الخيار الثالث مصطلح يلخص فكرة إبداع طريق ثالث، يمكن أن تتبناه بعض المجتمعات أو التنظيمات المجتمعية، التي تجد نفسها بين خيارين جذريين، على طرفي نقيض، فتلجأ لتطوير خيار آخر من بين البدائل التي تطورها وتجتهد في إبداعها ، بحثا عن فرصة لتجنب وتفادي عواقب التقاطب الحاد . غير أن تحقق الخيار الثالث على أرض الواقع أو استمراره، يتوقف على مدى إيمان بعض المكونات المجتمعية أو على الأقل الأطراف الفاعلة الأساسية بجدواه، وبضرورة التعاون على إنجاحه، أما إذا اضطر الجميع إلى أن يتخندق ويستمر في التقاطب والاصطفاف والحشد، خلف أحد الخيارين المتناقضين، فإنها لن تبقى هناك فرصة أمام شيء اسمه الخيار الثالث. فخلال الحراك الشعبي الذي سمي بالربيع الديمقراطي في عدد من بلداننا، انتفضت شعوب المنطقة مطالبة بحقها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ما أفرز خيارين متقابلين متصارعين؛ تيار شعبي جارف هادر ساع لجرف الأنظمة الحاكمة وإسقاطها، وأنظمة مستبدة متصلبة متحجرة غير مستعدة لأي إصلاح من الإصلاحات المطلوبة شعبيا. في هذا الخضم برز ما سمي بالاستثناء المغربي الذي أنتج خيارا ثالثا عنوانه الأبرز: "الإصلاح في ظل الاستقرار"، ولقد استطاع نداء الإصلاح الديمقراطي أن يساهم في بلورة هذا الخيار بعد التفاعلات التي أفرزتها كل من مسيرات 20 فبراير، التي كان من بين أهدافها مواجهة الفساد والاستبداد، والخطاب الملكي في 9 مارس 2011، الذي فتح الباب للإصلاحات الدستورية . ولا شك أن الذي ساعد في التفكير في هذا الخيار هو المنهج المعتمد عند مكونات هذا الاتجاه في الإصلاح ، فالتدرج والحكمة والمشاركة الإيجابية والتدافع السلمي كلها قيم ومنطلقات كانت حاضرة عند البحث عن بدائل لتجاوز الثنائية، ولكنه خيار ما كان ليتحقق لو لم تتوفر له في الواقع عناصر التجاوب والقبول ، ولو لم تستطع المكونات الأساسية للمجتمع المغربي والدولة المغربية التوافق على القيام بإصلاحات غير مسبوقة ، أما إذا تعذر بلورة أو تنزيل الخيار الثالث لأي سبب من الأسباب، سواء كانت ذاتية أو موضوعية، أو كانت ظروفا فرضها الأمر الواقع، فإن التنظيمات المجتمعية، تجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، أحلاهما مر، فتضطر لاختيار ما تقدر أنه الأقل ضررا أو الأكثر توافقا مع المبادئ، وهي حالة في تقديري مرت منها بعض الحركات الإسلامية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ثلاث حالات: الأولى: حركة حماس التي كان عدد من قياداتها يستقرون في سوريا، ومعهم اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين وجدوا أنفسهم، إبان اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد، مضطرين للاختيار بين الانحياز للنظام الدموي المجرم أو الانحياز للشعب المظلوم والمغلوب على أمره. الثانية: التجمع اليمني للإصلاح والقبائل المساندة له، والذين وجدوا أنفسهم مضطرين لاختيار أحد أمرين؛ إما السقوط في فخ نصب لهم لاستدراجهم إلى مواجهة مسلحة مع الحوثيين يتم من خلالها إدخال البلاد في حرب أهلية، أو تجنبهم الدخول في هذا الاقتتال، وهو ما يؤدي إلى بسط هذا الفصيل لهيمنته العسكرية على البلاد. الثالثة: حركة النهضة في تونس، التي رغم كل التنازلات التي قدمت وكل الحكمة التي تحلت بها في التعاطي مع الشأن التونسي، وجدت نفسها مضطرة للقبول بما يشبه الانقلاب الناعم، أو التشبث بحقها إلى آخر رمق، وانتظار الانقلاب "الخشن " على الطريقة المصرية وكل ما يتبعه من مواجهات واستنزاف ودخول في طريق المجهول. الخلاصة أن إيجاد البدائل وتكثير الخيارات ينبني بالأساس على القدرة على التجديد في الوسائل والتدرج في تحقيق الأهداف والمرونة في التعامل مع الواقع ، ولكن هذه المرتكزات المنهجية لا تسعف دائما في بلورة خيار ثالث وتنزيله حين تكون الثنائية حادة ولا تترك أي هامش للمرونة. فحين يتعذر الخيار الثالث تدخل التنظيمات في حكم المضطر الذي يختار أخف الضررين بما لا يخرج عن المحددات المبدئية الكبرى والعريضة للمنهج الذي استمد منه الخيار الثالث، ولا يمكن محاسبته إلا باستحضار واقعه وإكراهاته وتحدياته، لذا فإن مثل هذه الحالات، تحتاج من القيادات حكمة وتماسكا أكثر، ومن الأعضاء والمناصرين تفهما أكبر.