خلصت الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المجتمعة أول أمس بالرباط وبعد مدارسة الاتصالات والمشاورات الجارية حول تشكيل الحكومة المقبلة إلى أن حزب العدالة والتنمية غير معني بالمشاركة في هذه الحكومة وأن مجلسه الوطني مستعد للاجتماع مرة أخرى في حالة ما إذا ظهرت مستجدات معتبرة في الموضوع. وقد جاءت هذه الخلاصة التي ضمنها الحزب في بيان له كصيغة توفيقية بين رأيين تم نقاشهما في 80 تدخل، الأول يميل إلى المشاركة ويطرح دواعيها، مقابل الثاني الذي سار في اتجاه المعارضة. وهو ما يعني أن كل الخيارات لا تزال مفتوحة أمام الحزب، وأن الحزب مستعد للاجتماع مرة أخرى إذا ظهرت مستجدات معتبرة في الموضوع. ولئن كات الرأي الذي ذهب إلى اتخاذ موقف المعارضة قد استند في ذلك إلى حاجة الحزب إلى مزيد من الوقت لتأهيل ذاته تنظيميا وسياسيا ودعا إلى أن يركز الحزب اهتمامه خلال المرحلة المقبلة على الاجتهاد لتكوين ما يشبه حكومة الظل، وإلى تفعيل دوره في المعارضة بما يجعل منه معارضة قوية، معتبرا أن في الخطاب الملكي يوم افتتح افتتاح دورة البرلمان الخريفية إشارة واضحة إلى ذلك، ودعا إلى التركيز خلال المرحلة القادمة على الاستعداد للانتخابات المحلية في إطار مبدأ التدرج في المشاركة الذي يعتمده الحزب، مع التأكيد على أن حظوظ تطبيق برنامج الحزب في إطار الصلاحيات المخولة للحكومة ووزاراتها تبقى جد محدودة، مما قد يؤدي إلى خيبة أمل شعبية واسعة في حزب العدالة والتنمية الذي أصبح بالنسبة لكثير من المواطنين الأمل الأخير، فإن الرأي الآخر المدعم لمبدأ المشاركة قد أكد على أن المشاركة هي الأصل وأن المعارضة هي الاستثناء، على اعتبار أن أي حزب حينما يتقدم للانتخابات ببرنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وينال ثقة الشعب، فإنه ينالها من أجل أن يطبق ذلك البرنامج، ويسهم في الإصلاح والإجابة على أكبر قدر ممكن من انتظارات المواطنين، وأن اتخاذ موقف قبلي بالعمل من خلال المعارضة بناء على أخذ مزيد من الوقت للتأهيل الذاتي يعتبر إخلالا بالتعاقد المذكور، مؤكدا أن المشاركة الحكومية قد تسهم في تطبيع علاقة الحركة الإسلامية بمحيطها السياسي الداخلي والخارجي وتسهم في تبديد كثير من مخاوفه، خاصة التخوف من تغول حزب العدالة والتنمية واكتساحه للانتخابات المقبلة مما قد تكون له نتائج سلبية على المسلسل الديموقراطي وتؤدي إلى انتكاسة عن المكاسب التي تحققت خلال الاستحقاقات الأخيرة. جانب كبير من تدخلات أعضاء المجلس الوطني اتجهت إلى انتقاد أداء الأمانة والعامة في تدبير مرحلة ما بعد الانتخابات، كما انتقدت ما اعتبرته تصريحات ومواقف متسرعة، وبالخصوص انصب النقد على اللاءات الثلاث التي تضمنتها بعض تصريحات قياديي حزب العدالة والتنمية وهي: نستبعد المشاركة في حكومة يرأسها الاتحاد الاشتراكي، نحبذ عدم المشاركة في حكومة يشارك فيها الاتحاد الاشتراكي، نفضل المساندة بدل المشاركة في حالة أخرى، مؤكدة على أنها حكمت موضوعيا على الحزب بخندقة نفسه من البداية خارج الحكومة بغض النظر عن طبيعة تكوينها وطبيعة برنامجها والوزراء المعينين فيها، ومن ثم اعتبرت أنه كان طبيعيا استثناء الوزير الأول للحزب من المشاورات بصدد تشكيل الحكومة، كما أكدت تدخلات أخرى على أنه لا معنى لاتخاذ موقف مبدئي بالمعارضة متسائلة عن معارضة من؟ ومعارضة ماذا، على اعتبار أن المعارضة تكون لبرنامج سياسي وتشكيلة حكومية وهي أمور لم تتضح ولم تكتمل المعطيات حولها لحد الساعة. وفي المقابل كان هناك اتجاه عام على أنه لا معنى لاتخاذ قرار بالمشاركة وتأكيد على أن الحزب ليس حريصا عليها ومتهافتا عليها وهو ترجمة التصويت على القرارات المعروضة على المجلس الوطني حيث تم استبعاد صيغة (عدم المشاركة في الحكومة) واعتماد صيغة "إن الحزب غير معني بالمشاركة في هذه الحكومة. كما يعبر عن استعداده للاجتماع مرة أخرى إطا ظهرت مستجدات معتبرة في الموضوع." وقد صوت المجلس الوطني على هذه الصيغة ب 107صوتا من أصل 161 صوتا معبرا عنه، بينما استبعد صيغة ثالثة هي التفويض للأمانة العامة في اتخاذ القرار المناسب بعد استكمال المعطيات. وبذلك يكون المجلس الوطني الذي يعد أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر قد استعاد زمام المبادرة في تدبير استحقاقات المرحلة المقبلة. وإذا كان القرار المذكور قد اعتبر أن الحزب غير معني بالمشاركة إلا أنه بالمقابل لم يخندق الحزب مبدئيا في المعارضة أو المساندة للحكومة في انتظار اكتمال المعطيات على أساس أن المعارضة أو المساندة ينبغي أن تكون لبرنامج سياسي واجتماعي واقتصادي ولتشكيلة حكومية تقوم على تنفيذه. وكان الدكتور سعد الدين العثماني نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قد قدم في المجلس المذكور تقريرا سياسيا أعدته الأمانة العامة للحزب، ذكر بالظروف التي تنعقد فيها دورة المجلس الوطني والمتميزة بالموقع المشرف والوازن للحزب في الساحة السياسية بحيث شكلت مشاركته في انتخابات 27 شتنبر إنجازا نوعيا وحدثا استقطب اهتمام الفاعلين والمراقبين وجعل الحزب محط الأنظار خاصة بعد إعلان النتائج. انتخابات اعتبرها التقرير خطوة إيجابية على طريق ترسيخ الممارسة الديموقراطية بالمغرب وحلقة مهمة في مجال احترام إرادة الشعب ورغبة في استرجاع ثقته وتدعيم المشاركة السياسية للمرأة. ورغم أن التقرير سجل بارتياح هذا التطور الإيجابي فإنه سجل بموازاة ذلك حدوث خروقات وتجاوزات عديدة سواء قبل الحملة أو أثناءها أو يوم الاقتراع أو في مرحلة إعلان النتائج وهي خروقات يضيف التقرير السياسي تتولى المسؤولية فيها كثير ممن اختاروا التحايل على الشعب وإرادته. وأكد تقرير الحزب على عزمه مواصلة النداء بإصلاح النظام الانتخابي والإسراع بإخراج قانون الأحزاب لحيز الوجود لمعالجة جذرية لأسباب تلك الاختلالات. من جهة أخرى أوضح التقرير أن التقدم النوعي أو القفزة الكبيرة التي حققها الحزب بحصوله رسميا على 24 مقعدا تمثل رسالة قوية عبر من خلالها قطاع عريض من الشعب المغربي عن تشبته بمشروع الحزب المستند إلى المرجعية الإسلامية وتقديره لجهود الحزب في الدفاع عنها والنضال ضد جميع أشكال الفساد والانحراف في تدبير الشأن العام. واعتبر التقرير أن انتخابات 27 شتنبر أفرزت صورة تقريبية للمشهد الحزبي في البلاد وأنصفت حزب العدالة والتنمية الذي هضم حقه سنة 1997، وأنه أصبح طرفا أساسيا في الحياة السياسية وفاعلا ومبادرا للتأثير فيه. وهو ما يدعوه كتب ذات التقرير للاستمرار في النضال من أي موقع كان وفاء منه لواجبه الوطني والديني وللآمال المعلقة عليه من طرف الشعب المغربي. محمد عيادي بيان من المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية عقد المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية دورة استثنائية يوم الأحد 13 شعبان 1423 الموافق ل 20 أكتوبر 2002، بدعوة من الأمانة العامة للحزب، لمدارسة التطورات السياسية المترتبة عن نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 27 شتنبر 2002، وتحديد توجهات الحزب في التعامل مع استحقاقات المرحلة المقبلة، خاصة في ضوء النتائج الإيجابية التي حققها. وبعد تلاوة نائب الأمين العام، الدكتور سعد الدين العثماني، للتقرير السياسي الذي حدد فيه الإطار الدولي والسياق السياسي الوطني الذي ينعقد فيه المجلس، وقيم فيه مشاركة الحزب في الانتخابات التشريعية ونتائجها وآثارها، وبعد تقديم عرض حول تطور الاتصالات والمشاورات الجارية، تدارس المجلس المعطيات المتوفرة وآفاق المرحلة السياسية المقبلة فقرر ما يلي: إن المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بعد اطلاعه على مجمل التطورات الأخيرة المتعلقة بالمشاورات حول تشكيل الحكومة المقبلة، يعتبر أن الحزب غير معني بالمشاركة في هذه الحكومة. كما يعبر المجلس عن استعداده للاجتماع مرة أخرى إذا ظهرت مستجدات معتبرة في الموضوع. نائب الأمين العام د. سعد الدين العثماني