من المشاكل المرتبطة بأزمة السكن بالمغرب، عدم إتمام بعض المشاريع الخاصة ببعض التجزئات السكنية الاجتماعية، كما هو حاصل بالنسبة لتجزئة "سعيد حجي" بعمالة سلاالمدينة، موضوع استطلاعنا هذا. فقد بدأ التفكير في هذا المشروع منذ عقدين من الزمن، وشرعت الأشغال فيه منذ أواخر الثمانينات، ولم يكتمل إنجازه لحد كتابة هذه السطور. وعندما تولت المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية (ERAC) التابعة لوزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان، تجهيز مشروع "تجزئة سعيد حجي"، تأخرت في تسليم البقع الأرضية لمئات من المستفيدين، مما ترتبت عنه مشاكل اجتماعية واقتصادية عديدة أضرت بمصالحهم. ويعرف حاليا الجزء الثاني من الشطر الثالث من المشروع نزاعا قضائيا بسبب استغلاله من طرف بعض الفلاحين، وهو ما جعل اليأس يخيم على شعور بعض المتضررين، ويزعج أحلامهم في الحصول على سكن لائق وكريم، ويطرح بعض الشكوك حول مؤسسة (ليراك). مؤسسة (ليراك) تلاعبت بنا وبأحلامنا مشروع "تجزئة سعيد حجي" يضم 2012 بقعة أرضية للسكن الاجتماعي و الاقتصادي، خصصت منها 41 بقعة لبناء عمارات و22 للمرافق التعليمية والاجتماعية، منها مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية ومستشفيات ومساجد ومساحات خضراء. وقد تقرر تشييد هذا المشروع على مساحة تقدر ب114 هكتارا من طرف المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية ( ERAC). ورغم أن هذا المشروع حاز على الجائزة الأولى على الصعيد الإفريقي، نظرا لتصاميمه ومرافقه المتنوعة، كما بشر بها المستفيدون في بداية الأمر، إلا أن حوالي 600 مستفيد منهم لازالوا لم يتسلموا بقعهم الأرضية لحد الآن، ويعيشون كل يوم على هذا الأمل، الذي قال بعضهم إنه لن يتحقق، بسبب تأخر مؤسسة (ليراك) في الوفاء بوعودها. يقول "امحمد أوكادي" ، موظف بالبرلمان وأحد المستفيدين من مشروع تجزئة سعيد حجي: "عانيت الكثير من أجل أن أوفر ثمن هذه البقعة، فقد بعت بعضا من أمتعتي واستلفت من مؤسسة للقرض، وغيرت من وتيرة معيشتي في الحياة لتوفير هذا المبلغ، ورغم كل هذه الجهود، فإن مؤسسة (ليراك) تلاعبت بنا وبأحلامنا، فمنذ الثمانينات وأنا أنتظر هذه البقعة، حتى بدأ اليأس يعرف طريقه إلى قلوبنا". ولا تقتصر هذه المأساة فقط على هذا الرجل، الذي أشرف على التقاعد، وإنما تشمل أيضا عشرات المستفيدين، الذين ملوا من الانتظار، يقول "علي أبجيج"، الذي حول مسار حياته إلى النضال المستمر بهدف تحقيق أحلام هؤلاء المتضررين في الحصول على بقعهم: " أغلب المستفيدين من تجزئة سعيد حجي سووا وضعيتهم المادية وأدوا ما عليهم من واجبات، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ومنهم من تقاعد أو أوشك على التقاعد، والجميع ينتظر مؤسسة "ليراك" أن تطلق "سراح" بقعهم المحتجزة". أما "عياد رضا"، وهو من نشطاء لجنة التنسيق(أسسها المستفيدون المتضررون للدفاع عن مصالحهم)، لم يكن مستفيدا، إلا أنه قال: "أعجبني مشروع تجزئة سعيد حجي، فاشتريت بقعة أرضية منه، وظننت أني سأحصل على مسكن لائق ينقذني من تبعات الكراء، إلا أني فوجئت أن بقعتي توجد ضمن الجزء الثاني من الشطر الثالث من المشروع الذي يعرف مشاكل عدة لم تتم تسويتها لحد الساعة". وبالنسبة ل "بومهدي الهداجي" فقد اعترضته المشاكل منذ البداية، فبعد أن اشترى بقعة أرضية مساحتها 100 متر، أخبرته (ليراك) أن بقعته وقع فيها غلط، وأن مستفيدا آخر اشتراها قبله، فاستبدلها ببقعة أخرى مساحتها 80 مترا، ويقول إنه لا زال يعاني من تماطلات مؤسسة (ليراك) مدة أربع سنوات. وقد أثيرت حالات أخرى مشابهة بسبب التغيير في مساحات البقع، بل إن التصاميم الأولى التي رسمت للمشروع غيرت فيما بعد بتصاميم جديدة، وهذا ما يلاحظ من خلال وجود علامتين إشهاريتين للمشروع مختلفتين في البيانات، بعين المكان على الطريق الرابط بين مدينة الرباط و مدينة القنيطرة، وهو ما عبر عنه أحد المتضررين بقوله: "منذ بداية المشروع إلى الآن تم تغيير مساحة الكثير من البقع، حيث قلص بعضها من 110متر إلى 80 م. مرافق اجتماعية مع وقف التنفيذ يقول "علي أبجبج"، أحد المستفيدين: "تجزئة سعيد حجي لم تنجز فيها جميع المرافق التي وعدت بها (ليراك)، حيث تنعدم المؤسسات التعليمية و الأمنية ووسائل النقل والمرافق الصحية والمساجد، مع الإشارة إلى أنه تم إدخال الإنارة مؤخرا، بعد أن كانت هذه التجزئة مسرحا لكثير من الحوادث والاعتداءات الإجرامية، ونسجل أن بعض دوريات الأمن بدأت مؤخرا تجوب أزقة هذه التجزئة للتخفيف من وطأة الإجرام، ورغم ذلك فلازال بعض المنحرفين يتخذونها مكانا لفسادهم وإفسادهم." ومما لاحظناه ونحن نستطلع بعض جيوب هذه التجزئة، انعدام المؤسسات التعليمية بها، وكنتيجة لذلك فإن التلاميذ الذين يودون متابعة دراستهم يضطرون الذهاب إلى عمق مدينة سلا (باب سبتة)، ومما يزيد في معاناتهم انعدام وسائل النقل، وهذه أيضا معركة يخوضها السكان من أجل إنقاذ فلدات أكبادهم من الضياع. وينبه علي أبجبج إلى مشكلة أخرى وهي كثرة حوادث السير التي تعرفها الطريق الرابطة بين سلاوالقنيطرة، والتي تمر بالمحاذاة من تجزئة "سعيد حجي"، وذلك لانعدام علامات خاصة بالمرور، وحيز مكاني من أجل الانعراج إلى داخل التجزئة. ورغم شساعة هذه التجزئة لاحظنا غياب أي صومعة توحي بأن هناك مكان خاص لتأدية الصلوات الخمس وصلاة الجمعة. والخلاصة التي يمكن استنتاجها بهذا الصدد هي أنه سواء الذين حصلوا على بقعهم أم الذين لازالوا ينتظرون، فهم يقتسمون هما واحدا وهو تحطم طموحاتهم في الحصول على سكن اجتماعي آمن تتوفر فيه الشروط الضرورية لعيش كريم. فأين اختفت هذه الشروط التي طالما بشرت بها المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية؟ نزاع قضائي حول شطر من تجزئة "سعيد حجي" من المشاكل العويصة التي تعرفها تجزئة "سعيد حجي"، كون الجزء الثاني من الشطر الثالث منها لازال "محتلا" من طرف بعض الفلاحين إلى اليوم، وهو عبارة عن قطعة أرضية مساحتها 14 هكتارا، يقتسم استغلالها فلاح يدعى "مولها ربي"، وورثة لفلاح آخر توفي منذ سنوات. يقول أحدهما إنه اكترى هذه الأرض مدة 43 سنة، وله ما يثبت ذلك. وتتركز مطالب هؤلاء الفلاحين في المطالبة بتعويضات عادلة عن سنوات استغلالهم لهذه الأرض. وقد كانت مشاكل من هذا النوع مع بعض المحتلين الآخرين فتمت تسويتها عن طريق المساومة بينهم وبين (ليراك) . وللإشارة فإن صاحبة المشروع رفعت دعوى قضائية تطالب فيها بإفراغ المحتلين من شطر أساسي من تجزئة سعيد حجي، وقضت، في وقت سابق، المحكمة الابتدائية بالرباط بالإفراغ، ومن المنتظر أيضا أن تبت محكمة الاستئناف في الموضوع يوم 16 من شهر أكتوبر الجاري. ويتساءل "رضاد عياد"، صاحب بقعة أرضية توجد في الأرض المتنازع حولها: "لماذا لم ترفع مؤسسة (ليراك) دعوى الإفراغ في وجه هؤلاء المحتلين في وقت مبكر من عمر المشروع، وتماطلت في ذلك إلى اليوم، لتنطلق في هذه الإجراءات التي قد تطول سنوات عديدة؟ مؤسسة (ليراك) "لا مشيط لا مجي بكري" بعد استماعنا إلى الأطراف المتضررة وإلى معاناتهم وتطلعاتهم، لم يكن أمامنا إلا أن نحمل معنا تساؤلات هؤلاء المواطنين ونحن نتوجه إلى المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية، القابعة في بداية شارع بين الويدان بحي أكدال بالرباط، كنا نحسب أننا سنحظى بلقاء المسؤول الأول عن المؤسسة، لنجد عنده أجوبة لأسئلة غامضة، لكننا قوبلنا بسلسلة من الإجراءات الإدارية من أجل إجراء هذه المقابلة الصحفية، فبعد أن وضعنا طلبا في الموضوع، والانتظار بعد ذلك ثلاثة أيام دون جواب، اتصلنا بمؤسسة(ليراك) بالهاتف، فقيل إن الطلب أحيل على مسؤول آخر، يوجد هو الآخر في اجتماع إداري، وكانت النتيجة أننا لم نعثر على مسؤول يرد على أسئلة المتضررين، ولا أن يستقبل الصحفي الذي ينقل تلك الأسئلة. وكان استنتاجنا أن هذه المؤسسة يصدق عليها المثل المغربي القائل " لا مشيط لا مجي بكري"، فإذا لم ينتزع صحفي لقاء مع المدير العام ل(ليراك)، فكيف لهؤلاء المستفيدين أن ينتزعوا بقعهم الأرضية من دهاليز هذه المؤسسة؟ وحول رأي بعض المستفيدين من هذه المؤسسة، يحمل " امحمد أوكادي"، المسؤولية كاملة لمؤسسة (ليراك)، ويقول عنها "إنها مؤسسة أصبحت تحوم حولها الشوائب، لقد تسببت لنا في معاناة حقيقية، فمن أين سأبني هذه البقعة وقد أشرفت على التقاعد؟ بل إن أهلى بدأوا يشككون في وجود هذه البقعة أصلا..." أما رضا عياد فهو يقول: "كلما زرنا مؤسسة (ليراك) مستفسرين عن حقوقنا، إلا ووجدنا أجوبة غير مقنعة". وأمام هذه المعاناة وتماطل المؤسسة المسؤولة، نظم المستفيدون المتضررون أنفسهم في جمعية أسموها "لجنة التنسيق"، ووضعوا لها هدفا واحدا هو النضال المستمر والمستميت لمواجهة تسويفات (ليراك) التابعة لوزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان. يقول "علي أبجيج": "كونا لجنة تنسيق تنوب عن المستفيدين المتضررين، فقمنا بمراسلة الوزير الأول وكل الجهات المعنية. وسبق لنا أن عزمنا على تنظيم وقفة احتجاجية في 17 يوليوز المنصرم، هذه المحاولة جعلت المسؤولين في (ليراك) يستجيبون لفتح لقاء معهم لمدارسة هذه المشاكل، وقد كان اللقاء قبيل عودة المهاجرين المغاربة إلى أرض الوطن، مما اعتبره البعض مناورة من هذه المؤسسة حتى يتم لها استقطاب هذه الجالية إلى تجزئة سعيد حجي." الخطوات القادمة يقول "علي أبجيج"، رئيس لجنة التنسيق: "سنلتجئ إلى كل المنابر الإعلامية من أجل التعريف بمشكلتنا، وسنتصل بكافة البرلمانيين الجدد لنسلمهم ملفنا، وسنقوم باحتجاجات واعتصامات متوالية، في عين المكان(التجزئة)، و أمام (ليراك)، وأمام المؤسسة التشريعية. ونعلن للرأي العام أنه في حالة عدم الاستجابة لمطالبنا المشروعة، فإننا سنتوجه لملك البلاد لنعرض عليه تظلمنا." مشكلة السكن من المشاكل التي تزداد تفاقما يوما بعد يوم، ولها أبعاد سياسية واجتماعية وقانونية واقتصادية، ومرتبطة من جهة أخرى بتزايد النمو الديمغرافي للمغاربة، وهي الملفات التي لم تعالج بالكيفية التي تضمن لكل المغاربة سكنا لائقا يحفظ لهم كرامتهم وأمنهم، وينبغي أن توليها الحكومات المتعاقبة على تسيير الشأن العام أولوية خاصة وتجد لها الحلول الكفيلة بتجاوز أزمة السكن بالمغرب. فهل ستتحرك الجهات المسؤولة لتفعيل قضية تجزئة سعيد حجي التي طال عمرها، والتي ترتبت عنها عدة مشاكل اجتماعية، تنتظر حلا سريعا لتفادي مآسي اجتماعية قد تتطور في المستقبل؟ فماذا عن صمت مؤسسة (ليراك)، صاحبة المشروع، التي لازالت لم تتم مشروعها الذي عمر سنوات عديدة؟ عمر العمري