يعتبر شهر رمضان شهر عبادة وطلب المغفرة بالدرجة الأولى، وهو شهر ذو ميزة خاصة لدى المسلمين.. لكنه لم يكن يخلو من عادات وتقاليد ترسمها طقوس دأبت عليها الأسرة المغربية أثناء استقبال هذا الشهر العظيم.. وكلها طقوس أضحت راسخة تحكمت فيها الثقافة الشعبية لإنسان المنطقة الشرقية من المملكة، تتمثل في نوع اللّباس، ونظام الأكل، وتزيين البيوت وتحضير ما هو ألذ من الحلويات والأكلات والشهيوات وغيرها.. لكن ومع مرور الزمن والسنين بدأنا نفتقد مثل هذه المميزات التي تميّز شهر الصيام عن أشهر السنة الأخرى.. ومن خلال حديث بعض ربّات البيوت سنتعرف على التقاليد والعادات التي أصبحت في عداد الإنقراض وحلّت بدلا منها عادات دخيلة.. > شهيرة كروط 38 سنة، ربة بيت وأستاذة التعليم: ما يميز شهر رمضان هو الشعور بالخشوع والإيمان والرغبة في إدراك أجر الصيام بحيث تنهمر دموعي كلما حلّ شهر رمضان المبارك رثاء لما افتقدناه من طقوس عريقة تخلد لشهر الصيام والعبادة والحس الديني الخالص.. وبالنسبة لي، كلما حل هذا الشهر الكريم أحمد الله الذي مكنني قوة التمييز بين الخير والشر، لا أدع عاطفتي تؤثر على ملذات الحياة، وأحب أن أكون قوية لمواجهة المصاعب.. فلم تعدْ تظهر تلك النسمة العميقة لرمضان كالتقاء الأهل والأحباب والأصدقاء بالبيوت، وخاصة ذلك الجو النسائي المرح، ومن خلاله تحيي النساء ليلة «الفقارات» بقدوم شهر التوبة والغفران، حيث كان هناك اعتقادات شتى.. كما كانت سابقا فرق فلكلورية وأخرى ملتزمة تجوب الأحياء والدواوير مباشرة بعد صلاة التراويح، وأين هي عادات النفّار التي كانت تروّع الأزقة والدّروب طيلة ليالي رمضان، أين هي «الغايطة» رمز الاحتفال بالشهرالعظيم؟ أما مائدة الإفطار، فلم تعد كما كانت بالأمس القريب، يطبعها ما كانت تعدّه ربة البيت بيدها، كخبز المطلوع من دقيق القمح الطري، والبغرير المذهون بزيت الزيتون، والفطائر التي كانت تروى بالعسل الحرّ والسمن البلدي، وهي الأخرى كانت تساعد الصائم على الصبر على الصوم حتى أذان صلاة المغرب وموعد الإفطار! كل ذلك أصبح اليوم يعرض بالأسواق مثل البطاطا والطماطم، لكن تبقى سيدة مائدة الإفطار «الحريرة» > أما السيدة عائشة ع.ممرّضة وربة بيت فتقول بدوورها عن أجواء السحور: «إن السنة النبوية خصّته بوصف البركة، حيث قال الرسول الكريم (ص) (تسحروا فإن في السحور بركة) وقد حثّ الرسول العظيم على تأخير السحور.. فلم يعد يذكرني عصرنا إلا قليلا،حيث تتسحر معظم الأسر منتصف الليل أو بعده بقليل!.. بالأمس كانت ربة البيت تحضّر «المطلوع» والجبن البلدي وأحيانا الشاي والفطائر المذهونة بالسمن البلدي، وتعد ذلك وجبة للسحور، أما اليوم، فتتنوع المائدة وتكثر الأسر من الأكل إلى حد الثخمة، ليصبح الإنسان خلال الغد منتفخا عطشنا، غير قادر على العمل ومواصلة الصيام..! فيا حسرتاه!» > السيدة فاطمة ع. ربة بيت وأستاذة، تقول بدورها متنفسة الصعداء: «يا ليت عادات وتقاليد أجدادنا الرمضانية تعود، لأن فيها «البركة» كانت الأجواء الرمضانية تختلف حسب ثقافة القبائل بالمنطقة الشرقية.. يعدّون أيام رمضان ويخصّصون لكل يوم مناسبته من أول الشهر إلى منتصفه (النفقة) ثم ليلة القدر، ليلة العبادة والتصدق على الفقراء والمحتاجين، ونقش الحناء للبنات والنساء المسنّات، ثم يوم العيد الذي يحل بأفراحه ومسرّاته ولقاء الأحياء وصلة الرحم.. تلك كانت طقوسنا الرمضانية..