كل أحلام العالم العربي والإسلامي بالنهوض تبدأ بشعارات كبيرة وبحماسة، لكنها سرعان ما تنهار وتتوقف مخلفة إحباطا كبيرا، ونشير هنا على سبيل المثال إلى حلم النهضة وحلم الوحدة العربية أو التكتل العربي، لكن لا شيء تحقق، فأغلب الدول العربية تقبع في المراتب الأخيرة بشأن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وجامعة الدول العربية هيكل إقليمي كسيح، والأسوأ من ذلك، أن الأحزاب والتيارات التي حملت تلك الشعارات (التنمية والنهضة الاقتصادية، والثورة، والديمقراطية، والحرية و..) كانت جزءا بل ومن الأسباب الكبيرة لنكبة التنمية والديمقراطية في بلدانها، إذ إنها ما إن تمكنت من السلطة حتى حولت بلدانها إلى «عزب» للحزب الوحيد كما حصل في سوريا والعراق ومصر كأمثلة بارزة. فشلت التنمية في أغلب الدول العربية، وبقيت رهينة للمؤسسات المالية الدولية التي تتدخل في قرارها الاقتصادي والسياسي، بل تتدخل حتى في تحديد برامجها التعليمية والاجتماعية. بعد خيبات متكررة -مع استثناءات قليلة- هبت رياح الربيع العربي تحمل نسمات الديمقراطية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، فتولدت آمال بمستقبل أفضل، لكن حصل الانكسار مرة أخرى في جل الدول التي هبت عليها تلك الرياح، حيث تحالفت قوى الردة عن الخيار الديمقراطي وتحالفت مصالحها مع مصالح الخارج، وحولت الربيع لخريف صعب، وتم الانقلاب على إرادة الشعوب كما حصل في مصر واليمن وكذلك في ليبيا، وتم التنكيل بالشعب السوري لأنه حلم بالتغيير والديمقراطية والتخلص من حكم الحزب الوحيد. لكل هذه الخيبات والانكسارات أسباب وعوامل متداخلة (داخلية وخارجية)، وأبرزها عدم خوض العالم العربي والإسلامي لمعركتين أساسيتين، الأولى معركة محو الأمية «الألفبائية»، والثانية معركة خلق مجتمع المعرفة، وإعادة تشكيل وبناء العقل العربي والمسلم بطريقة سليمة. فكيف يمكن لعالم أن يحقق تنمية اجتماعية وسياسية واقتصادية وحياة ديمقراطية، ولا تزال الأمية «الألفبائية» موجودة به، فما بالنا بالأمية الدينية والثقافية والسياسية، تنخره في القرن الواحد والعشرين وعصر ما بعد العولمة. نعم ما زالت الأمية في العالم العربي والإسلامي معششة في %40 من الذكور و%60 من الإناث وفق بيان أصدرته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية بتاريخ 8 سبتمبر 2014. واعترفت المنظمة بفشل العالم الإسلامي في محو الأمية وتأثير ذلك على تحقيق النهضة والتنمية. وقد فشلت حكومات ما بعد الاستقلال في أغلب دول العالم العربي والإسلامي (الاستثناءات قليلة جدا) في خوض معركة محو الأمية، وعجزت عن وضع استراتيجية لذلك. وأكثر من ذلك، هناك أحزاب سياسية استثمرت في الأمية انتخابيا وسياسيا، وكانت تخاف من ارتفاع نسبة التعلم، لأن ذلك يرفع مستوى الوعي والرقي بالتفكير، ويشكل تهديدا لاستفرادها بالسلطة والحكم، ويضعها تحت المحاسبة والمراقبة. واستغل الإعلام المأجور الموجه الأمية وغياب الوعي السياسي في تزوير الحقائق وتجييش شرائح واسعة لصالح الثورة المضادة، والحالة المصرية أوضح وأكبر مثال على ذلك. ولو توفرت إرادة سياسية حقيقية لتم القضاء حكوميا وأهليا على الأمية بنسبة كبيرة جدا، ولما استمرت الكارثة حيث لا تزال نسب الأمية في العالم العربي مؤسفة. وقد كان لتأخير خوض معركة محو الأمية «الألفبائية» في العالم العربي والإسلامي بشكل عام كلفة كبيرة في مجالات عديدة، في زمن يتحدث العالم عن محاربة الأمية الرقمية.