كان طلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية على موعد مع الداعية فاطمة النجار في محاضرة بموضوع "مقاصد الصوم"، وذلك في إطار الأيام الرمضانية التي نظمها فصيل الوحدة والتواصل، حيث أكدت على ضرورة إدراك مقاصد الصيام، والبحث عنها من خلال بناء ثقافة الصلح في علاقة الإنسان الممتدة مع نفسه، ومع ربه، ومع مجتمعه، ثم مع زمانه، ومع الكون. بعد التذكير بأن هذا الشهر الكريم هو نعمة عظيمة ومنحة ربانية متجددة عبر مسيرة عمر الإنسان كله، والتي ستلاقيه كل سنة حتى يلقى الله عز وجل، افتتحت فاطمة النجار المحاضرة بقولها عن هذه المنحة الربانية: "وهي تلاقيك قد تكبر الغفلات وقد تقل، وقد تدخل هذا الشهر غافلا، قد تكون قد غفلت في الشهر المنصرم، واستيقظت نوعا ما في نهذا لاشهر، لكنك ستلاقيه دوما على حقيقة يجب ألا تغفل عنها، سيلاقيك كل عام، فأين المهرب من رمضان؟ ومن أجوائه ووسائله؟، فكل سنة لك موعد تتلاقى فيه مع الحقيقة الهائلة، وهي أنك وأن مشروع عمرك طهر وارتقاء، وأن مشروع عمرك سلام واستسلام لله عز وجل، وكل سنة يأتي رمضان ليعلمني وإياك هذه الحقيقة...، وأنك خلقت لترقى لا لتشقى (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى). ولذلك تتابع المحاضرة حديثها سيلاقينا هذا الشهر، فيفضح الغرور، ويفضح الشرور، ويفضح الهروب من التواب، فإلى أين المفر من الصواب ومن الحق الذي هو سار في أعماق أعماقنا. وإذا كان الآذان بتعبير الدكتور فريد الأنصاري فاضح ظالم، حينما ينادي المنادي عند مطلع كل فجر "حي على الفلاح" يفضي ظلام قوم، وشتان بين ليل القاطعين وليل العاقلين، وبين ليل من أيقظ مداركه على حقيقة هذا الوجود ورحل إلى الله بأنوار، وبين من أصبح معربدا أو سكرانا، فإن رمضان فاضح أيام بتعبير فاطمة النجار ، أي أنه فاضح الزور من النور، فاضح أيام 11 شهرا، كيف قطعت أوراقها؟ فهل هي أعمار أو دمار؟ هل كانت علما وتثقيفا وتقوى وبناء وصلاة؟ أم هدرا وضياعا ولعبا وعبثا؟ وتبعا لذلك ترى المحاضرة ظ أن البحث عن مقاصد الصوم ضرورة، لتتعلق القلوب بهذا الشهر، حتى نصومه كما يريد ربنا، فهو سبحانه لا يريدنا أشباه أو أشباح قادمين، وإنما يريد من يمشي إلى رمضان بقلبه والأشكال التي لا تحمل حقائق هي زور (ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). فما العبرة إذا من صيام البطون، والعهد مع الله منقطع؟.. وبهذا التصور حسب المحاضرة أصبحنا نرى في زماننا، من منا كل له صومه، ومنا من كل له رمضانه، ومن كل عنده يقظته الخاصة، بل ومنا من يصوم رمضان كله وله إحساس واحد، وهو قتل الجوع والبحث عن أين سيتلهى عن سوطه، وحين يفطر يبحث عن أين سيتلهى عن نداءات صلاة وقيام...، فيعيش الزور وهو صائم، زور الحقائق، فيأتي إلى ربه بقلبه، وإنما بجوع ما أغنى ولا أسمن عن إدراك حقيقة الصيام. وتوضح فاطمة النجار أن الغاية من تشريع الله سبحانه موتعالى لنا في كتابه سؤال الكيف، هي أن نستريح إلى تعاليمه وإلى تشريعه، نستريح ونحن قادمون إلى الصلاة، ونحن قادمون إلى الصيام...، لا يريدنا أن نأتي ونحن مكرهين أو كارهين، تقول في هذا الشأن: "الله لا يريدك أن تؤمن به إيمان غباء موإيمان جهل وتبعية، (هذا ما وجدنا عليه آباءنا)، ولكن ابحث (قال أولم تومن، قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي) ذلك أن الله سبحانه وتعالى حينما شرع الفرائض، حدد في كثير من الآىات أنه لا يريد منا إلا شيئا واحدا هو القلوب، لأنها محط إدراكنا ومحط إحساسنا، ومحط التغيير فينا (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، والتقوى كما يؤكدها حديث سرسول الله >التقوى ها هنا< أي نتقي الله من محل القلب. وإذا كانت التقوى كما لخصها الدكتور أحمد الأبيض، بأنها الوعي الحاد بالعالم، فمن المطلوب كما تشدد على ذلك النجار أن نعي وطبيعة الطريق الذي نمشي فيه، من نحن؟ وما المطلوب منا؟ لندرك هذه الحقيقة ولنتقي الابتعاد عن معالم طريقنا ونتوه مع الذين تاهوا في فلسفات مخربة..، وإنما شرع السؤال لكي ندرك ثقافة المقاصد. وتأسيسا على ما سبق ذكره تلخص المحاضرة مقاصد الصوم وتجلياته: 1 في علاقتك بنفسك: فالصوم جاء لكي يصنع منك الإنسان المطلوب، مخلوق متميز في كون الله، حاجتك إلى السماء وإلى العلا، فقط المكان الذي تنحني فيه هو خضوعك لله عز وجل حين السجود، ثم إن أدوارك متميزة فيها ريادة وخلافة واستخلاف، وجعل لك هذا الشهر فضاء يحرك بقايا الإيمان فيك، لترتقي آخر مذرة من قلبك وكرمك من أجل عنصرين متلازمين الطين والروح، وأي اختلال فيهما خسارة، لكن قتل الدنيا يستدرك، أما قتل الروح فهو أخطر، وحين تصبح الشهوات والنزوات هي المحرك والدافع يضيع هذا المخلوق لذلك تؤكد النجار أن رمضان جاء لتستيقظ أنت كؤنسان وكعقل وككيان متكامل لا يجب أن يعيش هذا الانشطار. 2 في علاقتك بخالقك: نسجت وفي كيانك فطرة تعرف أن كل شيء لله (،ما بكم من نعمة فمن الله، فإذا مسكم الضر فإليك تجأرون)، رغبة في الله قوية ولكن ران عليها الكسب البشري، لذلك تضيف المحاضرة ظ فإن هذا الشهر جاء ثورة على كل ما يجعلك خصيم مولاك، ويفتح لك باب أن ما يخطئك في المستقبل أمرين: النسيان والإعراض. والقاعدة الربانية تقول (نسوا الله فأنساهم أنفسهم)، (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) ورمضان جاء للصلح مع الله، فأوله رحمة من التيه، وثانيه مغفرة، وآخره عتق من مسببات جهنك، وها هنا تضيف النجار يفتح لك بيت الله، والمساجد بانية الرجال، فهو محطة للنقاء والارتقاء، وهذه البشرى >بشر المشائين في الظلم إلى نور الله بالنور الكامل يوم القيامة< ويعلمك أن القرآن مدرسة الجود ويفتح له باب القيام، ولا يقوم الليل إلا الأحرار، وفي التراويح تدريب أقدام أن تقوم للحرية، إذ هي تعلمك صناعة الوقوف، فأزمتنا اليوم هي أزمة ارتخاء وارتكان وعجز، وجاء رمضان ليضع فينا فعل الأحرار في ركضهم وقيامهم وفعلهم وعلمهم... 3 في علاقتك بمجتمعك: صلح مع المجتمع في كل امتداده، وقاعدة العلاقات فيه: أن يوجهك ضميرك لا أفعالك، وأكبر صلح هنا يجب أن يكون مع الوالدين، اطلب رضاهم، اعط قدم لكي تأخذ المقابل، لكما تدين تدان، عندما تقول يا رب ارحم الذي فات، فأنت تؤسس للقادم فيرحمك، وإلا سيقطعك كما قطعت حبلك، ورمضان جاء ليبني سلوكاتنا وضمائرنا. 4 في علاقتك بزمانك: فبالحفاظ على الوقت تقول النجار ابتي عمرك، وجاء رمضان لكي تتعلم أن تأتي في زمانك ومع الوقت، بل والتبكير فيه، فإن "في السحور بركة"، بركة في الأرزاق والأعمار، وطالب المطامح والمطالع يأتي مع السحور، وتتابع إذا أفطرت قبل الوقت ضاع يومك، وإذا تسحرت بعد الوقت ضاع يومك، ورمضام جاء لترقى إلى مستوى التعامل مع الوقت عمارا وبناء، وأنسا وسكينة، فتعال في الوقت تشعر بالأمان. 5 في علاقتك مع كونك: فالليل والنهار مطيتان، هما عمرك، جدواك، أوراقك، تفاعل مع الكون >إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار<. يريدك الله أن ترعى آياته في هذا الكون ويعلمك أن تحسب أعمارك، وأن تبحث عن زمانك، وتتطلع إليه، وليلة القدر قادمة تضيف النجار فابحثوا وتحروا أقدار الخير فيها. وتختم المحاضرة موضوعها بكلمة حارة إلى الشباب خاصة تشدد فيها على أنه >يجب الإقبال على الحياة بنظام لا بفوضى، وبتحد لا بشقاوة، وبروح لا بشهوات، لقد جاء الحق من رمضان لعلكم تتقون، والتقوى هي الحذر الدائم، والمخاطر في وجه الشباب كثيرة، كثيرة، فطوبى لشاب نشأ ي عبادة الله، وطوبى لشاب قطع هذه المعوقات، وارتحل ليلقى الله<. عزيزة الزعلي