أقصي حوالي ثلاث ملايين من المهاجرين المغاربة القاطنين بالبلدان الغربية من المشاركة في الانتخابات التشريعية التي عرفتها بلادنا يوم 27 شتنبر الماضي، و قد انطلق مسلسل الإقصاء من حرمان هذه الشريحة الهامة من المجتمع المغربي من التسجيل في اللوائح الانتخابية، وهو حق تخوله لهم جميع القوانين، المهتمة بهذا المجال، لمن توفرت فيه الشروط المطلوبة للتسجيل و ممارسة حق الانتخاب. فالفصل الثامن من الدستور المغربي يعتبر نصا عاما محددا لهذا الحق، فهو يقضي بأن " لكل مواطن، ذكرا كان أو أنثى، الحق في أن يكون ناخبا، إذا كان بالغا سن الرشد و متمتعا بحقوقه المدنية و السياسية". و يقر الفصل الخامس من الدستور أن جميع المغاربة سواء أمام القانون. و بالنسبة للقانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، فقد حدد الأشخاص الذين لا يمكنهم التقيد في اللوائح الانتخابية ولم يذكر من بينهم المهاجرين المغاربة. و في الباب السادس من القسم الثالث من نفس القانون خصص عنوانه ل " تصويت الماطنين المغاربة المقيمين خارج تراب المملكة". وأمام هذا الإقصاء، لجأت مؤخرا الجالية المغربية إلى القضاء المغربي لمحاكمة حكومة " التوافق" عن هذا الخرق القانوني و من أجل إنصافها و رد الاعتبار لوطنيتها. فلماذا لم يتم إدماج هذه النسبة الهامة من المواطنين في الاستحقاقات الوطنية الأخيرة و أخذ رأيهم فيمن يمثلونهم أمام المؤسسة التشريعية؟ هناك من يعتبر أن هذه التمثيلية قد تحصل عبر قنوات أخرى و من خلال الهيئات المتحدثة باسم المهاجرين بأرض المهجر. ورغم ذلك فهذا لايمنع من مشاركة هؤلاء المواطنين في الاستحقاق المذكور. وقد عللت بعض المصادر أن هذا الإقصاء ناتج عن مشاكل تقنية في متابعة الانتخابات خارج أرض الوطن، وهو تعليل مرفوض، يدل على أن الحكومة لم تعد عدتها الكاملة و استعدادها المطلوب لإجراء الانتخابات التشريعية، مما ترتب عنه حرمان حوالي ثلاث ملايين من المشاركة السياسية، وهذا يعكس أيضا النظرة الحسابية المادية الضيقة التي ينظر بها إلى المهاجرين المغاربة، واعتبارهم مجرد تحويلات مالية للعملة الصعبة، وعدم التفكير في مشاكلهم و معاناتهم و رغبتهم في المشاركة الايجابية في المؤسسات الدستورية للبلاد. و النتيجة الأخرى لهذا الإقصاء هي المساهمة في خفض نسبة المشاركة في الانتخابات، فرقم 3 ملايين هو رقم هام و معامل أساسي في إعطاء قوة و مصداقية للانتخابات و ضمان أكبر تمثيلية للناخبين، عكس ما حصل في الاستحقاقات الأخيرة، حيث كانت نسبة المشاركة ضعيفة، وإذا أضفنا إليها البطائق الملغاة و عدم مشاركة الجالية المغربية القاطنة بالخارج و الارتفاع المهول لنسبة الأمية، فإن البرلمان الحالي لن يمثل إلا ربع أو ثلث سكان المغاربة في أحسن الأحوال. و إشراك المهاجرين في الانتخابات السياسية للبلاد له فوائد كثيرة منها تمتين صلتهم بالبلد الأم و اقتسام الاهتمامات الوطنية و فتح جسور التواصل الدائم بين الوطن و أبنائه المغتربين. كما أن هذا الإشراك من شأنه أن يعزز من وطنية المهاجرين، خصوصا الأجيال الشابة التي ترعرعت في بيئات مخالفة لثقافة وحضارة البلد الأصلي. سعيد الحري باحث قانوني