أصيب ذهولي بالذهول أمام حوادث العبث بالمال العام والاختلاسات المطردة، واستخدام النفوذ لحيازة قروض دون تسديدها... لم يكن يخطر على بال المواطن البسيط الذي يعد ملاليمه ويدعو لها بطول العمر لتبلغ نهاية الشهر وماهي ببالغته إلا بربط الحجر على البطن... وصوم الاثنين والخميس وأكل الكسكس في المساجد وزيارة الأحباب السبت والأحد، والتهام الفول والعدس بقية أيام الأسبوع لم يكن يتصور أن في البلد حيتانا وأسماك قرش لا ينجو من فكيها قرش. ويعتمل الذهول بداخلي ليتحول غضبا وغصة على إمكان التنمية المغدور. ويكاد يقين الحب للوطن بداخلي يغادرني فيصيح صوت عنيد بالأعماق: ولي وطن يُجَوِّعني فأطعمه شراييني فيهتف آخر هازئا: أطعمه ما شئت من لحمك ودمك فلن ينجيه ذلك من فقر الدم.. واستحضرت النكت الشعبية التي تحدثت بحدس ما يجري وما سيجري، ومررت شريط سخريتها فألفيتها تختزن قدرة استشرافية غريبة، ولكن من يصغى للحقيقة متسكعة بنبض السخرية في شرايين الجد! من! تحكي الحكمة المقهقهة أن لقاء ضم مسؤولين كبارا من كل أصقاع الدنيا ليعرض كل واحد أساليبه البارعة في أكل المال العام. وبعدما عرض أهل أوربا حيلهم الذكية في الاستيلاء على العمولات دون أن يتركوا وراءهم ما يشير إليهم، قام مسؤول مغربي مختالا ضاحكا من بساطة ما يفعلوا! لا أذكر اسمه وطلب منهم أن يرافقوه ليروا إنجازه على الطبيعة، فاستغربوا أن يكون الأمر مفضوحا بهذا الشكل، ولما بلغوا ثلة قام واقفا وأشار بسبابته إلى مكان بعيد فيه نهر به خيط ماء يذكر بنعمة كانت جارية بالأمس. وقال: انظروا هناك، أرأيتم تلك القنطرة! فدقق علية الأرض النظر فلم يظفروا برؤية الجسر. فاستفسروا أين؟ فعاد يشير فقالوا باجماع: لا قنطرة هناك أيها المحترم! فتبسم بخبث مسؤول ماكر وقال: القنطرة التي هناك، إنها هنا وأشار إلى جيبه المتورم، ثم أومأ إليها في التصميم: وهاهي في الأوراق!! تختزل هذه الضحكة الباكية المأساة. علية قومنا يلغون في مالنا، ولا يعنيهم أن يخفوا ما ابتلوا به. يجترحون هذه المنكرات على حساب شعب يتضور جوعا... وشبابه يحتج لانتزاع لقمة عصية، ويركب الأمواج ليبلغ ضفة تكرهنا. وفي أرضه قوارنة صادروا الاخضرار في إقامات السحت! وتماسيح تتمطى في شموس الشواطئ المصادرة... تبتلع البر والبحر وتتجشأ لحومنا المفرومة. هاهي روائح النهب تنبعث من الأشداق كريهة... وهاهي التماسيح تتألم؟ أضراسها ونواجدها تسوست من كثرة "الحلاوة" لا دواء لك، إلا أن يقلع الشعب الطبيب داءك. فافتحي كهوفك المنتنة للشمس ودعي طيور الوطن تقلع أضراسك لتصيري أليفة، ولا تطعمي بعد اليوم لحما. تنسكي وليكن طعامك الحساء، وتجردي من جلدك لنصنع منه أغمدة وأغلفة إطارات للنظارات ليرتد الوطن بصيرا، ثم سلي رب السماء أن يغفر لك ما فرطت في جنبه.. وترجي رحمته قبل الغرغرة... ولا تجهشي بالبكاء، فلا صدق في دموع التماسيح، فإن فعلت كل هذا! قلنا: لعل! غربي يوسف