ما الذي يجمع بين الانتخابات في كل من المغرب وتركيا وباكستان والبحرين؟ وما علاقة الانتخابات التي جرت في الأسابيع القليلة الماضية في عدد من الدول الإسلامية بما تسميه أمريكا "الحملة ضد الإرهاب"؟ وما الفارق والقاسم المشترك بين إرادة أمريكا والأنظمة والأحزاب الموالية لها؟ نطرح هذه الأسئلة وغيرها على الواقع الذي عشناه ونعيشه بعد أحداث 11 شتنبر لعل الإجابة عنها تساعدنا على فهم ما يحاك ويجري ويدور في أذهان خبراء العم سام وأولياء الأمور، والبداية من باكستان فاز (اتحاد الأمل) الذي يضم ائتلاف ستة أحزاب إسلامية في باكستان ب45 مقعدا في البرلمان الوطني، وراء حزب الرابطة الإسلامية (جناح قائد أعظم) الذي حصل على 77 مقعدا، ثم حزب الشعب الذي تتزعمه بنزير بوتو ب63 مقعدا وكانت النتائج الأولية قد كشفت عن فوز تحالف الأحزاب الإسلامية ب53 مقعدا! وإن كنا سنركز في هذه المقالة على الانتخابات في باكستان، فإن هناك تشابها إن لم نقل تطابقا بين ما جرى في كل من مصر والمغرب وباكستان وتركيا. ولاشك أن مشاركة الإسلاميين قد أعطت الانتخابات في هذه البلدان "نكهة" خاصة أسالت مداد العديد من الأقلام المنصفة والمغرضة والمتحاملة والمساندة على السواء. إذا كان هناك اختلاف بين ما جرى في كل واحد من هذه البلدان فإن سحب غبار 11 شتنبر الكثيف قد خيمت على الانتخابات الأخيرة، فأمريكا في إطار حملتها الدولية لمكافحة ما تسميه "الإرهاب" نزلت بكل ثقلها حتى لا تكون نتائج الانتخابات الديمقراطية مهددة لمصالحها وأمنها القومي ولو ضحت بالحرية والديمقراطية معا! قبيل إجراء الانتخابات التشريعية في المغرب يوم 27 شتنبر الماضي ارتفعت أصوات هنا وهناك "تحذر" من "اكتساح" الإسلاميين للبرلمان المغربي بل منهم من دعا صراحة إلى الحؤول دون ذلك بأي شكل من الأشكال ولو أدى ذلك إلى التنكر للديمقراطية واحترام نتائجها وفي مصر ساق النظام المصري أنصار الإخوان المسلمين إلى السجن، حتى يفوز الحزب الوطني الحاكم "بسهولة"! وكذا الشأن في تركيا التي بدأ فيها مدعي محكمة التمييز قبل يومين فقط بإجراءات تهدف إلى حظر حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، لا لشيء سوى أن استطلاعات الرأي ترجح فوزه في الانتخابات في الثالث من نونبر المقبل، وقدم المدعي للمحكمة سببا مفاده أن زعيم الحزب رجب طيب أوردغان لم يحترم "بالكامل" القوانين حول الأحزاب السياسية!! وحذر رئيس الوزراء التركي بولند أجاويد صراحة الأحد الماضي من فوز الأحزاب الإسلامية في الانتخابات المبكرة معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى "مشاكل خطيرة في النظام" وذلك خوفا من حزب العدالة والتنمية الذي تتزايد شعبيته وكذا حزب ديمقراطية الشعب المؤيد للأكراد وغير الممثل في البرلمان. أما في باكستان فقد أصبح معروفا أن الرئيس الباكستاني برويز مشرف لا يدع فرصة في تصريحاته وخطبه دون أن يؤكد علي أن الأحزاب الإسلامية لا تشكل سوى %3 من الرأي العام الباكستاني أملا في التقليل من شأن احتجاجات الإسلاميين. وفي السياق ذاته سعى وزير الإعلام الباكستاني (نزار ميمون) لطمأنة الغرب بعد فوز الإسلاميين وحصولهم على المرتبة الثالثة ب45 مقعدا وصرح يوم 13 أكتوبر ب"أن فوز الأحزاب الأصولية الإسلامية في الانتخابات التشريعية الباكستانية لن يعدل من السياسة الخارجية لباكستان وشدد على أن باكستان لازالت متشبثة ب"انتمائها إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب"!! صراع الإرادات بين الإدارة الأمريكية والشعوب الإسلامية في العاشر من أكتوبر الجاري توجه نحو 70 مليون ناخب باكستاني إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان وطني وأربعة برلمانات إقليمية، وتعتبر هذه الانتخابات الأخيرة هي الأولى من نوعها منذ الانقلاب الذي جاء بالجنرال مشرف إلى السلطة قبل ثلاث سنوات تقريبا. واحتراما للدستور والقوانين المنظمة وقواعد اللعبة شاركت عدة فصائل باكستانية من الإسلاميين في هذه الانتخابات وطرحت برامجها أمام الشعب فقال كلمته ووضع ثقته فيها وجعلها تحتل المرتبة الثالثة مباشرة بعد الحزب الحاكم وحزب بوتو المعروف ويلاحظ أن هناك توافق ضمني وعلني بين الإدارة الأمريكية والأنظمة الموالية والأحزاب العلمانية واليسارية، فالكل يخشى تقدم وصعود الإسلاميين إلى الحكم أو المشاركة فيه إلى جانب أحزاب أخرى. فالإدارة الأمريكية اتخذت الإسلام عدوا لها ووضعت المؤسسات والهيئات الإسلامية على رأس لائحتها السوداء، والأنظمة الموالية منحازة بالكامل إلى "السمع والطاعة" للأوامر الأمريكية أما الأحزاب العلمانية فلا سند شعبي لها وزميلتها اليسارية آيلة إلى الانقراض بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لذلك تحتاجان معا إلى "مقويات" غربية وأمريكية حتى تحافظ على حياتها، وهذا ما يفسر علو صوتها وصراخها بمجرد ظهور استطلاعات الرأي المرجحة لفوز خصمها اللدود: الأحزاب الإسلامية، فترى الأحزاب اليسارية المنقسمة على نفسها تلملم أشتاتها وتجمع أطرافها لعلها تتكتل في وجه هذا "المارد" القادم، ولعلها توقف عجلة التاريخ المتقدمة بثبات نحو إعلاء كلمة الله في كافة مناحي الحياة، وهذه حقيقة أدركتها أمريكا ولذلك تسعى بكل ثقلها ومعها الأنظمة الموالية والأحزاب التابعة إلى قطع الطريق على الإسلاميين في كل مكان ومنعهم من حقهم في الحرية والترشيح والفوز وبالتالي تطبيق برامجهم التي تراها أمريكا معادية لمصالحها وأمنها القومي. سر فوز الإسلاميين في باكستان: يرى بعض المراقبين أن فوز تحالف الأحزاب الإسلامية في باكستان (المجلس التنفيذي المتحد) ب 53 مقعدا يرجع إلى نجاح الأحزاب الستة المعارضة التي تعرض قادتها وأنصارها لحملة اعتقالات وبطش شديد مكن خلال ضرب الولاياتالمتحدةلأفغانستان في توحدها تحت راية واحدة. فحصلت رغم كل ذلك على أكثر من20% من المقاعد. كما يرجع السبب الرئيس حسب محمد جمالة عرفة (محلل سياسي) إلى "رفع الأحزاب الستة لشعارات واضحة في الانتخابات، تدور حول رفض الهيمنة الأمريكية على الشؤون الباكستانية لداخلية، والضرب على وتر شعبي حساس هو رفض العدوان على المسلمين في فلسطين وكشمير وغيرهما.. وبالمقابل فشلت بقية الأحزاب في تصديق استطلاعات الرأي التي كانت تتوقع مثلا لحزب بوتو 170 مقعدا فحصل على 63 فقط رغم شعبيته الواسعة وكذا حزب الرابطة التابع لنواز شريف الذي دمغته وقائع الفساد المالي والسياسي ولازال رموزه يتابعون قضائيا. ويشار إلى أن (اتحاد الأمل) الإسم الذي أطلق على التحالف الإسلامي قد حقق أفضل النتائج في إقليم (بوششان) القريب من أفغانستان وهو ما يحسب له الأطراف والخصوم على السواء ألف حساب، فذلك يتضمن رسالة واضحة مفادها أن "هذه المنطقة تعارض تماما حرب "الإرهاب" الأمريكية"، و"أن طالبان وبن لادن يجدان تأييدا واضحا فيه" كما أوضح جمال عرفة. ولم تخف الأحزاب الستة الإسلامية موقفها من الوجود الأمريكي بالمنطقة، وقد أعلنت بوضوح أنه في حال وصولها إلى السلطة ستوقف أي مشاركة باكستانية في الائتلاف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده واشنطن. وقال نائب رئيس التحالف قاضي حسين أحمد "لا نوافق على أي تدخل أجنبي، ولذلك فإننا لا نريد مساعدة القوات الأمريكية، ولا نسمح باستخدام قواعدنا للتدخل في الدول المجاورة". ويعارض ائتلاف الأحزاب الإسلامية كذلك وجود عناصر من المباحث الفدرالية الأمريكية (FBI) لمساعدة الحكومة الباكستانية في تعقب أعضاء تنظيم القاعدة، فيما اعتبر الزعيم الإسلامي أن وجود القوات الأمريكية وعملاء المباحث الفدرالية في باكستان موضوعا "قابلا للنقاش". ومن جهته تساءل رئيس الأحزاب الإسلامية شاه أحمد توراني قائلا "ما هي الاتفاقية التي أسست أمريكا بموجبها قاعدة عسكرية في باكستان؟ وإلى متى ستبقى؟ وما دور المباحث الفدرالية الأمريكية؟ ومتى سيرحلون عن البلاد؟! مضيفا "لا نريد أن تستخدم أي قوات أجنبية أراضينا ضد دولة أخرى" في إشارة إلى أفغانستان. وفي الأخير: استبشر الباكستانيون خيرا بالانتخابات الأخيرة لأنها ستمكنهم من استعادة الديموقراطية ونقل السلطة من العسكريين إلى إدارة مدنية" لكن الرئيس قبيل ذلك أجرى تعديلات واسعة على الدستور عزز بها سلطته وتعطي التعديلات مشرف حق إقالة رئيس الوزراء وحل البرلمان بعد الانتخابات، كما تتضمن تشكيل مجلس أمن قومي يرأسه مشرف مخول لإعلان حالة الطوارئ وإقالة المجالس الاتحادية والبلدية!!! فمن الذي يحترم الديموقراطية ومن يغتالها هل الإسلاميون "المعتدلون" الذين صدقوا بالديموقراطية وقرروا احترام نتائجها ومعرفة درجة قبولهم لدى شعوبهم بكل شفافية أم الأنظمة الدكتاتورية الموالية لواشنطن. وهل من الديموقراطية الخوف والرعب من نتائجها!! وهل من الديموقراطية الحؤول دون فوز من أراده الشعب ليحكمه؟ وهل من الديموقراطية ذبح الديموقراطية إذا لم تكن نتائجها في صالحه، ونعث الفائز "المرتقب" بأنه سينقلب على الديموقراطية إذا فاز فكان أولى أن يتغذى بها الأمريكان والأنظمة الموالية الفاسدة والأحزاب العلمانية واليسارية قبل أن تتعشى بها التيارات الإسلامية فشهية طيبة! إسماعيل العلوي