كلما انفجرت قنينة غاز في متجر من المتاجر، أو مطعم من المطاعم في أي مكان من العالم، إلا ووضعنا نحن المسلمين أيدينا على قلوبنا علما منا أن التهمة الجاهزة تشير بأصبع الاتهام إلى تنظيم القاعدة وإلى زعيمه أسامة بن لادن. وكلما سقطت طائرة نتيجة عطب تقني أو تهاوت عمارة بسبب خلل فني أو تقصير هندسي، وضعنا أيدينا على قلوبنا لأن التهمة الجاهزة ستنسب إلى "جماعة إسلامية متطرفة" محسوبة على تنظيم القاعدة. ورغم أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة قد تحولا في زمن الإحباط إلى "أبطال" عند جماهير المستضعفين من أبناء الأمة الإسلامية، وإلى "رموز" للصمود والمقاومة في زمن الذل والتخاذل والانبطاح العربي أمام الهيمنة الصهيونية والأمريكية، في مقابل التركيز على تضخيم صورة الجماعات المتطرفة في الإعلام وتهميش الزعامات السياسية التي تجسد طموح الأمة وتدافع عن وجودها وعن استقلالها الحضاري في إطار من وسطية الإسلام ومراعاة لهديه خلال الجهاد في توقير المدنيين الآمنين، وعدم المس بسلامة المسالمين مصداقا لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) ، فإن ما يدفعنا إلى أن نضع أيدينا على قلوبنا هو الأثر السيء لمثل هذه الأحداث، التي قد يكون وراءها تنظيم القاعدة أو ترتكبها أياد عميلة أو أياد آثمة، وتنسبها إلى التنظيم المذكور، على صورة الإسلام والمسلمين، وأثرها السيء على الجهود التي تراكمت على مدار عدة عقود في تقديم صورة مشرقة حول الإسلام والمسلمين في الغرب، وداخل الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، وعلى كثير من المؤسسات الثقافية والاجتماعية والخيرية التي أرجعتها أحداث الحادي عشر من شتنبر عشرات السنين إلى الوراء. في كتابه "11 شتنبر 2001: الكذبة الكبرى (Leffroyable imposture) يقدم "تيري ميسان" حقائق وملاحظات مثيرة عن ذلك التناغم بين السياسة الحربية الأمريكية التي تحركها أساسا المطامع البترولية في بحر قزوين، وبين التصريحات التي كانت تصدر أو تنسب لزعماء تنظيم القاعدة، وهي السياسة التي قادت الحكومة الأمريكية إلى اتهام تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن بالمسؤولية عن تفجيرات 11 شتنبر، وحتى قبل استكمال عناصر التحقيق، ودون أن تقدم في يوم من الأيام "الأدلة الدامغة" التي زعمت الإدارة الأمريكية أنها تتوفر عليها، وزعمت الحكومة البريطانية والرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف أنهم قد اطلعوا عليها وأنها أدلة مقنعة، وهكذا في الوقت الذي كانت الشكوك تروج في الأوساط الديبلوماسية حول الأدلة المزعومة التي كانت بحوزة الإدارة الأمريكية، وهو ما أثبته تصريح لميلتون بيردن، المسؤول السابق عن المخابرات الأمريكية في السودان وأحد المسؤولين عن العمليات السرية في أفغانستان، بدأت تصدر أشرطة متتالية لتنظيم القاعدة ولزعيمها أسامة بن لادن تتبنى عمليات الحادي عشر من شتنبر سرعان ما التقطتها قناة (س ن ن) وأصبحت تستخدم كحجة في خطابات طوني بلير وفي التقرير الذي قدمه لمجلس النواب البريطاني، كما أن البنتاغون قد عمل على إعادة إذاعة شريط بن لادن يوم 13 دجنبر 2001. وبما أن صاحب الكتاب قد دافع على أطروحة مغايرة للأطروحة الرسمية الأمريكية القائلة بأن انهيار البرجين تم بفعل اصطدام الطائرتين بهما، وأكد على أن انهيار البرجين قد تم بفعل متفجرات كانت موجودة داخلهما، وبما أن صاحب الكتاب قدم عدة أدلة تثبت أن هناك أطرافا داخلية كانت وراء الحادث، إلى درجة التأكيد أن الرئيس الأمريكي قد تمكن من متابعة حادث التفجير الأول قبل وقوع التفجير الثاني داخل قاعة مخصصة للمشاهدة أعدت داخل مدرسة كان يزورها الرئيس، وأن الصور التي وصلته ليست هي الصور التي التقطها الأخوان جيل وكيديون نودي، اللذين ظلا يصوران طيلة اليوم، وأن صورهما الملتقطة لم تذع إلا ثلاثة عشرة ساعة بعد وقوع الحادث من لدن وكالة كاما، فإن صاحب الكتاب يستغرب كيف جاء الشريط المنسوب إلى بن لادن كي يصب في نهاية المطاف في الرواية الرسمية الأمريكية وفي الوقت المناسب. لا يشك صاحب الكتاب لحظة في أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة عميلان لأمريكا ويعملان لفائدتها. ورغم أننا نستبعد هذا الاحتمال استبعادا كليا، إلا أن كثيرا من التوافقات بين السياسة الحربية الأمريكية وأهداف اللوبي الصهيوني، الذي له تأثيره الكبير في السياسات الخارجية الأمريكية قد تدفع البعض إلى تبني هذا الاستنتاج. لكن الاحتمال الأقرب إلى الواقع هو أن الدهاء الصهيو أمريكي قد أدخل العداء الظاهر لتنظيم القاعدة، وما يمكن أن يصدر عنه من عمليات مضادة لأمريكا ولمصالحها في العالم ضمن استراتيجية تستند إلى الحاجة الدائمة إلى عدو ظاهر يهدد مصالح أمريكا، مما سيبرر الإنفاق العسكري على الصناعة الحربية، ويبرر استمرار أساطيلها في الخليج وقرب منابع النفط، ويبرر "الحملة ضد الإرهاب" والحملة ضد الحركات الإسلامية، والحملة ضد الإسلام ومؤسساته العلمية والتربوية والاجتماعية على اعتبار أنها هي المحضن الأول ل"الأفكار الإرهابية". والدهاء الأمريكي الصهيوني قادر بعد ذلك على أن يجند عشرات من الأشخاص الذين بإمكانهم تقديم الخدمة بالانتساب إلى تنظيم القاعدة أو ادعاء ذلك الانتساب، أو القيام بعمليات تستهدف الآمنين أو بعض الأهداف العسكرية لدول هي أقرب للعرب والمسلمين من الولاياتالمتحدة وحتى في حال ثبوت نسبة أحداث الحادي عشر من شتنبر إلى تنظيم القاعدة فإنه يسهل بعد ذلك القيام ب"أعمال قذرة" من لدن المخابرات المركزية أو الموساد ونسبتها إلى القاعدة عملا بقاعدة أكل الثوم بفم تنظيم القاعدة. وفي هذه الحالة لن تعدم تلك المخابرات تصريحات بعض المجانين التي تنسب تلك الأعمال لجماعة إسلامية معينة، ولن يكون من الصعب اختلاقها اختلاقا ونسبتها إلى بعض الجماعات الإسلامية المطاردة أو التي لا تلقي بالا إلى خطورة الحرب العالمية. لا شيء بإمكانه أن يجعلنا نفهم لماذا استهدف تنظيم القاعدة، أو أية جماعة إسلامية لها صلة أو تعاطف به، السفينة الفرنسية، ولا نتيجة ترجى من هذا العمل لمن كان له حد أدنى من التحليل السياسي، إلا دفع فرنسا للارتماء في أحضان السياسة الأمريكية الخارجية ووراء ما تسميه ب"الحملة على الإرهاب" التي يوجد اليوم على رأس لائحتها العراق. لا شيء يجعلنا نفهم دواعي وأهداف الهجوم الأخير الذي استهدف مجموعة من السواح الآمنين بجزيرة بالي في أندونيسيا إلا أنها أعمال نصب في نهاية المطاف في مصلحة الأوطروحة الأمريكية حول "خطر الإرهاب". لاشيء يجعلنا نفهم استمرار صدور بعض التصريحات المنسوبة لتنظيم القاعدة أو لبعض الجماعات الإسلامية، والتي تهدد بالقيام بعمليات أخرى داخل الولاياتالمتحدة. إلا أنه يصب في خدمة السياسة الحربية والعدوانية الأمريكية ضد العالم الإسلامي. وإذا صح ما ينسب لتنظيم القاعدة أو جماعة إسلامية ذات صلة به لمثل هذه العمليات في الوقت المناسب، كما تبنى أحداث الحادي عشر من شتنبر في الوقت المناسب تماما للإدارة والإرادة الأمريكية، فليس هناك إلا أحد احتمالين: إما أن هذا التنظيم عميل لأمريكا كما ذهب تيري ميسان، وهذا أمر نستبعده، وإما أنه تنظيم مغفل يفسد من حيث أراد أن يصلح، وتصب نتائج أعماله الخرقاء في دعم السياسة الحربية الأمريكية وفي تشويه صورة الإسلام، وتقديم الفرصة السانحة للإعلام المتصهين كي يقرن في كل مناسبة صور الدمار والأشلاء والأجساد المشوهة بصورة الإسلام والمسلمين. وإذا لم يصح أنه تبنى العمليات الأخيرة فإن تبنيه لأحداث الحادي عشر من شتنبر وعدم تكذيبه لنسبة ما نسب إليه من تصريحات وأشرطة يجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول استيعابه لمجريات الوضع العالمي وللآثار السلبية لأحداث شتنبر وما تبعها من أثر مدمر على صورة الإسلام والمسلمين. محمد يتيم