بعد انتظار وترقب، وأخذ ورد، ظهر التعديل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، خاصة السياسيين والصحافيين. تعديل أثار الغضب عند البعض كما أثار الرضى والقبول عند البعض الآخر. المنتقدون للتعديل الأخير أثاروا من جديد البعد السياسي والدستوري في إصلاح أعطاب الجهاز التنفيذي. انتقادات لا بد أن يأخذها الفريق الجديد للوزير الأول إدريس جطو بعين الجد لإعادة الاعتبار للعمل والسعي نحو تحقيق الأولويات الأربع التي أعلن عنها صاحب الجلالة. في الانتظار منذ ما يقارب سنة بدأ الحديث عن إمكانية حصول تعديل حكومي، وتداولت الصحافة وخاصة تلك التي يقال إنها مقربة من المساهمين في القرار بالبلاد، حيث طرحت سيناريوهات في الموضوع على أساس أن تغييرا حكوميا سياسيا لا محالة قادم متنبئة بأن إدريس جطو الوزير الأول، وتكلمت عن أسماء ذات انتماءات سياسية مرشحة لخلافته، وقال أكثر من جريدة توصف بالمستقلة بأن هناك جهات مقربة من القصر تعد للأمر عدته، بدليل وجود بعض المؤشرات والتحركات السياسية والحزبية من قبيل خطوة تجميع أحزاب العائلة الحركية، وبعض الرسائل المرموزة التي وجهتها هذه الأخيرة عبر إعلامها وخاصة جريدة الحركة من كون نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة غيرت موازين القوى السياسية والحزبية بالمغرب، الأمر الذي يجب أن ينعكس على طبيعة تشكيلة الحكومة، بل إن بعض قياديي اتحاد الحركات الشعبية صرح بأن الاتحاد المذكور يتوقع حصول تغيير حكومي بأبعاده السياسية. بالمقابل التزمت الأحزاب الأساسية في حكومة إدريس جطو وصحافتها الصمت لمدة طويلة لتخرج عنه بعد ذلك بقولها إنه لا وجود لأي داع لتعديل حكومي كما هو الحال بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاتحاد الاشتراكي، غير مستبعدين حصول تعديل وزاري تقني يبقى من صلاحيات جلالة الملك، إلا أن غياب إشارة واضحة وقطعية في موضوع التعديل الحكومي وطبيعته جعلت الذين رسموا وتكهنوا بسيناريوهات لتعديل سياسي يتراجعون بالحديث عن تعديل جزئي يهم تقليص الحقائب خاصة بعد كارثة زلزال الحسيمة واتصال جطو بالأحزاب المشاركة في الحكومة وإخبارها برغبة السلطات العليا في البلاد في تعديل تتقلص بموجبة عدد الحقائب بقصد تجاوز سلبيات الفريق الحكومي وارتباكاته وبطء وتيرة عمله، وبالتالي وجوب تنازلها عن حقيبة أو اثنين. لكن التخوف مما قد يثيره ذلك داخل الأحزاب المشاركة من مشاكل من جهة، وانشغال المغرب ساعتها بملف الترشيح لاحتضان تنظيم كأس العالم 2010 في مراحله الأخيرة من جهة أخرى، دفع إدريس جطو لتأجيل الموضوع لغاية أكتوبر المقبل. غير أن ما تداولته الصحافة بخصوص غضب الملك واستيائه من وتيرة العمل الحكومي وبطء أدائه، وإلغاء انعقاد المجلس الوزاري ل22أبريل الماضي، عجل بإجراء تعديل وزاري وصف بالتقني. تقدم التكنوقراط وتراجع الحزبيين لم يفاجأ الإعلان الرسمي عن النسخة الثانية لحكومة إدريس جطو الكثير من المتتبعين للمشهد السياسي على اعتبارانه لم يحمل تغييرا ملحوظا في التوجهات السياسية بقدرما وجه رسالة مفادها أن حكومة التقنوقراطي مستمرة في مهمتها بنفس التشكيلة بعدما تخلصت ممن قيل إنهم لم يقوموا بمهامهم بالشكل المطلوب وفشلوا في تدبير القطاعات التي أسندت لهم، وعلى عكس ما جرى تداوله من كون الأحزاب السياسية ستتمسك بأن لا يمس التعديل الوزراء الحزبيين، وأن القطب الحركي حريص على أن يأخد المكان اللائق بمكانته السياسية في الحكومة المعدلة، لاحظ الجميع أنها قبلت بما حصل وسلمت به من الناحية الرسمية. لكن بعضها عاد ينتقد الوزير الأول ويصف التعديل بالسطحي ولا يتأسس على معطيات تضمن الاستقرار بمفاهيمه الشمولية الذي لا يترك مجالا للتعديلات الفصلية أو السنوية. بينما ذهب رأي اعتبر رأي آخر أن التعديل غير مفهوم خاصة من زاوية الدواعي التي يعتبرها الجميع مبررا لإعادة النظر في تركيبة الحكومة، وهي بالأساس ضرورة الانسجام والتخفيف من تضخم الجهاز وتجنب التداخل وتوفير مستلزمات الانكباب على الملفات الكبرى. كما استغرب هذا الرأي كيف أن التعديل الذي قلص حقائب الأحزاب السياسية بما يعنيه من تقزيم للوزن السياسي للجهاز التنفيذي، لم يمس حجم حقائب التكنوقراط بقدرما قواها من خلال دخول رجال القطاع الخاص وتقنيين باسم حزب التجمع الوطني للأحرار . التجمع الذي يبقى أكبر ضحية للتعديل لما خلق له من مشاكل داخلية وثورة نوابه على الذين عينوا في الحكومة الجديدة باسمه معتبرين ذلك حكرة سياسية مارسها عليهم مصطفى عكاشة ومحمد بن طالب عضوا المكتب التنفيذي للحزب، لكونهما لم يطرحا الأسماء التي اقترحت باسم الحزب على الأجهزة التقريرية ولم تستشر فيها، وهو ماقد يؤثر على درجة انضباط فريقيه بالبرلمان لمبدأ دعم الحكومة. حزب الاتحاد الديمقراطي أحد الأطراف الثلاثة المشكلة للقطب أو التحالف الحركي للفريق الحكومي، الذي لم يتم إدماجه في التشكيلة الجدية لحكومة جطو قد يؤثرا هو الآخر سلبا على عمل التحالف وخطواته التوحيدية. وقد عادت افتتاحية العلم لسان حزب الاستقلال ولليوم الثاني على التوالي لموضوع التعديل واصفة إدريس جطو بالناجح الأول لعدم مس التعديل والتقليص لحزبه(التقنوقراطيين) حيث أشارت إلى أنه لم يستشر أحدا بقدرما قام بعملية إخبار لامكان فيها للقبول أو الرفض والمناقشة خلافا للأعراف الجارية في مثل هذا الموضوع ، مشبهة التعديل بعملية جراحية قام بها جطو ليعزز حزب اللامنتمين والتكنوقراط الذي يرأسه. لم يعد معها مسموحا القول بأن الحكومة ثقيلة الوزن وأن بعض أعضائها عديمو الجدوى وغير متفاهمين لأن جطو راض عن حكومته منسجم معهم. هل يحل التعديل عقد حكومة جطو يرجى من التعديل أن ينهي حالة الانتظارية التي طبعت العمل الحكومي ويحل المشاكل التي عاقت مسيرته وأبطأت وتيرته، من قبيل غياب الانسجام داخلها اضطرت جلالة الملك لأن يتدخل وينزل للميدان لتحريك الملفات الشائكة والحساسة، وخاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي من قبيل ملف السكن والاستثمار وغيرهما. لكن تطعيمها بمزيد من التقنوقراطيين وتقزيم عدد الوزراء الحزبيين وتقليص عدد الحقائب وتجميع بعض القطاعات وإلغاء وزارة حقوق الإنسان التي لم يبقى لوجودها معنى بوجود مؤسسات كثيرة تقوم بنفس الدور، كل ذلك باعتقاد الكثير، لن يحل عقد حكومة إدريس جطو المتمثلة بالأساس في كثرة الأحزاب المشكلة لها، فضلا عن اختلاف مشاربها وانتماءاتها السياسية التي تصل إلى حد التناقض. والحاصل أن العمل على بلورة التصريح الحكومي الذي كان ترجمة للأولويات الأربع التي حددها جلالة الملك، أي التعليم النافع والسكن اللائق والتشغيل المنتج والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، يقتضي انسجاما كاملا بين الفريق الحكومي وإرادة سياسية قوية قادرة على أن تتحدى كل الإكراهات والتحديات، هو الأمر الذي يعتقد كثير من المتتبعين للمشهد السياسي المغربي ومن السياسيين أنفسهم أنه بعيد التحقق في ظل حكومة يكاد يكون نصف أعضائها بشكل أو آخرمن التكنوقراط ويقودها تكنوقراطي. ويرون بأن عطب حكومة جطو تكمن في العمق في افتقادها لثقل سياسي، عطب لا يمكن لتعديل تقني أن يتجاوزه، معتبرين أن الحل الحقيقي لمشاكل الحكومة يكمن في تعديل دستوري يوزع السلط ويعطي للحكومة صلاحيات حقيقية وإمكانية أن تكون مسؤولة ومحاسبة على ممارساتها وحصيلتها. ويظهر أن حكومة جطو الثانية مضطرة لأن تدبر المرحلة المقبلة الفاصلة عن انتخابات 2007 التشريعية، وتتدارك ما يمكن تداركه، في ظل عدم نضج الشروط لإجراء تعديل سياسي، لأنه -قال خالد الجامعي- فلا وزراء التقنوقراط يملكون الشرعية ولا الوزراء الحزبيون يملكونها، لأن الأحزاب لم تحز ثقة الشعب ولم يصوت عليها المواطنون وبالتالي فشرعية الجميع من شرعية التعيين الملكي لامن شرعية الشعب والصناديق. ويبقى الرهان الكبير الذي على حكومة جطو المعدلة أن تخوضه هو السعي ما أمكن لتعديل نظرة الرأي العام المغربي لفريقه الحكومي من خلال تعديل شروط عيشه اليومية وظروف تطبيبه وسكنه. وبالتالي تقليص حجم الغضب الذي ينتاب عموم المواطنين على حصيلة السنتين الفقيرة. خاتمة رغم أن التعديل الحكومي يبقى تعديلا جزئيا لن يحل كل المشاكل ولن يزيل كل العوائق التي اعترضت فريق إدريس جطو الحكومي، إلا أن التعاطي الوطني والمسؤول من طرف التشكيلة الجديدة مع انتظارات المواطنين وتفعيل الأوراش الكبيرة التي سبق لجلالة الملك أن أعلن عنها من شأنه أن يخفف من حدة الإحباط الشعبي ويزرع الأمل في مستقبل أفضل. امحمد عيادي نواب التجمع الوطني للأحرار يرفضون الاعتراف بالوزراء الجدد المعينين باسم الحزب أصدر فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب مساء أول أمس الأربعاء بيان شديد اللهجة اتجاه قيادة الحزب بخصوص اللائحة التي عينت في التشكيلة الجديدة لحكومة إدريس جطو باسم حزبالتجمع الوطني للأحرار. وندد الفريق النيابي لحزب التجمع برئاسة الأستاذ محمد عبو بعد اطلاعهم على الشروحات المقدمة في اجتماع المكتب التنفيذي بخصوص طبيعة ومنهجية المشاورات التي تمت حول التعديل الحكومي، بسلوك قلة قليلة من أعضاء المكتب التنفيذي للحزب الذين فرضوا عليه أسماء ضمن لاعلاقة لها بالتجمع الوطني للأحرار ضمن تشكيلة الحكومة المعدلة. واعتبر نواب التجمع في البيان المذكور أن المشاورات التي تمت بخصوص الأسماء التجمعية الجديدة تمثل أقصى درجات الحكرة السياسية إزاء التجمع الوطني للأحرار. وتعامل بعقلية الإعارة السياسية مع الحزب هم في غنى عنها. وبناء على ماسبق قرر نواب حزب التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب في بيان لهم مساءأول أمس، عدم الاعتراف بالوزراء الجدد المعينين في إطار الحصة الحزبية داخل التشكيلة الحكومية المعدلة. والقيام بوقفة احتجاجية أمام المقر المركزي للحزب للتنديد باستفراد قياديان بالقرار في موضوع التعديل، كما قرروا المطالبة بسحب الثقة من المكتب التنفيذي للحزب وتقديم استقالته، داعين في الوقت نفسه إلى التعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي.