابري، وهذا جانب من الصعوبات، وقد كنا نفتش عن أطر تساعدنا، في البداية فاستدعينا عددا من الأساتذة في اللغة العربية والتاريخ من المشرق. وهنا أود أن أسجل ملاحظة، ذلك أننا لما وضعنا برنامج الإجازة وضعناه وفقا لتصور اقتنعنا به، وهو إعطاء حصة الأسد للعلوم الشرعية من قرآن، وحديث وفقه وغيرها، ولكن أيضا إعطاء حصة لا بأس بها للفكر الإسلامي والفلسفة، و تاريخ الأديان، وإطلالة على اللغات الأجنبية والشرقية: الفارسية، والعبرية، والتركية وأضفنا لها الأوردية والاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع، وكل ذلك من منظور إسلامي. إنها مواد كثيرة لكن ممتدة على مدى أربع سنوات. وبعد ثلاث أو أربع سنوات من التطبيق ، تبين أنه لابد من إدخال بعض التعديلات والتغييرات على المواد المدرسة وعلى طبيعة الامتحانات. ولكن رغم اجتماعاتنا المتكررة مع مسؤولي الوزارة الوصية، والمراسلات المتعدد، لم نتوصل من الوزارة بقبول طلباتنا. س ما أهم الاعتراضات على إنشاء شعبة الدراسات الإسلامية آنذاك؟ عند إنشاء شعبة الدراسات الإسلامية قامت معارضة قوية، فمن جهتها اعتبرت شعبة الفلسفة أن إنشاء شعبة مثل هذه يعتبر جمودا وتخلفا، أما شعبة اللغة العربية وآدابها فساءلني أساتذتها في الأمر، بل أرادوا " محاكمتي" حول سبب وجود هذه الشعبة الجديدة ولماذا لا تكون تابعة للغة العربية بهذه الشعبة المستجدة. س: ما كان رد فع شعبة الفلسفة بالتحديد؟ ج: أعتقد أنه وقع خطأ في موضوع الفلسفة، ذلك أن السيد عز الدين العراقي عندما بعث مذكرة إنشاء الدراسات الإسلامية أمر في الوقت نفسه بوقف عملية التسجيل في هذه شعبة الفلسفة، وما كنت لأوافقه، فأنا دَرَسْت الفلسفة، وشاركت مرتين بطلب الوزير في ذلك الوقت في وضع برنامج كتاب الفلسفة والفكر الإسلامي بتعاون مع أحد الأساتذة الكبار هو سامي النشار رحمه الله. والمهم أن أساتذة الفلسفة اعتبروا أنفسهم أصحاب الفكر التقدمي واستغربوا كيف يتم تعويض مادتهم ب"مادة رجعية جامدة"، فعارضوا وقاوموا بكل ما في وسعهم ، وفي كل المناسبات التي تيسرت لهم. لكن بعض الأساتذة كانوا يمدون الجسور بين الشعبتين ويضيفون رصيدا مهما للشعبة الناشئة مثال المهدي بن عبود رحمه الله الذي كان يُدَرس علم النفس بشعبة الفلسفة، كما حاضر عندنا الأستاذ سامي النشار حيث تجشم معنا ذاك العبء. س وكيف استطعتم الصمود أمام المعارضة القوية لمشروعكم؟ ج مما مكن الشعبة من فرض نفسها بكلية الآداب ما عقدناه من ندوات سنوية بتعاون مع كليات أخرى ككليات العلوم والاقتصاد والقانون والطب في إطار تدعيم تصورنا لشمولية الدراسات الإسلامية بالتأكيد على جانبي الفكر والحضارة. ثم إن المدرسة الفكرية التي كنا ننافح عنها باعتبار أن الإسلام ليس دينا فقط، بل فكرا وحضارة أيضا. وذلك لأنه خاتم الأديان. ولأن القرآن هو المعجزة الدائمة، فإن حججنا كانت قوية في أيدنا، ولأن المسلمين تركوا حضارة كبرى بارزة، يجب إبرازها وليس طمسها. وبالرجوع إلى القرآن الذي هو عبارة عن ذخيرة لا تنفذ، في المجال الفكري وأسس الحضارة نفسها، كل ذلك وغيره كثير جعل عناصر القوة في الدفاع عن البعد الحضاري للإسلام لدينا قوية، وشكل ذلك مدرسة فكرية تمتاز بها بلادنا، ونأمل أن يتابع أساتذة الدراسات الإسلامية في مختلف شعبها بكل حماس هذا المنهج لتقوية هذه المدرسة الفكرية. ولئن كان بعض أساتذة الدراسات الإسلامية قد انطووا على أنفسهم، فقد نوقش الكثير من رسائل الدراسات العليا والدكتوراه في عدد من المدن الجامعية المغربية، ونظم الكثير من اللقاءات والندوات في مختلف شعبها، وبدأ كثير من الأساتذة المتخرجين إما بطبع رسائلهم أو كتابة مؤلفات أو مقالات نشرت في مجلات عالمية. ولذلك يمكن أن نقول إن شعبة الدراسات الإسلامية قد أعطت ثمارها الأولى وبدأت تؤدي خدماتها لمصلحة البلاد والإسلام. س قمتم بالعديد من الأنشطة في إطار شعبة الدراسات الإسلامية، هل تقدمون لنا نماذج منها؟ ج أشير إلى أنه كان علينا أن نجد وسائل أخرى بالإضافة للبرنامج الأصلي للإجازة، لتوطيد هذا التوجه في الدراسات الإسلامية أي دراسة الإسلام في كليته وشموليته، فشرعنا في تنظيم مجموعة من الندوات السنوية على أساس مد جسور علمية بين شعبة الدراسات وأساتذتها وأساتذة شعبة الاقتصاد في كلية الحقوق ومع بعض أساتذة كلية العلوم وكذلك مع بعض الأساتذة المتخصصين في التربية والعلوم الإنسانية والاجتماعية. ونظمنا عدة ندوات أذكر منها على الخصوص الندوة الأولى مع أساتذة من كلية العلوم بالرباط وفاس والقنيطرة وكان موضوعها الإسلام وأحدث التطورات في علوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، ومع كل هذه الندوات تتم إقامة معرض كتب و مخطوطات متعلقة بالموضوع. وكذلك نظمت ندوات مع كلية الطب أولاها عن الإسلام والقضايا الصحية، والثانية عن الإسلام والعلوم السلوكية. وشارك في الندوة الثالثة بالإضافة إلى أساتذة الدراسات الإسلامية أساتذة من كلية الطب بالرباط والدارالبيضاء، كما شارك أساتذة متخصصون في التربية من كلية علوم التربية وكذلك من شعبتي علم الاجتماع وعلم النفس بالرباط وفاس. ونظمت أنشطة متعددة مع كلية الطب من بينها حلقات بحث ودراسة، طيلة السنة الدراسية، بين أساتذة من شعبة الدراسات الإسلامية وأطباء على أساس برنامج وضع لسنة جامعية كلها، حول قضايا طبية ذات بعد شرعي مثل قضية الإجهاض، وزرع الأعضاء، وإنقاذ أو عدم إنقاذ مريض في حالة ميؤوس منها، وغيرها من القضايا ذات الانعكاس الشرعي. وهذه الجلسات كانت تعقد بكلية الآداب بحضور مجموعة من الأساتذة من الطرفين وكذا طلبة من الدراسات الإسلامية العليا، وتوبعت هذه الاتصالات بين التخصصين أسفرت عن تكوين جمعية علمية تحت اسم " ملتقى العلوم والمجتمع " والتي لها لجان متعددة في المجالات المختلفة الجامعية الكبرى: العلوم الإنسانية، والطب، والعلوم التجريبية، والبيئة، والعلوم القانونية. وتبقى أنشط لجان هذه الجمعية هي التي قامت بذاك النشاط الطبي بالتنسيق مع إخواننا في الدراسات الإسلامية، ثم بعد ذلك نظمت ندوة كبرى في موضوع " الزكاة " شارك فيها العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله، والبنك الإسلامي للتنمية، وامتازت بالخصوص بوجود تحاور بين فقهاء ورجال اقتصاد أكاديميين ورجال أعمال وتوجت بمائدة مستديرة حول المواضيع التي تدعو إليها في المجال الاقتصادي والتجاري بشكل كبير. وتليت هذه الندوة بندوات أخرى كان موضوعها القرآن الكريم وقضايا مختلفة، وكل هذا كان بهدف التأكيد على أن للإسلام كلمته في العلوم الإنسانية والطبية. وكل ما يرتبط بالإنسان له صلة وثيقة بالمنظور الإسلامي. وبعد تنظيم مجموعة من هذه الندوات ، فكرنا في وسيلة لمواصلة هذا العمل، فالندوة بعد انتهاء أشغالها قد يطويها النسيان، وقد تنشر أعمالها أو لا تنشر، ولذلك فقد نشرت بعض أعمال هذه الندوات وأخرى للأسف لم تنشر. س أسستم بالموازاة عدة جمعيات تصب كلها في خدمة المدرسة الفكرية التي تدعون لها؟ ج كنا نأمل، لو استطعنا، تأسيس معهد للبحوث الإسلامية يجمع هذا الشتات ويتبع هذا التوجه، لكن إلى حد الآن لم ننجح في ذلك ومازالت المحاولات مستمرة، ونرجو الله تعالى أن يوفقنا إلى بلوغ مقصدنا، ولما لم نتمكن من ذلك توجهنا نحو إنشاء جمعيات علمية إلى حين إنشاء هذا المعهد، وكانت أولى تلك الجمعيات هي جمعية الدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي، تجمع بين متخصصين من الفقه والاقتصاد الإسلامي وتركز هذه الجمعية على ربط الاتصال بالبنك الإسلامي للتنمية، كما توجهت من ذي قبل نحو عدد من الأبناك المغربية لإحداث شبابيك إسلامية أو معاملات لا ربوية، وكادت أن تنجح في ذلك بعد أن تبين للجميع أنها جمعية تتميز بالجدية والإيمان العميق بضرورة إنجاح موضوع المعاملة على أساس الاقتصاد الإسلامي، ونظمت ندوات عديدة من بينها ندوة دولية أقيمت منذ ثلاث سنوات في الدارالبيضاء ضمت مجموعة متميزة من علماء الإسلام، وتعاونت أيضا مع جمعية أخرى متميزة من علماء الإسلام ، تعاونت أيضا مع جمعية أخرى أنشأت بعد ندوة الزكاة وهي جمعية الدراسات والبحوث في ركن الزكاة، وكانت حاضرة في ندوة الدارالبيضاء. والمهم الآن هو أن حضور الإسلام أصبح معتبرا، سواء من الناحية النظرية في مجالات الدراسة الجامعية المختلفة والدراسات الإسلامية، أو من الناحية التطبيقية على أرض الواقع بفعل هذه الندوات والاتصالات بين المتخصصين من الفقه والاقتصاد الإسلامي، وكذلك بالتعاون مع عدد من المجموعات التمويلية العربية الإسلامية المشهورة. وبعد إنشاء جمعية أخرى تدعى " جمعية ملتقى العلوم والمجتمع " وهي تجمع كل هذه التوجهات وتحاول أن تقرب بين مختلف الأنشطة العلمية وبين حاجة الواقع ولهذا اخترنا لها هذا العنوان وتأسست منذ سنوات، قامت بنشاط مهم على مستوى اللقاءات والمحاضرات والأيام الدراسية ،وهي التي كونت اللجان التي تحدثنا عنها منذ قليل، وقد أَنْشأَت منذ شهور قلائل هيئة علمية من أساتذة بمختلف التخصصات ، كما نجد في مكتبها المسير أساتذة من الدراسات الإسلامية، والقانونية، والطبية، والإنسانية والبحثة. وهذه هي المجالات الأساسية التي يوجد بينها تواصل، يضاف إلى ذلك أن هذه الجمعية منكبة الآن على موضوعين عامين، يتعلق الأول بكيفية استثمار النظام الجديد لإصلاح التعليم العالي، خاصة ما يتعلق بالمسالك والوحدات البحثية الموجودة حاليا، وهي تبحث الآن عن وسيلة لخلق هذا التعاون، والبحث عن وحدات يشترك فيها أساتذة للدراسات الإسلامية مع متخصصين من دراسات جامعية أخرى دائما في إطار مشروع إصلاح التعليم العالي، وحقيقة ما يشجعنا في هذه النقطة أن كثيرا من طلبتنا حضروا رسائل دراسات عليا ودكتوراه لها صلة بهذا الموضوع ومن بينها على الخصوص موضوع السنن، فقد ناقش ما لا يقل عن أربعة طلبة موضوع السن الذي يجمع بين مواقف الإسلام ومواقف أخرى متعدد، ومن شأن موضوع كهذا أن يسهم في إغناء التواصل بين الدراسات الإسلامية والدراسات الجامعية الأخرى. أما الموضوع الثاني فهو محاولة إحداث مجلة باللغتين العربية والفرنسية يشارك في كتابة مقالاتها وبحوثها أساتذة من مختلف الجهات العلمية التي ذكرت.