يكاد يجمع جل المتتبعين للشأن السياسي المغربي أن تشكيلة حكومة إدريس جطو لم تعرف قطيعة مع تجربة حكومة التناوب، بل هي استمرار لها بشكل أو بآخر، مع بعض التعديلات الجزئية جعلت البعض ينعتها بحكومة التغيير في ظل الاستمرارية، الأمر الذي لا يبرر هذا التأخير المثير للانتباه والتساؤلات في الإعلان عنها. فما هي أسباب التأخير المذكور ؟ وإلى أي حد كانت الأحزاب المشاركة تمثل قواعدها وهي تفاوض إدريس جطو؟ وهل بإمكان الحكومة الجديدة تجاوز المعيقات التي اعترضت طريق حكومة اليوسفي والتجاوب مع انتظارات الشعب المغربي ؟ أم أنها ستقع ضحية نفس المعيقات؟ خاض إدريس جطو الوزير الأول مباشرة بعد تعيينه مشاورات استكشافية مع عموم الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان ليقصرها فيما بعد على ستة أحزاب ويدخل معها في مفاوضات استغرقت أربع أسابيع كاملة، اضطر في آخر لحظاتها إلى الاستغناء على جبهة القوى الديمقراطية برره البعض بإصرار أمينها العام التهامي الخياري وزير الصحة السابق على مشاركته شخصيا في الحكومة مقابل رغبة جطو في وجه آخر من الجبهة . مفاوضات تشكيل الحكومة وتجاوزالديمقراطية عرفت عملية إعداد حكومة ما بعد اليوسفي تجاوزا للديمقراطية بكل ما تحمله كلمة تجاوز من معاني وذلك من جهتين : الأولى أنها تمت في سرية وتكتم مطلقين واستبعدت حق الصحافة ومن خلالها المواطن المغربي في معرفة نتائج أو على الأقل خلا صات كل جولة وأسس التفاوض والمشاكل المطروحة تبعا لما تقتضيه الأعراف الديمقراطية، الأمر الذي خلق إحباطا لدى المواطن وحول شغفه وتحمسه لمعرفة ما يجري إلى لا مبالاة وملل . الثانية أن قيادات الأحزاب المعنية بالمشاركة كانت تفاوض الوزير الأول ووضعت لوائح المرشحين لتولى المناصب الوزارية دونما رجوع إل قواعدها ولا حتى إلى أجهزتها التقريرية بما فيها العليا من قبيل المكاتب السياسية أو التنفيذية، حيث حظي الأمناء العامين وحدهم أو عضوين مقربين منهم فقط بسر المفاوضات فيما ظل الباقي خارج التغطية ك"أيها الناس" في إقصاء تام، لأن هم الأحزاب المذكورة الأول لم يكن تأسيس حكومة وتحالف بناء على نقاش وتقارب في الرؤية فيما بينها و على أساس برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي بقدر ماكان التسابق على الحقائب السمينة، وتوزيعها فيما بينهم هو غايتهم المثلى. من جهة أخرى غاب عند أغلبها شرط الكفاءة والخبرة و"النضالية "وكذا الإنصاف أثناء تقديمها للائحة المرشحين وحضر بالمقابل منطق القرابة العائلية والجهوية والولاءات الحزبية . إعلان التشكيلة الحكومية وخيبة الأمل خلف ظهور التشكيلة الحكومية الجديدة خيبة أمل كبيرة سواء داخل الأوساط الحزبية أو السياسية، جمعها عدم الرضا بالمنطق الذي تحكم في صياغتها والتشكيك في قدرتها على إحياء الأمل في نفوس المغاربة بإمكانية التغيير وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. خيبة أمل المناضلين والنواب استاء مناضلو ونواب الأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة من قياداتهم، فمنهم من اتهمها بضعف القدرة التفاوضية وقصر المناصب الوزارية على المقربين وأبناء الزعماء، وإن لم يطؤوا يوما مقر الحزب، حيث احتج كثير من الاستقلاليين على منهج عباس الفاسي في العملية من أولها إلى آخرها، وهمت الشبيبة الاستقلالية حسب بعض المصادر بإخراج بلاغ في الموضوع إثر اجتماع مجلسها الوطني الأخير لولا تدخل اللجنة التنفيذية للحزب. نفس الاحتجاج عرفه الاتحاد الاشتراكي الذي غلب في لائحة مرشحيه الأفراد الأكثر ولاء لليوسفي، وقد اعتبر عبد الهادي خيرات أحد أعضاء المكتب السياسي الغاضبين أن اليوسفي لم يكن مفاوضا قويا وأن الحزب تحمل مسؤولية وزارات غير منتجة ومليئة بالمشاكل في مقابل أخذ حزب الاستقلال وزارات ستمكنه في نظره من الاعتماد عليها لتقوية عمله الاستقطابي. حزب الاتحاد الاشتراكي الذي سجل عليه أنه لم يقدم أطرا شابة واكتفى بالوجوه القديمة باستثناء الكحص الذي أسندت له مسؤولية كتابة للدولة ليس بينه وبينها إلا الإحسان، سبق وأن أخرج بلاغا عنتريا عقب تعيين جطو وزيرا أول، عاد بعد أن استوعب الصدمة ليخفف لهجة الخطاب بالدعوة إلى استمرار الحكومة المقبلة في إنجاز الأوراش الكبرى التي فتحتها حكومة ماكان يعرف بالتناوب، إذ لم تعد له له القوة حتى يصر على مطالبه وفرض شروطه، لأن القافلة الحكومية كانت ستسير به أو بدونه، لإيمانه بالحكمة التي تقول" إن القوة تصنع من خلال الحضورداخل اللعبة وإن البقاء خارجها يعني المزيد من التهميش" . أما نواب حزب التجمع الوطني للأحرار فقد أصدروا بلاغا يعيبون فيه على أحمد عصمان عدم استشارة هيآت الحزب وإخبارها بملابسات التفاوض ولافي لائحة الترشيحات التي غلبت عليها الجهوية والولاءات، كما سارعوا إلى انتخاب محمد عبو رئيسا لفريقهم بدل الأزرق المعين معلنين بذلك بداية نهاية تفرد عصمان بالقرار في الحزب. وكل ما سلف من الأمثلة أكد بوضوح كامل بأن لامكانة للإرادة الشعبية والقواعد الحزبية في المحطات الأساسية والمصيرية في تاريخ البلاد، وأن أغلب أحزابنا ونخبها وصولية وانتهازية ولا تفكر في المصلحة العامة للشعب المغربي إلا في الخطب وعلى صفحات وريقات يسمونها برامج انتخابية. خيبة أمل الفاعل والمتتبع السياسي استغرب الكثير من الفاعلين والمتتبعين السياسيين من طبيعة تركيبة حكومة جطو من جهتين .الأولى من بعض أعضائها ذوي الوزن الخفيف كما صرح بذلك ذ مصطفى الرميد للصحافة حيث ظهر جليا حضور منطق القرابة والولاء و الجهوية في تعيين مجموعة من الأسماء التقنوقراطية المحسوبة على الأحزاب المشاركة بالاسم فقط رأت السلطة السياسية للبلاد أنها الأصلح، خاصة وأنها جربت في الحكومة السابقة تعيين أناس لا يفهمون شيئا في القطاعات الموكلة إليهم مسئوليتها. وكانت الأستاذة أمينة المسعودى قد خلصت في كتابها القيم "الوزراء في النظام السياسي المغربي "إلى أن أغلب النخبة السياسية المغربية خرجت من بيوت فاس و يليها الرباط ثم مراكش والدار البيضاء وسلا ووجدة. في حين همشت مناطق أخرى رغم إشعاعها الثقافي والعلمي كمنطقة الشمال على سبيل المثال . الثانية من تركيبتها وسجلوا في ذلك ملاحظات كثيرة منها : - إن عددها لم يعرف تقليصا كما كان يعلن عنه رغبة في الفاعلية ومحاربة البطء - إنها خلقت منا صب ووسعت من أخرى لمجرد إرضاء أطراف معينة - تناقض توجهات مكوناتها وعدم الاتعاظ من تجربة سابقتها - ضعف التشبيب وفشلها في تجديد الدماء بشكل يقطع مع التجربة السابقة - سيطرة الهاجس التقني والاقتصادي في التعيينات وكأن التقنوقراط يملكون مفاتيح التنمية والإقلاع الاقتصادي . - الإلحاق المباشر لكل القطاعات ذات الصلة بالاقتصاد والاستشمار والتنمية بالوزارة الأولى - حيازة اللامنتمين لعشر حقائب وزارية، وبالتالي زحف المجال السيادي عوض تراجعه وفي هدا السياق أوضح ذ محمد الساسي في حوار مصغر له مع أسبوعية لوجورنال (العدد الأخير) أن أعضاء هذه الحكومة هم تقريبا وزراء السيادة لأنهم سيتحركون بمنطق الدولة ومكلفون بتطبيق برنامجها المحدد سلفا وليس برامج الأحزاب، بمعنى أن جلالة الملك ومستشاريه أخرجوا حكومة الظل كما قال نور الدين مفتاح إلى شمس الله المحرقة. تحديا ت أمام حكومة جطو - بعد فشل أحزاب اليمين والوسط في علاج الأ زمات وحل الملفات العالقة في المغرب وفشل حكومة ماكان يعرف بالتناوب في الوفاء بعهودها تجد حكومة جطو نفسها أمام إرث ثقيل من الخيبة الشعبية وتفاقم للأزمة الاجتماعية والاقتصادية، حيث عرفت أرقام البطالة ارتفاعا وتزايدا، فضلا عما شهدته الفترة السابقة من متاجرة سياسية بآمال العاطلين فيما عرف بفضيحة النجاة. ولازالت ملفات الفساد المالي والإداري تراوح مكانها حيث ينتظر الناس كلمة العدالة فيها بعد ان اتضح حجم الخراب المالي في كثير من المؤسسات العمومة وشبه العمومية من قبيل القرض السياحي والعقاري أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وغيرها كثي، فضلا عن تزايد نسبة الفقر، وغيرها من مظاهر الإقصاء والتهميش الاجتماعي لم تقدم لها خطابات الأمل والوعود أي جديد ملموس. ويبقى السؤال المطروح هل ستقدر حكومة تحمل معها نفس تناقضات ومعوقات حكومة "التناوب" على تقديم البديل وحل المشاكل السالفة الذ كر والتي لخصها جلالة الملك في الأولويات الأربع (تعليم نافع ، تشغيل منتج، سكن لائق، تنمية اقتصادية). خلاصة إن تعيين إدريس جطو وزيرا أول وتشكيل حكومة بطاقم تكنوقراطي سياسي يطرح على الأحزاب السياسية الحقيقية إعادة هيكلة ذاتها وتجديد ثقافتها السياسية والتنظيمية وتجذير ذاتها في المجتمع المغربي، والتعجيل بمناقشة قانون الأحزاب السياسية والحسم فيه لتنقية الفضاء الحزبي من كثير من المظاهر المشينة والمهينة للعمل السياسي بل المنفرة منه. إن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد لن يكون إلا بمشاركة أحزاب قوية ديمقراطية ووطنية وإلا فستستمر الحالة على ماهي عليه. محمد عيادي